إعلان هروب عامل

 

 

فايزة سويلم الكلبانية

صدقت مقولة جدتي التي تُرددها دائماً "المال مال أبونا.. والقوم حاربونا"، نحنُ في بلدنا بينما يُعاقب العُماني على أخطاء هروب عماله الوافدين، كثيرًا ما تصدر لوائح وقوانين تكفل حقوق العامل وراحته، ولكن يظل السؤال متى تصدر لوائح تكفل حقوق المواطن العُماني (الكفيل) نتيجة لهروب عامله الهارب الذي يكفله ؟! وإلى متى يستمر الضغط على المواطن في هذه القضية؟.

 

إنَّ ظروف الحياة فرضت على بعض الأسر أن تستعين بعُمال وافدين للقيام بالأعباء المنزلية اليومية، وهذا ليس من باب التَّباهي وحياة الرفاهية في أغلب الأحيان، وإنِّما سببه ما تمر به العائلة من ظروف تجبرها على اتخاذ هذا المسار لقضاء متطلبات واحتياجات حياتهم اليومية، سواء كانت حاجتهم تتمثل في وجود (العاملة المنزلية أو سائق الأسرة الخصوصي أو الطباخ أو مربية للأطفال.. وغيرهم). وهذا يُكبد الكفيل (رب العمل العماني) مبلغًا ليس بالقليل ليتمكن من استقدام العمالة الوافدة، إلى جانب المصاريف الأخرى والمصاعب المُتمثلة في التراخيص والتصريحات والفحوصات الطبية، أضف إلى ذلك الوقت المُستغرق في إنهاء هذه المعاملات وذلك رضوخًا لمتطلبات الحياة التي أجبرته الظروف عليها، حتى يتمكنوا من تحسين أوضاعهم للأفضل. ولكن ما يؤسف له أن استقدام هذه العمالة الوافدة يُعد "شرًا لابد منه"، ومع مرور الوقت يتفاجأ الكثير من أرباب العمل بعد مضي فترة قد لا تتجاوز الشهرين أو الثلاثة، بهروب هؤلاء العُمال لينضموا إلى قافلة المُخالفين لنظام الإقامة. وإذا بحثنا عن دوافع هروب هذه الفئة، في الأغلب سنجد أنّ الدافع إلى الهرب يتمثل في مجموعة الأسباب المُختلفة، إلى جانب رغبتهم في زيادة دخلهم بطرق غير قانونية من خلال مُمارسة العامل الهارب لأعمال دون ترخيص أو حتى غير أخلاقية. وهذا من شأنه أن يُشكل عبئاً وتترتب عليه آثار سلبية على الكفيل والمُجتمع، وقد يُرجع البعض السبب إلى عدم توفير الأسرة البيئة المُناسبة للعامل أو المُعاملة غير اللائقة من رب العمل للعامل، والتي تحول حياته إلى عكس ما كان يطمح إليه قبل قدومه.

إنّ النقطة الأخطر في هذه القضية، تتمثل في أننا نعتمد على هذه العمالة في أغلى ما نملك (حياتنا، أطفالنا، منازلنا، مأكلنا).

إنّ صُحفنا تمتلئ بالكثير من إعلانات "هروب عامل"، وإذا ما تعرَّفنا من الكفيل العُماني على أسباب هروب العامل، نسمع قصصاً ومواقف وأساليب وأسباب متعددة، تثير دهشة عميقة في النفوس. لذا فظاهرة هروب العمالة الوافدة تمثل قضية مُقلقة لأرباب العمل، لما تُخلفه من أثر سلبي على المُجتمع بأسره، وذلك كون هروب هذه العمالة يتبعه تشكيل فئة العمالة السائبة والتي تؤثر بشكل كبير على فرص العمل التي من المفترض أن تتاح للمواطنين. وهناك جانب آخر من القضية، وهي أن أغلب حالات الهروب تتركز في فئة عاملات المنازل.

كثيرًا ما تتمثل الخسائر في اقتطاع جزء من دخل رب العمل لتلبية تكاليف الراتب الشهري واستقدام العامل، وتضاف إليها تكاليف أخرى مماثلة أو تزيد لاستقدام عامل بديل وما يزيد الوضع سوءًا وتعقيدًا إذا لم يكتفِ العامل أو العاملة بالهروب فقط، وإنما بقيام بعضهم بسرقة رب العمل خاصة من طرف عاملات المنازل اللائي يضعن أيديهن على المصوغات والمُقتنيات المنزلية الثمينة قبل الهرب. ويدفع المواطن مبالغ طائلة ليجلب من يُعينه، والله وحده من يعلم كيف استطاع أن يوفر ويجمع هذا المبلغ، ويفاجئ بهروب عامله بعدما دفع الكثير لاستقدامه.

ومن هذا المنطلق لابد من أخذ ظاهرة هروب العُمال والتي بدأت تستشري وبشكل مُخيف في مُجتمعنا بعين الاعتبار، لما يترتب عليها من آثار نفسية واقتصادية واجتماعية. وفي واقع الحال إنّ علاجها مسؤولية مُشتركة بين المجتمع والمواطنين الذين ينبغي لهم أن يدركوا أنّ التعامل مع العمالة الهاربة مسألة خطيرة قد لا يدركون عواقبها إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس.

لذا لابد من ضرورة إلزام الجهات ومكاتب استقدام العمالة الوافدة التي تزود السلطنة بالعمالة بالتأمين ضد هروب العمالة، والتشديد على ضرورة تفعيل هذا النوع من التأمين في السلطنة.

 

ويجب فرض قوانين وعُقوبات على العامل الهارب، فالعامل الهارب يدرك وحسب هذه القوانين أنّه في كل الأحوال هناك تذكرة مدفوعة من قبل الكفيل في انتظاره في أيّ وقت شاء، بحيث يسافر إلى بلده بكل سهولة، وبأقل التكاليف، ويستطيع العودة الى السلطنة في أيّ وقت شاء بالتحايل للعودة إلى السلطنة. وهذا وللأسف يعد تشجيعاً مباشرًا على هروب العُمال. ولهذا يجب أن يتم إعادة النظر في مسألة دفع الكفيل لتذكرة العامل الهارب، بحيث يُجبر العامل على دفع قيمة التذكرة بنفسه، كما يجب أن تتم مُعاقبة ومُتابعة كل من تسول له نفسه مساعدة أو إيواء العامل الهارب بالسجن ودفع غرامة مالية أو غير ذلك حسب ما تقتضيه المصلحة العامة لتقليل آثار العمالة الهاربة وردعهم، وإلا فسيزيد الوضع تعقيدًا وسوءًا.

 

 

همسة لكل من يهمه الأمر..

 

ظاهرة هروب العمال.. إلى متى؟!

أما آن الأوان للقضاء عليها في مُجتمعنا.

من سيحمي رب العمل ويعوضه عن خسارته التي لحقت به نتيجة هروب العامل؟

فلتتوحد جهودنا.. وجهودكم صناع القرار من أجل عُمان وشعبها.

faiza@alroya.info