مسؤولون ومواطنون: الرشوة سوس ينخر في عصب الاقتصادات ويعرقل مسيرة التنمية

مسقط - يحيى القاسمي

أكَّد مسؤولون أنَّ ظاهرة الرشوة من أكثر صُوَر الفساد تفشِّياً في المجتمعات الإنسانية المعاصرة وأكثرها تعقيداً وغموضاً، وهي بمَثَابة خطرٍ داهم يهدِّد المجتمعات، وتمثِّل آفة خطيرة تنخر في عصب الاقتصادات؛ بما يعرقل مسيرة التنمية في أي بلد.

وقال سَعَادة علي بن خلفان بن سليمان القطيطي رئيس اللجنة الصحية والبيئية بمجلس الشورى وممثل ولاية الخابورة، إنَّ الرشوة آفة كمثل النار التي تأكل الحطب، فإذا تفشَّت في مُجتمعٍ ما أكلتْ مبادئه ودمَّرت أخلاقه. ويَرَى أنَّ أهمَّ الأسباب التي تدفع الشخص إلى قبول الرشوة تتمثل في ضعف الوازع الديني وعدم تطبيق القانون بين الناس بالتساوي؛ إذ يتجاوز أو يرتشي شخص صاحب نفوذ ويغض الطرف عنه من قبل البعض أو عدم كفاية الأدلة الحقيقية التي تدينه، وبالتالي يتجرأ كل صاحب نفس ضعيفة بالحذو حذوه بحجة أنَّ فلانًا من الناس لم يعاقب. وأضاف بأن تعقيد الكثير من الإجراءات والمعاملات المختلفة، قد يدفع بصاحب العلاقة إلى دفع مبلغ مقابل تخليص معاملاته في أسرع وقت ممكن، أو تبسيطها والتغاضي عن بعض نواقصها، وقد يدفع بعض مقدمي الخدمة إلى قبول تلك الأموال في ظل عدم المراقبة الحقيقية لما يحدث أثناء تقديم الخدمة. وحثَّ سعادته على نشر التوعية بمخاطر وعدم شرعية الرشوة، والعمل على تعزيز الوازع الديني وتثقيف المجتمع بأضرار الرشوة على مُختلف المستويات، وتطبيق القوانين والأنظمة، بما يضمن حماية المجتمع من هذا الخطر الداهم.

وقال أحمد بن صالح الزدجالي مدير دائرة حماية المستهلك ببركاء: إنَّ للرشوةِ أسبابًا كثيرة ودوافعَ مُتعددة؛ وفي مقدمتها: ضعف الوازع الديني والأخلاقي، وعدم الثقة في رزق الله تعالى والتوكل عليه، بجانب جشع بعض الناس وحب الثراء الفاحش السريع عند البعض الآخر. وأضاف الزدجالي بأنَّ من أسبابها أيضاً الضعف الإداري؛ بحيث يكون الشخص غير مؤهل ولا يمتلك الخبرة الكافية في الحقل الذي يعمل فيه أو الذي أصبح رئيسا له، وبذلك تضعف الإدارة فيسوء كل ما حولها، ومع ضعف الوعي الاجتماعي والانسياق وراء علاقات القربى والمعارف تنتج انحرافات إدارية داخل المؤسسة الحكومية فيغض الطرف عن كثير من التجاوزات فينشط المرتشون للأسباب المذكورة آنفا. وأوضح الزدجالي أن هناك عدة معالجات للقضاء على جريمة الرشوة من خلال الوقاية؛ إذ إنَّ الوقاية من الرشوة تتم عبر النصح والإرشاد والتحذير من خطورة الرشوة ومفاسدها عن طريق الندوات والمحاضرات ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، وإشاعة ثقافة النزاهة والعفة والإخلاص في العمل، وفضح ثقافة الرشوة والابتزاز، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ونقل الموظف الذي يشك فيه بأخذ الرشوة إلى دائرة أخرى أو مديرية أخرى أي في موقع يتعذر عليه اخذ الرشوة. وأشار إلى أنَّ الآلية الثانية تتمثل في مصادرة المال من المرتشي مع وضع عقوبة مالية مناسبة، والحبس مع استرجاع الأموال وإنهاء خدماته إذا ما تكررت منه جريمة الرشوة.

أمَّا طالب الصوافي، فيرى أنَّ المجتمعَ ضحية للمسبِّبات الصانعة لظاهرة الرشوة، وهو أكبر المتضررين من انتشارها. لافتا إلى أنَّ الرشوة تهدر الحقوق وتنشئ حقوقا ومصالح مصطنعة، كما أنها تُظهر الطبقية البغيضة في المجتمع. وقال إن أنجع الأسباب لعلاج آفة الرشوة يبدأ بتقوية الجانب الديني، ومن ثم تشديد الرقابة والعقاب على الموظفين، ونشر العدل المجتمعي في الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع، وبذلك ينال كل صاحب حق حقه، وتسود الطمأنينة بين الأفراد والتي بدورها تصنع مجتمعا متآلفا قويا متماسكا لمواجهة أي تحديات قد تنشأ في شتى مجالات الحياة.

وقال خميس المزيني إنَّ الرشوة عمل شنيع يضيع الحقوق، ويتسبَّب في اختلال الموازين، ويزيد من إمكانية وقوع الفساد، وقد يحصل الراشي على أموال أو وظيفة أو خدمات ليست من حقه، وكان أولى بها غيره من أقرانه في المجتمع، الذين يكدحون من أجل لقمة العيش، وقد ينتج عن الرشوة في بعض الأحيان حصول الخصومات والخلافات بين الناس بسبب ضياع الحقوق وذهابها إلى غير مستحقيها. وأضاف المزيني: "تتسبب الرشوة في ضرر على كل المستويات؛ سواء بين أفراد الأسرة الواحدة أو المجتمع ككل، أو على مستوى العلاقات بين الدول؛ مما ينتج عنه خلل كبير في العلاقات بين الناس وهذا يؤثر سلباً في إنتاجية الفرد". وتابع القول: "إننا كمسلمين يفترض أن يكون لدينا الوازع الديني والأخلاقي والضمير الحي والإخلاص في القول والعمل؛ لمحاربة هذه الظاهرة، والابتعاد عن كل ما فيه ريبة أو شك أو شبهة، ومن أجل محاربة هذه الظاهرة يجب أن تكون هناك شفافية تامة ونزاهة مع إعطاء الفرص للجميع، وعدم الميل إلى جهة دون أخرى. وسن قوانين رادعة للمخالفين مع تطبيقها على الجميع دون محاباة لطرف دون غيره، وعندما يدرك المرء أن حقوقه مُصانة بالقانون، تتولَّد لديه قناعة تامة بأن حقه لن يضيع، فهناك نظام وقانون يطبقان على الجميع، وبالتالي تنشأ لدى هذا الفرد رقابة ذاتية تساعده على عدم ارتكاب مثل هذه الجريمة التي يعاقب عليها القانون". وأكد أنَّ هذه الرقابة يجب أن يعمل المجتمع على غرسها في نفوس النشء منذ السنوات الأولى في حياتهم، وعندما يكبر سيحترم النظام ويراقب كل شاردة وواردة، وبالتالي سوف يكون حريصا على أن لا يقع في المحظور.

تعليق عبر الفيس بوك