"QNB": الأسواق الناشئة أقل عرضة لهروب رؤوس الأموال بفضل عمليات "تصحيح" وتحسن النمو

الرؤية - خاص

قال التقرير الأسبوعي لمجموعة بنك قطر الوطني "QNB" إن الأسواق الناشئة تتسم حالياً بقدر أكبر من المرونة تجاه ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، مقارنة مع ما كانت عليه في عام 2013، وذلك بفضل التصحيحات المهمة في العملات والموازين الخارجية وتحسن توقعات النمو.

وأوضح التقرير أن الديون الخارجية الكبيرة والآخذة في الارتفاع في تلك الأسواق تعني أنها لم تتجاوز دائرة الخطر بالكامل. وظلت الأسواق الناشئة هادئة بصورة تثير الدهشة خلال الارتفاع الأخير  في أسعار الفائدة الأمريكية. إذ بالمقارنة مع المرات المماثلة السابقة التي صاحبها هروب رؤوس الأموال وانهيار العملات وهبوط أسعار الأصول، ظلت الأسواق المالية في الاقتصادات الناشئة مستقرة نسبياً في أواخر عام 2016 وأوائل عام 2017 – يبدو أن المخاوف بشأن هروب رؤوس الأموال قد تبددت. وعليه، يبدو أن الوقت قد أصبح الآن مناسباً لنسأل عما إذا كانت أزمة هروب رؤوس الأموال قد انتهت. للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نقوم بدراسة الأسس الاقتصادية الحالية في الأسواق الناشئة الرئيسية التي لا ترتبط  عملاتها بعملات أخرى ومقارنتها مع الأسس خلال فترة "نوبة الغضب" التي ثارت عام 2013. وسنجد أن الأسواق الناشئة أكثر مرونة الآن، ويعود ذلك بصفة أساسية إلى  التحسن الذي طرأ  على المراكز  الخارجية.

في الآونة الأخيرة، تمت عملية إعادة تسعير حادة لأسعار الفائدة الأمريكية من أوائل نوفمبر  وحتى الاجتماع الأخير  لبنك الاحتياطي الفيدرالي في منتصف مارس. وارتفعت عائدات الخزانة الأمريكية مدفوعة بتحسن الاقتصاد العالمي وكذلك بما أصبح يعرف باسم "تجارة ترامب"؛ حيث توقعت الأسواق مسبقاً إقرار التحفيز  المالي في الولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقديم موعد رفع أسعار الفائدة إلى مارس بسبب الانتعاش الاقتصادي والتحفيز المالي المرتقب للرئيس ترامب، مما أدى إلى قفزة أخرى في أسعار  الفائدة في الولايات المتحدة. وبصفة عامة، ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لمدة عامين بمقدار  57 نقطة أساس في الفترة من أوائل نوفمبر (أي قبيل الانتخابات الأمريكية) وحتى أوائل مارس (عندما قامت الأسواق بتطبيق الارتفاع الأخير  في أسعار  الفائدة الذي أعلنه بنك الاحتياطي الفيدرالي بالكامل).

وكانت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد شهدت حركة مشابهة خلال عام 213، فيما عرف "بنوبة الغضب"، بعد أن تطرق رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي لأول مرة لموضوع خفض برنامج التيسير الكمي. وبين بداية مايو 2013 (أي قبيل الإعلان الأولي عن تخفيض التيسير الكمي) وبداية شهر سبتمبر (عندما ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بشكل كبير) ارتفعت عائدات السندات الأمريكية لأجل سنتين بواقع 32 نقطة أساس. لكن، الانخفاض في أغلب عملات الأسواق الناشئة كان أقوى بكثير خلال نوبة الغضب في 2013 مقارنة بمرحلة "تجارة ترامب" ما بين 2016 و2017. وحدث هذا الأمر  رغم كون التغير  في عائدات السندات لأجل سنتين في 2013 كان تقريبا نصف مقدار التغير  في 2016/2017.

فما الذي يفسر الوضع الأقوى للأسواق الناشئة اليوم مقارنة بعام 2013؟ يبدو أن تقلص المخاطر الخارجية وتحسن آفاق النمو المحلي قد جعلا من الأسواق الناشئة أقل عرضة لهروب رؤوس الأموال. فالمستثمرون مهتمون بشكل رئيسي بالمخاطر التي يواجهونها والعائدات التي يحصلون عليها. وبالتالي، فتحسن المراكز الخارجية للأسواق الناشئة يعني تراجع المخاطر، بينما يعني ارتفاع النمو أن العائدات سترتفع.

وعلى المستوى الخارجي، تحسنت موازين الحساب الجاري في الأسواق الناشئة منذ 2013، وهو ما يفسر بشكل كبير انخفاض تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على عملات الاقتصادات الناشئة. والسبب الرئيسي وراء تحسن مراكز  الحسابات الجارية هو انخفاض سعر الصرف في جميع الأسواق الناشئة التي نتابعها، وهو ما ساعد هذه الاقتصادات على التكيف من خلال جعل صادراتها أكثر  تنافسية ووارداتها أكثر  كلفة.

وفي 2017، من المتوقع أن يتسارع النمو في ثمانية من الاقتصادات الناشئة الإحدى عشر التي اخترناها.  وعلى عكس ذلك، كان النمو قد تباطأ في ستة من هذه الاقتصادات في الفترة من 2012 إلى 2013. وتشير أحدث استطلاعات مؤشر مدراء المشتريات (وهو مؤشر يهتم بالنشاط الاقتصادي المستقبلي) إلى حدوث تحسن  مطرد في أنشطة الأسواق الناشئة منذ منتصف 2016، حيث ارتفع المؤشر من 50.0 في يونيو 2016 إلى 52.1 في فبراير 2017 (ما فوق 50 يعني توسعاً في النشاط  الاقتصادي)، وهو أعلى مستوى له في عامين ونصف.    

ويمكن لتحسن موازين الحساب الجاري والآفاق الإيجابية أن تساعد في تفسير تزايد استقرار الأسواق الناشئة مقارنة مع الفترات السابقة من رفع أسعار  الفائدة الأمريكية. ومع ذلك، من الصعب الجزم بأن جميع الأسواق الناشئة قد أصبحت في مأمن الآن، فهناك عدد من الأسواق الناشئة التي لديها ديون خارجية كبيرة وآخذة في الارتفاع ويمكنها أن تتعرض لضغوط خارجية في حال ساءت توقعات النمو. وترتفع نسبة الديون الخارجية في جميع الاقتصادات الناشئة التي تطرقنا إليها، باستثناء الفلبين. وعلاوة على ذلك، فإن الديون الخارجية تزيد على 50% من الناتج المحلي الإجمالي في كل من ماليزيا وجنوب أفريقيا وتركيا. وهذه المستويات المرتفعة نسبياً من الديون الخارجية تعني أنه لا يزال هناك تهديد من أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وتزايد قيمة الدولار قد يزيدا تكاليف سداد الديون الخارجية، وهو ما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال مجدداً.

تعليق عبر الفيس بوك