توصي بتقييم مدى كفاءة وفاعلية البنوك التجارية في الرقابة على المعاملات المخالفة

دراسة لـ"الغرفة" تبرز الدور الريادي للسلطنة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال

 

 

مسقط - الرؤية

 

أعدَّ الدكتور عبد السلام فرج يحيى الخبير الاقتصادي بغُرفة تجارة وصناعة عُمان دراسة اقتصادية بعنوان "ظاهرة غسل الأموال، النشأة والأسباب والجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمكافحتها". وضمت الدراسة 3 فصول سلط من خلالها الضوء على التطور التَّاريخي من حيث النشأة والأسباب والآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه الظاهرة، وتتبع الفصل الثاني دور الجهاز المصرفي والبنوك المركزية في مُكافحة ظاهرة غسل الأموال، وأفردت الدراسة فصلاً كاملاً لتوضيح أهم الجهود الدولية والإقليمية والمحلية لمُحاربة هذه الظاهرة مع التركيز على الدور الريادي للسلطنة في مكافحة الظاهرة.

 

وحول التعريف بغسل الأموال، أوضح الباحث أنَّ هناك تعريفات مُختلفة اجتهد الخبراء من خلالها لتعريف معنى غسيل الأموال، وانقسمت الآراء إلى قسمين أحدهما ضيق والآخر واسع. واقتصر التعريف الضيق للظاهرة على عدم مشروعيتها الناتجة عن تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية، ومن هذه التعريفات والآراء الفقهية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالمخدرات المنعقدة في ڤينا (1988)، والتوصية الصادرة من مجلس المجموعة الأوربية عام (1991) أما التعريف الواسع لغسيل الأموال فإنّه يشمل جميع الأموال القذرة الناتجة عن جميع الجرائم والأعمال غير المشروعة، وليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات.

وتناولت هذه الدراسة بالتحليل العلاقة بين ظاهرة غسل الأموال وما يسمي باقتصاد الظل (الاقتصاد المستتر) حيث أشار الباحث إلى أن اصطلاح غسيل الأموال يندرج تحت ما يُسمى بظاهرة الاقتصاد الخـفي أو الاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الأسود (اقتصاد الجريمة)، باعتبار أنَّ أصحاب الأموال المغسولة غالباً ما يعملون بالخفاء، الأمر الذي لا يُمكن تلك الأموال من أن تظهر بصورة مُباشرة فتسجل ضمن الاقتصاد الخفي إلى حين تتم عملية دورانها في مراحل عملية غسل الأموال، التي قد تأخذ وقتاً طويلاً إلى أن تعود وتدخل في الاقتصاد الرسمي في صورة شرعية .

 

وأوضحت الدراسة أنّ عمليات غسيل الأموال تُعتبر من أكثر العمليات دقة وحساسية وغموضاً وتعقيداً وتداخلاً سواء كان ذلك من الناحية المالية أوالاقتصادية أوالقانونية، الأمر الذى من شأنه أن يتسبب في وضع المعوقات والعراقيل التي تساهم في عرقلة كافة الجهود المتعلقة بمتابعتها ومكافحتها والقضاء عليها، ولعل من أهم العوامل والأسباب التي أدت إلى انتشار وتنامي عمليات غسيل الأموال على الصعيدين المحلي والعالمي، البحث عن الأمان ومحاولة الحصول على المشروعية، خشية المطاردة القانونية والانفتاح في الأسواق المالية الدولية والمصارف ودورها في تسهيل عمليات الأموال (الحسابات السرية) والتشجيع العلني للدول والتقدم التكنولوجي وارتفاع معدلات الضرائب والرسوم وانتشار ظاهرة التهرب الضريبي.

وفيما يخص الآثار السلبية الناجمة عن تنامي وتفشي ظاهرة غسل الأموال فقد أوضح الباحث أنَّ لهذه الظاهرة آثاراً اقتصادية واجتماعية سلبية على مُختلف الدول. فهي لها آثار سلبية على الاقتصاد الوطني عند كل المستويات، سواء المستوى الجزئي أو على مستوى الاقتصاد الكلي مُمثلة في الآثار المباشرة على سلوك المستهلك وعلى سلوك المنتج وحدوث تعطيل آلية جهاز الثمن.

