الرد العسكري المباشر أو المفاوضات غير مطروحة لكبح جماح بيونج يانج

خيارات محدودة في جعبة ترامب للتصدي لجرأة كوريا الشمالية بعد "الاستفزاز الصاروخي"

 

 

 

 

 

كوريا الشمالية تتحدث عن نجاح تجربة

إطلاق صاروخ جديد بقدرات نووية

 

قلق متنامٍ مع استخدام "الوقود الصلب" لإطلاق الصاروخ الجديد

 

 

واشنطن- رويترز

 

رغم ما قطعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نفسه من تعهدات خلال حملته الانتخابية من انتهاج سياسة أكثر تشددا مع كوريا الشمالية جاء رده العلني المتحفظ على إطلاق بيونج يانج أول صاروخ باليستي في عهده ليؤكد أن الخيارات الحازمة في جعبته للحد من برامجها الصاروخية والنووية قليلة.

ويبدو حتى الآن أن الردود التي تبحثها إدارة ترامب لا تختلف كثيرا عما اتبعه سلفه باراك أوباما وتتراوح بين فرض عقوبات جديدة واستعراض القوة الأمريكية، حسبما جاء على لسان أحد المسؤولين في الإدارة. بل إن فكرة تصعيد الضغط على الصين لكبح جماح كوريا الشمالية جربتها إدارات أمريكية متعاقبة دون طائل. لكن بكين لا تبدي أي بادرة على التخفيف من حدة مقاومتها في عهد الرئيس الأمريكي الجديد الذي انتقدها فيما يخص التجارة والعملات وبحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. أما الردود التي تمثل تحولات كبرى على الاختبارات الصاروخية فستكون إما الرد العسكري المباشر أو التفاوض. لكن لا يبدو أن أيا منهما مطروح على المائدة لأن الأول فيه مجازفة بحرب إقليمية والثاني سيعتبر مكافأة لبيونجيانج على سوء السلوك. كما أن أيا من الردين لا يضمن تحقيق النجاح.

وقالت بوني جليزر الخبيرة في شؤون آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "خيارات ترامب محدودة". وعلى غير المتوقع جاءت تعليقات ترامب الأولية العلنية على إطلاق ما يعتقد أنه صاروخ ذو مدى فوق المتوسط من طراز موسودان متحفظا ومقتضبا بالمقارنة مع لهجته الحادة سابقا تجاه إيران منذ تولى منصبه في 20 يناير الماضي. وبنبرة رزينة في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الياباني الزائر شينزو آبي، قال ترامب للصحفيين في بالم بيتش بولاية فلوريدا "أود فقط أن يفهم الجميع وأن يدرك تماما أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف خلف اليابان حليفنا الكبير مئة في المئة". ولم يذكر الرئيس الأمريكي كوريا الشمالية ولم تصدر عنه أي بادرة على خطط لرد انتقامي على ما اعتبره كثيرون اختبارا مبكرا للإدارة الجديدة.

وعلى النقيض من ذلك أطلق ترامب في يناير تغريدة تقول "لن يحدث" بعد أن قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إن بلاده توشك على اختبار صاروخ باليستي عابر للقارات.

 

عداء متزايد

وأصر ستيفن ميلر المستشار بالبيت الأبيض في برنامج "هذا الأسبوع" على قناة (إيه.بي.سي) أن تعليق ترامب الذي جاء في جملة واحدة "إبداء مهم للتضامن" مع اليابان. وقال لبرنامج "فوكس نيوز صنداي" إن الإدارة ستدعم حلفاءها في المنطقة في مواجهة "العداء المتزايد" من جانب كوريا الشمالية. وفي حين أنه لا يمكن لأحد استبعاد أن يلجأ ترامب إلى تويتر بانتقادات شديدة اللهجة مثلما يفعل في كثير من الأحيان، فقد قال بعض المحللين إن رده الأولي الخافت نسبيا قد يظهر أن مساعديه أقنعوه بألا يقع في فخ تنصبه له بيونج يانج فيطلق تهديدات من الصعب تنفيذها لاسيما في وقت ما زالت فيه استراتيجيته في كوريا الشمالية قيد الصياغة.

