استعراض مسيرة الفقيه الراحل ضمن برنامج "اليونسكو" للاحتفال بالشخصيات المؤثرة عالميا

الاحتفاء بالشيخ العلامة نور الدين السالمي لإبراز الإرث الحضاري للعالِم الموسوعي ودوره في تشكيل الهوية العمانية الحديثة

هيثم بن طارق يرعى الندوة بحضور الشيبانية بالتنسيق مع مكتبة السالمي الأهليّة في بديّة

التوبي: إدراج الشخصيات الفاعلة على برنامج اليونسكو يبرز الإرث الحضاري للسلطنة

عرض فيلم عن مسيرة حياة الشيخ العلاّمة وأشهر مؤلفاته التي أثرت المكتبة العربية

ورقة عمل حول المنهج العقدي عند السالمي وخصائص المدرسة التي ينتمي إليها الشيخ

رضوان السيّد يستعرض في ورقة عمل دور السالمي في مجال التجديد والإصلاح الديني

جلسة نقاشية حول المنهج التاريخي عند السالمي ودوره المؤثر في قيادة الحركة الإباضيّة

الرؤية - محمد قنات

تصوير/ راشد الكندي

رعى صاحب السمو السيّد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، أمس، ندوة للاحتفاء بالشيخ العلاّمة نور الدين عبدالله بن حميد السالمي المصلح الاجتماعي والموسوعي العُماني، أحد الشخصيات العُمانية المدرجة ضمن برنامج اليونسكو للاحتفال بالذكرى الخمسينية أو المئوية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالمياً، والتي تنظمها اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم بالتنسيق مع مكتبة السالمي الأهلية بولاية بديّة، وذلك بحضور معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم رئيسة اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، وعدد من أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السعادة وكلاء الوزارات والمكرمون أعضاء مجلس الدولة، وأصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى وأصحاب الفضيلة ورؤساء الهيئات، وعدد من المهتمين والباحثين والمفكرين والباحثين، في مجال الفكرِ والأدب والثقافة من داخل السلطنة وخارجها وعدد كبير من المدعوين والحضور، بقاعة المحاضرات في جامع السلطان قابوس الأكبر.

وبدأت فعاليات الندوة بتلاوة آيات من القرآن الكريم تلاها طالب بن سعيد القنوبي أمام وخطيب جامع السلطان قابوس الأكبر، وألقى سعادة الشيخ محمد بن حمدان التوبي المستشار بوزارة التربية والتعليم، كلمة اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، قال فيها إنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو-  تولي عناية خاصة بالعلماء والمبدعين على اختلاف تخصصاتهم المعرفية عبر العصور، كما اهتمت بالمنجز البشري في مجالات التربية والثقافة والعلوم بمختلف فروعها، سواء ما كان من إبداع وإنتاج الفكر البشري في القرون الماضية المتمثل في المعارف التي وصلت إلينا عبر المخطوطات بمختلف أشكالها وأنواعها، أو ما أضافه مبدعو  عصرنا هذا من إجادات متميزة؛ الأمر الذي يشكّل معرفة مستدامة بدوام الحضارة البشرية. ولا ريب أن ما أبدعه الإنسان العماني عبر العصور ليس بمنأى عمّا قدّمه الآخرون؛ بل أصبح تراثاً مشتركاً يتقاسمه مع البشرية جمعاء، ويحظى بالصبغة العالمية في إطار العديد من البرامج التابعة لمنظمة اليونسكو، يتمثل ذلك في عدد من المواقع الأثرية العمانية المدرجة على لائحة التراث العالمي، وعدد آخر من الرموز الثقافية المسجلة على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية؛ بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العمانية التي تم إدراجها كشخصيات مؤثرة عالمياً، ولا غرابة في ذلك فعمان بلد معطاء وأبناؤها خدموا البشرية وأثروا الحضارة الإنسانية؛ كما جاء في النطق السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -  في العيد الوطني الرابع والعشرين حيث قال: "لقد أسهمت عمان على امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية، وكان لأبنائها جهدٌ غيرُ منكور في خدمة هذه الحضارة .

وأضاف القنوبي أن اليونسكو أطلقت برنامج الذكرى الخمسينية أو المئوية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالمياً منذ عام 1956م وفق معايير خاصة وضوابط دقيقة، لإبراز الإسهام العلمي والإبداعي للعقل البشري. وقد بدأت السلطنة بإدراج شخصيات منها عالم اللغة ومؤسس علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي في عام 2005م، والطبيب والصيدلاني راشد بن عميرة الرستاقي في عام 2013م، وكل من الطبيب والفيزيائي عبدالله بن محمد الأزدي الصحاري المعروف بابن الذهبي، والموسوعي والمصلح الاجتماعي نور الدين السالمي في عام 2015م. وتابع: نتشارك في هذه المناسبة الوطنية الاحتفاء بالشيخ العلاّمة نور الدين السالمي، الذي يمثل مع نخبة طيبة من أعلام هذا الوطن على مر العصور إضافةً كبيرةً أسهمت في إثراء الحياة الثقافية والمعرفية، وأنتجت رصيداً علمياً هاماً، كان من شأنه رفع اسم بلدنا الغالية عمان عاليا بين الأمم وفي مختلف المحافل.

