ما بين البصمتين

 

د. سليمان المحذوري

لا يختلف اثنان على أنّ تطوير المنظومة الإدارية يُعدّ مطلباً أساسياً؛ وذلك من أجل الارتقاء بالخدمات المقدّمة للجمهور. كما أنّ زيادة إنتاجية المُؤسسات لا سيما الحكوميّة بات أمراً لا مناص منه. ومن البديهي أنّه كلما زادت إنتاجية الموظفين زادت إنتاجية المُؤسسة التي ينتمون لها والعكس صحيح. ومن أجل ضمان التزام الموظف بساعات العمل المقررة، وتقليل الغياب المتكرر على أمل زيادة إنتاجية الموظف؛ أُدخل نظام البصمة الإلكترونية في كثير من قطاعات العمل الخاص والعام. ورغم الفوائد والمزايا المُتحققة جراء استحداث هذا الإجراء مثل ضمان ضبطية حضور وانصراف الموظف خلال فترة زمنية مُحدّدة، والحدّ من التسيّب؛ بيد أنّه في المقابل لا يضمن إنجاز الأعمال المُوكلة للموظف فضلاً عن جودة العمل المُنجز.

ومن المعلوم أنّ نظام البصمة يعمل بآلية؛ أن يبصم الموظف من خلال جهاز إلكتروني معدّ لهذا الغرض مرة واحدة مع بداية الدوام الرسمي (حضوراً) وأخرى بنهاية الدوام (انصرافاً). وأثناء بحثي عن هذا الموضوع في شبكة الانترنت قرأت خبراً غريباً مفاده أنّ جهة حكوميّة في دولة خليجيّة أصدرت قراراً بتطبيق نظام البصمة بواقع 5 مرات في اليوم أثناء ساعات الدوام الرسمي بهدف تحقيق نسبة عالية من الانضباط الوظيفي! وبالنسبة للسلطنة فإنّ كثيرا من الُمؤسسات الحكوميّة تنتهج هذا النهج - أي تطبيق نظام البصمة- لتحقيق ذات الغرض مع الاختلاف في آلية التطبيق، ونوعية الفئات الوظيفية التي يُطبّق عليها هذا النظام والذي يختلف من مؤسسة إلى أخرى رغم أنّها في إطار مظلة واحدة كالجهات التي تتبع الخدمة المدنية على سبيل المثال. إلا أنّ الموظف في تقديري متى ما أوجدنا له نظاماً عادلاً في الحوافز والترقيات ثم المساءلة، بالإضافة إلى بيئة عمل جاذبة؛ فإنني أستطيع القول وبكل ثقة أنّه يُمكننا الاستغناء نهائياً عن نظام البصمة الذي يضمن "حبس" الموظف "من – إلى"؛ إلا أنّه لا يضمن إنتاجيته كما أشرت آنفاً، ولدينا أمثلة من القطاع الخاص كشركة تنمية نفط عُمان PDO لا تعترف بنظام البصمة وإنّما المقياس لديها إنجاز المهام المنوطة بالموظف خلال فترة زمنية محددة وقياس إنتاجيته. والسؤال المطروح الآن كيف يُمكن لمؤسسة ما أن تضمن إنتاجية موظفيها؟ وإجابةً عن هذا السؤال أشرت سابقاً إلى نقطة تتمثل في خلق بيئة تحفيزية جاذبة للموظف مع ضرورة الاهتمام بموضوع الوضوح في آليات تقييم الموظف ومكافأته ومساءلته، مع وضوح خط سير الموظف المستقبلي. وإلا بماذا يُفسر أنّ ذات الموظف الحكومي عندما ينتقل إلى مُؤسسة خاصّة يتحول أداؤه بنسبة 100% في ظل بيئة العمل الجديدة، وتصبح إنتاجيته عالية هو نفس الشخص الذي وُصفت إنتاجيته بأنّها كانت قلية أو متوسطة!

وإذا ما نظرنا إلى نظام الخدمة المدنية الحالي نجد أنّ نظام الترقيات موحد للجميع بعد قضاء الموظف مدة زمنية محدد لا تقل عن 4 سنوات، وبالتالي يتساوى الجميع الموظف المجتهد المثابر، والموظف المتخاذل مع عدم وجود نظام محاسبي صارم، أو نظام حوافز واضح؛ بل إنّ المدة الزمنية المقررة للترقية تختلف من جهة إلى أخرى وبعض الموظفين يتم "تقفيزهم" عدة درجات باستخدام ثغرة "الاستثناءات"! كما أنّ النظام الحالي المُتبع لتقييم الموظف هو التقارير الورقيّة السريّة المُعدّة من قبل الرئيس المباشر والتي لا يعلم الموظف عنها شيئاً! وبالتالي لا يعلم جوانب القوة لديه فيعززها، أو جوانب الضعف فيطورها. 

كما أنّ ادخال نظام مؤشرات الأداء المعروفة بــ (KPIs) يُعد من الحلول المتطورة والحديثة التي لجأت إليها كثير من المُؤسسات حول العالم بغية الوصول إلى أداء متميز. ومؤشرات الأداء هي عبارة عن أداة لقياس مدى تقدم المؤسسة بشكل عام نحو تحقيق أهدافها، من خلال الربط ما بين البيانات المدخلة والمخرجات. ومن ثم يمكن بواسطة تطبيق هذه الأداة أن تكتشف المؤسسة أنها تقوم بأداء مهامها وفقاً للأهداف الموضوعة، إلى جانب مدى تقدمها في تحقيق ذلك. وبالتالي "ما نستطيع قياسه، نستطيع تعديله وتطويره والتحكم فيه". وبما أنّ نجاح المُؤسسة مُرتبط بأداء العاملين فيها؛ لذا فإنّ هذه الأداة تُعتبر فاعلة في قياس أدائهم من عدة جوانب، وبالتالي ضمان قياس إنتاجيتهم واستثمار كفاءتهم ومهاراتهم في إنجاز أعمالهم ومهامهم. وعليه؛ فإنني أقترح على وزارة الخدمة المدنية- باعتبارها مظلة للمؤسسات الحكوميّة - دراسة هذا النظام من جوانبه كافة، من أجل تبنيه في سائر مُؤسساتنا الحكوميّة بما يتناسب مع كل وحدة حكوميّة طبقاً لاختصاصاتها ومهامها. فلربما يُحدث هذا النظام فارقاً طالما انتظرناه في أداء مُؤسساتنا، ومن ثم تقليل الفاقد والهدر في الوقت والمال.

abualazher@gmail.com