وسبق أن قال مساعدو ترامب إنّهم سينتهجون نهجا فيه قدر أكبر من تأكيد الذات من سياسة أوباما التي أطلق عليها "الصبر الاستراتيجي" واشتملت على تصعيد العقوبات تدريجيا والضغط الدبلوماسي. غير أن الإدارة الجديدة لم توضح كيف ستحقق ذلك.

وقال المسؤول الأمريكي إن إدارة ترامب كانت تتوقع "استفزازا" من كوريا الشمالية وستدرس مختلف الخيارات المتاحة للرد عليه لكن هذه الخيارات ستبدي الحزم الأمريكي وفي الوقت نفسه تتحاشى التصعيد.

ومع ذلك قال محللون إن المخاطر ستكون أكبر إذا ما نفذت كوريا الشمالية التي تمتلك قدرات نووية تهديدها باختبار صاروخ عابر للقارات يمكنه إصابة الولايات المتحدة. وقال المسؤول إن من المرجح أن يدرس ترامب ومساعدوه فرض عقوبات أمريكية مالية جديدة وزيادة الوحدات البحرية والجوية والتدريبات العسكرية المشتركة في منطقة شبه الجزيرة الكورية وما حولها والتعجيل بنصب نظم الدفاع الصاروخي الجديدة في كوريا الجنوبية. وقد أوضح ترامب أنه يعتقد أن الصين لم تبذل ما فيه الكفاية لاستخدام نفوذها في لجم برامج بيونجيانج النووية والباليستية. وأضاف المسؤول الأمريكي لرويترز أن ترامب سيصعد الآن ضغوطه على بكين لكنه سلم بأن للصين حدود لن تتجاوزها خاصة فيما يتعلق بتطبيق العقوبات بسبب مصالحها في تجنب زعزعة استقرار كوريا الشمالية. ومع ذلك لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستتجاوز نهج أوباما وتركز على فرض "عقوبات ثانوية" على شركات وكيانات تساعد برامج التسلح الكورية الشمالية وكثير من هذه الكيانات في الصين.

كذلك من غير الواضح ما إذا كانت مكالمة ترامب الهاتفية الأسبوع الماضي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ والتي تراجع فيها الرئيس الأمريكي عن تهديده بالخروج على السياسة التي سارت الولايات المتحدة عليها منذ مدة طويلة والقائمة على التسليم بمبدأ "الصين الواحدة" ستؤدي إلى تعاون أكبر من جانب بكين فيما يخص كوريا الشمالية.

 

صاروخ جديد

وأعلنت كوريا الشمالية أمس الإثنين أنّها اختبرت بنجاح صاروخا باليستيا جديدا من متوسط إلى طويل المدى أمس الأول الأحد مدعية أنها حققت مزيدا من التقدم في برنامج الأسلحة في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة. وأطلقت كوريا الشمالية صاروخا باليستيا في البحر في وقت مبكر أمس الأول الأحد وهو أول اختبار لتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتخاذ موقف متشدد من نظام كوريا الشمالية الذي أجرى العام الماضي تجارب نووية وصاروخية بمعدل لم يسبق له مثيل. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن الزعيم كيم جونج أون أشرف على اختبار الصاروخ بوكجوكسونج وهو نوع جديد من الأسلحة الاستراتيجية القادرة على حمل رأس نووي. وقال مسؤول من البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية طلبت إجراء مشاورات عاجلة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن إطلاق الصاروخ. وقالت اليابان إن فرض عقوبات جديدة على بيونج يانج قد يكون محل نقاش في الأمم المتحدة ودعت الصين إلى الاضطلاع بدور "بناء" في الرد على التجربة الصاروخية الجديدة. والصين حليفة رئيسية لكوريا الشمالية لكنها تشعر بالغضب من استفزازات بيونجيانج المتكررة على الرغم من أنها تقاوم دعوات الولايات المتحدة وآخرين لكبح جارتها.

وقال يوشيهيدي سوجا كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني أمس الإثنين "طلبنا من الصين عبر مستويات متعددة أن تتخذ أفعالا بناءة كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وسنواصل العمل في هذا الصدد. في الوقت نفسه ستواصل اليابان حث كوريا الشمالية على ممارسة ضبط النفس والامتناع عن الأفعال الاستفزازية والانصياع لقرارات الأمم المتحدة". ولم تعلق الصين علنا بعد على التجربة الصاروخية.