وأشار القنوبي إلى أنّ الندوة هدفت للتعريف بهذه الشخصية الفذّة من خلال تسليط الضوء على حياته ورحلاته في طلب العلم، بالإضافة إلى بحث ودراسة الجوانب المتعلقة بأبرز إسهاماته في مجال الإصلاح الاجتماعي، وشتى مجالات العلم والمعرفة، مع التركيز على الجانب الموسوعي. ولكي تكتمل الصورة؛ فإنّ الحديث عن الشيخ نور الدين السالمي يتطلب الإلمام بمختلف الجوانب التي برز فيها إبداعه وظهرت فيها عبقريّته باعتباره مجدداً في عصره.

إبراز الإرث الحضاري

واختتم بقوله إنّ إدراج أي شخصية من الشخصيات الفاعلة، والمؤثرة على برنامج اليونسكو المذكور له مدلوله العميق في إبراز المستوى الحضاري لأي دولة من الدول الأعضاء؛ الأمر الذي يحث هذه الدول على إيلاء هذا البرنامج الأهمية من خلال الاستفادة من تجارب الإعلام السابقين، وخبراتهم لأجل عرضها على الأجيال المتلاحقة سعياً إلى وصل الحاضر السعيد بالماضي التليد، وتمهيداً لبناء الغد المشرق والمستقبل الزاهر بما يخدم قضايا التنمية الثقافية والفكرية المستدامة، والتي هي من أبرز اهتمامات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، تلاها قدم عرضًا مرئيا حول التعريف بالإمام نور الدين السالمي ومولده ونشأته وحياته وإسهاماته العلمية في مختلف العلوم ورحلاته في طلب العلم وإسهاماته في الإصلاح الاجتماعي ووفاته.

وتضمن برنامج الندوة عرض فيلم عن حياة الشيخ العلاّمة نور الدين عبدالله بن حميد السالمي تناول ميلاده وتتلمذه وحبه للعلم إلى جانب مؤلفاته المتعددة التي من بينها رسالة التوحيد وهي في بيان العقيدة باختصار، والشرف التام في شرح دعائم الإسلام، وشمس الأصول، منظومة في أصول الفقه تتألف من ألف بيت وطلعة الشمس، والحجة الواضحة وغيرها من الكتب والمؤلفات التي ساهمت في إثراء المكاتب بصورة عامة.

واستعرض الشيخ أفلح بن أحمد الخليلي أمين فتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ورقة عمل بعنوان المنهج العقدي عند الشيخ نور الدين السالمي، وتحدث فيها عن بعض المحاور التي تخص الجانب العقدي للشيخ السالمي ومنها مؤلفاته التي يستلهم منها الفكر العقدي، وخصائص المدرسة التي ينتمي إليها؛ إضافة إلى طرحه العقدي، حيث تناول في هذا الجانب الخصائص العلمية والخصائص الفكرية والخصائص النفسية، بعدها تفضل صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة راعي افتتاح الندوة بتكريم المتحدثين والجهات المتعاونة.

جلسة نقاشية

وتواصل برنامج الندوة بتقديم جلستين، ترأس الأولى الدكتور محسن بن حمود الكندي من جامعة السلطان قابوس، وألقى البروفيسور رضوان السيد الورقة الأولى بعنوان "السالمي والتجديد في فترة الإصلاح الديني" أوضح فيها أنّ للعلاّمة السالمي فتاوى كثيرة، ومؤلَّفات في الفروع الفقهية، لكنّ عمله الرئيسي التجديدي كان في أصول الفقه، حيث كان زمانُ العلاّمة السالمي زمانَ نهوضٍ وتجديد، والأصلُ في التجديد لدى الفقيه هو التجديد في الفقه والأصول، وأنّ هناك أمران يحكمان العملية النهضوية والتجديدية كُلَّها عند الشيخ السالمي، يتعلق الأول بفقه العيش الذي يترتب عليه فقه الدين، والأمرُ الثاني يتعلق بآليات التجديد أو الاجتهاد الفقهي والأصولي لملاءمة فقه العيش وتوجيهه.