 

وعن الآثار الاجتماعية لغسل الأموال، ذكرت الدراسة أن غسيل الأموال في الداخل أو الخارج يؤدي إلى تشويه هيكل توزيع الدخل في المجتمعات والاقتصادات التي تنتشر فيها مثل هذه العمليات باعتبار أنَّ هذه العمليات تهتم بنقل ونهب دخول بعض الفئات الاجتماعية للبعض الآخر، وكذلك التهرب من بعض الالتزامات القانونية وغيرها.

 

وأوضحت الدراسة جهود السلطنة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال خلال العقدين السابقين من خلال أربعة مراحل جوهرية والتي من خلالها قامت السلطنة بنقلة نوعية في هذا المجال. وابتدأت المرحلة الأولى من خلال إصدار قانون مراقبة المخدرات والمؤثرات العقلية، الذي تم إصداره بموجب المرسوم السلطاني رقم 17 والذي نص على تجريم غسل أموال عائدات المُخدرات غير المشروعة وكذلك الاتجار في العقاقير المخدرة والمؤثرات العقلية والذي تم توضيحه في كل من المواد : 38 إلى 42 في حين شهدت المرحلة الثانية تقديم قانون خاص بمكافحة غسل الأموال لسنة.2002 . والذي صدر بموجب المرسوم السلطاني رقم ٣٤. وقد ساهم هذا القانون في توسيع نطاق عملية غسل الأموال لتشمل عائدات أي جريمة يُعاقب عليها القانون.

وشهدت السلطنة نقلة نوعية أخرى حيث إنه في المرحلة الثالثة تم صدور قانون مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والذي صدر بمرسوم سلطاني رقم 79 لسنة 2010 (menafatf .  ص 36).

أما المرحلة الأخيرة من جهود السلطنة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال فقد تمثلت في إصدار القانون رقم 30 والخاص بقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والذي صدر بمرسوم سلطاني لسنة 2016 . لقد قام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي حلَّ محل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 79/2010 بتوسيع نطاق اختصاصاته، فهو يتكون من أحد عشر فصلا ومائة وتسعة مواد تشرح وتوضح وتقنن كل ما يتعلق بعمليات مكافحة غسيل الأموال والإرهاب . وهو بحق نقلة نوعية للسلطنة في هذا المجال لتناسق وتناغم مكوناته وفقراته مع التزامات السلطنة تجاه ما قامت بتوقيعه والتصديق عليه من اتفاقيات وتعهدات دولية في هذا الشأن، حيث أضاف إلى اختصاصاته عمليات تمويل الإرهاب وقام بتغطية ما يتعلق بالمؤسسات غير المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة. وبالرغم من أن قانون مكافحة المُخدرات والمؤثرات العقلية، وما يتضمنه من بنود خاصة بمكافحة غسل الأموال لا زال معمولاً به ونافذًا.

 

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها أن ظاهرة أو جريمة غسل الأموال هي ظاهرة قديمة حديثة تتجدد وتتطور من فترة زمنية إلى أخرى ويتم فيها استخدام كافة الوسائل المهنية والتقنية بغرض تحقيق الأهداف التي يصبو إليها غاسلو الأموال - الأمر الذي يترتب عليه آثار سلبية حادة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية من منظور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات.

 

وانتهت الدراسة إلى استنتاج مهم وهو أنّ عُمان حققت بالفعل دورا رياديا من حيث القوانين الخاصة بمكافحة هذه الظاهرة من خلال صدور القانون رقم 30 لسنة 2016 لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والذي يعتبر بحق نقلة نوعية ومتميزة للسلطنة في ممارسة الأعمال لما يحتويه من شمولية وكفاءة في مكافحة كلتا الظاهرتين غسيل الأموال والإرهاب.

 

ومن خلال استعراض التطور التاريخي لجهود السلطنة في مكافحة هذه الظاهرة الذي من خلاله يتضح أن السلطنة لديها من القوانين واللوائح والتشريعات والاتفاقيات المحلية والدولية اللازمة لمكافحة هذه الظاهرة. توصي الدراسة بإعداد دراسة متخصصة لتقييم مدى كفاءة وفاعلية البنوك التجارية العاملة في السلطنة في الرقابة على عمليات غسيل الأموال.

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك