مُستقبل العلاقات الأوروبية- الأمريكية

عبيدلي العبيدلي

يعد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب من بين رؤساء الولايات المتحدة الذين أثارت سياساتهم حالة من الجدل واللغط، ليس في نطاق مشاريعها الداخلية، بل وحتى خططها على المستوى الخارجي. وفي نطاق الدبلوماسية الخارجية، وبخلاف ما يتوقعه العديد من المحللين العرب المتابعين للسياسة الخارجية الأمريكية لم تكن الكتلة الإسلامية، وفي القلب منها البلاد العربية هي الأكثر تأثرا وتخوفا من تلك السياسة، فقد أبدت دول الاتحاد الأوروبي الكثير من التخوف والحذر من احتمال تدهور هذه العلاقة.

برزت مظاهر هذا الخوف في مرحلة السباق الانتخابي، وتحديدا في شهر نوفمبر من العام 2016، عندما "أكدت مصادر في المجلس الوزاري الأوروبي الأنباء التي تم تداولها عن نية وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد تدارس نتائج الانتخابات الأمريكية بشكل مشترك. وأشارت المتحدثة باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، إلى أن المسؤولة الأوروبية دعت لاجتماع رؤساء الدبلوماسية الأوروبية في مقر إدارة العلاقات الخارجية في العاصمة البلجيكية، موضحة أنّ الهدف هو تدارس آفاق مستقبل العلاقات الأوروبية- الأمريكية، بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية".

وتأكد عمق هذه المخاوف الأوروبية، إثر فوز ترامب في الانتخابات ووصوله إلى البيت الأبيض، ففي الأسبوع الأول من فبراير 2017، أكدت وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء "تصدر موضوع مستقبل العلاقات الأوروبية – الأمريكية، تصريحات زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، المجتمعين  خلال قمة غير رسمية في مالطا، المقررة، بشكل رئيسي، لمناقشة ملف الهجرة غير الشرعية عبر المتوسط، ومستقبل تكتلهم بعد خروج بريطانيا منه، (منوهة إلى)، امتعاض العديد من زعماء أوروبا، لدى وصولهم إلى مقر انعقاد القمة من تصريحات، وتصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما لم يخف بعضهم عدم الرضا عن تسرع البعض الآخر لنسج علاقات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية على حساب الانتماء الأوروبي".

لكن، الحقيقة والتاريخ يؤكدان أنّ مثل تلك المخاوف ليست وليدة وصول ترامب للسلطة، والمواقف التي رافقت ذلك، بل لها جذورها التي تعود إلى مطلع القرن 21، وتحديدا في العام 2003 ، عندما نقلت وكالة الأنباء الكويتية في منتصف أبريل من ذلك العام ما جاء على لسان من وصفته بخبير أوروبي، وهو رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بلجيكا الحرة باسكال ديلفيت بأن "الأمر سيتطلب وقتا طويلا لرأب الصدع في العلاقات الأمريكية الأوروبية بسبب الحرب في العراق، وان الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية لاسيما فرنسا والمانيا اللتين عارضتا شن الحرب على العراق ستواجه صعوبة في رأب الصدع في العلاقات التي تدهورت بسبب الحرب على العراق، (معربا) عن اعتقاده بأنّه سيكون من الصعب تصور مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية، (مضيفا) أنّ الشكوك تساور الأوروبيين والأمريكيين حول رأب الصدع في العلاقات التي تلقت ضربة قوية عندما قررت فرنسا رفض أي قرار دولي يجيز الاستخدام الفوري للقوة العسكرية ضد النظام العراقي البائد، (منوها)  إلى أنّ لهذا الشرخ أثر أيضا على العلاقات التجارية بين فرنسا والولايات المتحدة حيث قامت فرنسا العام الماضي بتصدير ما قيمته 28.4 مليار دولار من البضائع إلى الولايات المتحدة إلا أن أرقام الصادرات لهذا العام تعد محبطة وغير مشجعة لاسيما في ظل تزايد الشعور المعادي لفرنسا في الولايات المتحدة".

يعزز هذه النظرة التي تعود بالأزمة إلى جذورها التاريخية وتضارب المصالح، والأنانية الأمريكية المتزايدة الأستاذ المحاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد خيضر – بسكرة، لعجال محمد الأمين، حين يرجعها إلى مرحلة "انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء عهد القطبية الثنائية، (حينها) انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بموقع متميز عالميا كقطب مهيمن، ومن ثمة بدأت تتغير العلاقات بين الطرفين الأمريكي والأوروبي من علاقات تحالف وتلاحم داخل المعسكر الرأسمالي الغربي، إلى علاقات تنافس، تمثلت في السباق نحو النفوذ والهيمنة، وإعادة النظر في خرائط النفوذ الموروثة عن حقبة الحرب العالمية الثاني،(مضيفا) وهكذا زاحمت الولايات المتحدة الأمريكية حلفائها الطبيعيين الأوروبيين، في مناطق نفوذهم التقليدية خاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط، والمغرب العربي، فكانت مبادرة إيزنستات الأمريكية الخاصة بالشراكة مع دول المغرب العربي ومشروع الشرق الأوسط كعملية اختراق للحصن الأوروبي، الذي سارع إلى سياسة احتواء بلدان المغرب العربي عبر عملية برشلونة المتوسطية.

ولم تنف سياسات ترامب عناصر النزاع أو التنافس بل عززتها، ولعل في "دعم ترامب في تصريحاته الأخيرة موقف بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي (وتشديده على) إن هناك العديد من الدول الأوروبية ستحذو حذوها في إشارة لانفراط وشيك للاتحاد، (ومهاجمته) حلف شمال الأطلسي واعتباره جسماً عديم الفعالية في ظل عدم وجود عدو ليواجهه"، الكثير من التحديات للسياسة الأوروبية التي لم تقف مكتوفة الأيدي، فوجدنا العديد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يسارعون إلى "الرد عليها بشكل مباشر، فأعلن الرئيس الفرنسي أن أوروبا لا تحتاج لنصائح وأنها تعمل وفق قيمها ومصالحها، كما ردت عليه ميركل بنفس السياق".

من جانبه يلقي الكاتب في صحيفة البيان الإماراتية حسن الرشيدي، الأضواء في مقالته الموسومة "المسلمون والعالم مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية"، على تلك العلاقة، ويرى أن مستقبل تلك العلاقات تنطلق من جذورها، مضيفا أن "أسباب هذا الخلاف تضرب بجذورها في عمق العلاقات الأمريكية – الأوروبية"، وأن من يريد فهمها على نحو صحيح عليه أن يراعي المسائل التالية:

1- الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.

2- طبيعة الهيمنة الأمريكية على العالم وخصائصها.

3- الصراع داخل النظام الدولي.

كل ذلك يضع تلك العلاقات التي اتسمت بالتنسيق إلى حد التطابق في السياسات في مهب الريح، وعلى من يريد، وعلى وجه التحديد العرب، أن يرسم معالم علاقاته المستقبلية مع واشنطن أن يضع تلك الخلافات في الحسبان، إن شاء أن يجيرها لصالح علاقاته الدولية والتحالفات التي يطمح في نسجها مع أي من الكتلتين: الأوروبية أو الأمريكية.