وتناولت الورقة الثانية للبروفيسور محمود مصطفى هرموش، بعنوان "المنهج الأصولي عند السالمي" اجتهادات الإمام نور الدين السالمي، والمناهج الأصولية والفنون التي بنى عليها السالمي اجتهاداته، وشروط المجتهد عنده وأهمها أن يكون عالمًا باللغة نحوًا وصرفًا، وأن يكون عالمًا بالأصول، وأن يكون عالمًا بالكتاب، ناسخًا ومنسوخًا، وعامًا وخاصا، ومطلقًا ومقيدًا، وظاهرًا ومؤولًا، وأن يكون عالمًا بمثل ذلك في السنّة، وإلى أنواع المجتهدين عنده، وكذلك الأصول التي بنى عليها السالمي اجتهاده وهي القرآن الكريم، السنّة، الإجماع القياس، كما تناول المنهج الاجتهادي الذي اتبعه السالمي، وأبرز براعته في استخدامه فنّ اللغة وفن التفسير، أمّا الورقة الثالثة بعنوان "المنهج المقاصدي عند السالمي" التي قدمها البروفيسور محمد كمال إمام تطرق فيها إلى رؤية الشيخ نور الدين السالمي للمقاصد من خلال كتابه في علم أصول الفقه "طلعت الشمس"، وعرض لنظراته المقاصيدية مقارنة مع معاصريه من أعلام الفكر الإسلامي على الساحتين العربية والإسلامية؛ إضافة إلى تحليل لمشروعه النهضة وأثر المقاصد فيه.

تشكيل الهوية العمانية

وشهدت الجلسة الثانية التي ترأسها سعادة الدكتور محمد بن سعيد الحجري عضو مجلس الشورى ممثل ولاية بديّة، تقديم ورقة العمل الرابعة بعنوان "المنهج التاريخي عند السالمي" للبروفيسور جيرزي زادونوسكي تطرق فيها إلى أنّ الأمام نور الدين السالمي مفكر وتأريخي عماني، لعب دورا مهماً في قيادة الحركة الإباضية، وبذل جهودا كبيرة في مجال التعليم، وفي تشكيل الهوية العُمانية الحديثة، كما أنّه كان عالماً وفقيهاً في مختلف العلوم الشرعية والإسلامية، كذلك تناول الظروف السياسية والاقتصادية لعُمان في فترة الشيخ السالمي، وأنّ ميلاده في بلدة الحوقين بولاية الرستاق، وتلقيه للعلم ورحلاته العلمية خلال فترة شبابه حتى مكوثه في بديّة، أيضاً تحدث إلى أنّ رحلته لحج بيت الله الحرام عام 1323هـ/1905م، حيث كان له فرصة للقاء السلطان فيصل بن تركي في مسقط ليبحر، بعد ذلك إلى (جدّه) لتأدية فريضة الحج وسلط الضوء في ختام ورقته إلى أهم ما خلفه وراءه من كتب ومؤلفات في مختلف العلوم.

وجاءت الورقة الخامسة التي قدمها الدكتور هلال بن سعيد الحجري مدير عام الآداب والفنون بوزارة التراث والثقافة، بعنوان "الجانب الشعري والأدبي عند السالمي" ذكر فيها أنّ الشيخَ نورالدين، أبا محمد، عبدالله بن حميد السالمي (1869 - 1913م) بصفته شاعرا، وإنه عُرِف بين الناس بكونه عالِما فقيهًا وسياسيًا، وترك طائفة من القصائد يمكن دراستُها للوصول إلى معرفة تصوره للشِّعْر ونظمه له وعليه، وركز في ورقته على استقصاء المواضع المتصلة بالشِّعْر في مختلف مؤلفات السالمي التاريخية، والعَروضية، واللغوية، والفقهية، والعقائدية؛ لعلها ترشدنا إلى مفهومه للشعر، وإلى تجربته الشعرية في ديوانه الذي حققه عيسى بن محمد السليماني سنة 2007، والورقة السادسة قدمها اسماعيل بن ناصر العوفي بعنوان "المنهج اللغوي عند السالمي" تناولت الكشف عن شيء من المنهج اللغوي لأحد أعمدة اللغة الكبار، الذي ترك موروثا لغويا عظيما، حقيق بالدراسة والعناية، الإمام الكبير والعلامة الشهير نور الدين عبد الله بن حميد السالمي – رحمه الله-، من خلال ثلاثة مطالب نظرية الاستشهاد عند نور الدين بفرعيها "عصر الاستشهاد، وأولويات الاستشهاد"، والاستدراك على المشهور في كتب النحاة، وأدبيات النقاش والاعتراض عند نور الدين.

وهدفت الندوة إلى التعريف بالعلامة نور الدين السالمي على المستوى المحلي، وإبراز المناهج العلمية التي اتبعها وأهم نتاجاته العلمية، وكذلك تسليط الضوء على التأثير العالمي لهذه الشخصية، بالإضافة إلى التعريف ببرنامج اليونسكو للاحتفال بالذكرى الخمسينية أو المئوية للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالميا.

تعليق عبر الفيس بوك