وأجرت كوريا الشمالية خمس تجارب نووية بينها اثنتان العام الماضي على الرغم من أنه لم يتم التحقق بشكل مستقل من مزاعمها أنها قادرة على تصغير سلاح نووي لوضعه على صاروخ.

وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن الصاروخ أطلق بزاوية مرتفعة من أجل سلامة دول الجوار. وقال مصدر عسكري في كوريا الجنوبية إن الصاروخ وصل لارتفاع 550 كيلومترا. وقطع الصاروخ مسافة 500 كيلومتر وسقط على الساحل الشرقي لكوريا الشمالية في اتجاه اليابان. وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية إن الصاروخ انطلق بمحرك يستخدم الوقود الصلب وإنه نسخة متطورة لصاروخ باليستي يطلق من الغواصات جرى اختباره بنجاح في أغسطس الماضي. والمحركات التي تعمل بالوقود الصلب تزيد قدرة الصواريخ الباليستية وتعطيها مدى أبعد. كما أنها تحتاج مستوى أقل من الحذر لأنها تستغرق وقتا أقل لتزويد الصاروخ بالوقود. وقال جيش كوريا الجنوبية أمس الاثنين إن الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية استخدم نظاما باردا للإطلاق؛ حيث يتم دفع الصاروخ في البداية بغاز مضغوط قبل أن يعمل محركه.

الوقود الصلب؟!

وقال جوناثان ماكدويل من مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية إن تطوير كوريا الشمالية لصواريخ تعمل بالوقود الصلب "تطور مقلق للغاية". وأضاف في رسالة عبر البريد الإلكتروني "هذا الصاروخ الجديد هو النوع الذي يجب أن نكون أكثر قلقا كثيرا بشأنه. صواريخ الوقود الصلب يمكن إطلاقها في وقت قصير دون الكثير من التحضير".

والمحركات التي تعمل بالوقود الصلب تزيد قدرة الصواريخ الباليستية وتعطيها مدى أبعد. كما أنها تحتاج مستوى أقل من الحذر لأنها تستغرق وقتا أقل لتزويد الصاروخ بالوقود.

وقال مسؤول أمريكي في مطلع الأسبوع إن إدارة ترامب كانت تتوقع "استفزازا" من كوريا الشمالية بمجرد أن تتولى السلطة. وجاءت التجربة الصاروخية بعد يوم من اجتماع قمة بين ترامب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وأعقبت أيضا مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية إن ترامب ومستشاريه سيبحثون على الأرجح سلسلة من الردود المحتملة بما في ذلك فرض عقوبات أمريكية جديدة لتشديد القيود المالية على بيونج يانج وزيادة العتاد البحري والجوي في شبه الجزيرة الكورية وحولها وتسريع وتيرة نشر أنظمة دفاع صاروخية في كوريا الجنوبية. لكنه أضاف أن أي رد فعل سيسعى لتجنب تصعيد التوترات في ضوء أن الصاروخ لم يكن عابرا للقارات وأن بيونج يانج لم تجر تجربة نووية جديدة. وقال كيم في خطاب ألقاه بمناسبة العام الجديد إن بلاده توشك على إجراء اختبار إطلاق صاروخ عابر للقارات وقالت وسائل إعلام رسمية وقتها إن مثل ذلك الإطلاق قد يحدث في أي وقت.

وبمجرد تطويره بالكامل سيعتبر نجاح كوريا الشمالية في إطلاق صاروخ عابر للقارات تهديدا للولايات المتحدة التي تبعد نحو تسعة آلاف كيلومتر عن كوريا الشمالية. والحد الأدنى لمدى الصواريخ العابرة للقارات هو نحو 5500 كيلومتر لكن بعضها مصمم ليقطع مسافة تصل إلى عشرة آلاف كيلومتر أو أكثر.

وفي السياق، قالت وزارة الخارجية الصينية أمس الإثنين إن بكين تعارض اختبارات صاروخية تجريها كوريا الشمالية تتناقض مع قرارات الأمم المتحدة. وأدلى المتحدث قنغ شوانغ بهذا التصريح في إفادة صحفية يومية في العاصمة الصينية.

تعليق عبر الفيس بوك