تقام بمعهد العالم العربي في باريس

ندوة عمان والملاحة البحرية تستعرض التاريخ العماني في المحيط الهندي

 

 

 

باريس - العمانية

ناقشت ندوة "عُمان والملاحة البحرية في المحيط الهندي" بمقر معهد العالم العربي في باريس 4 محاور أساسيّة تتصل بالعلاقات التي أسسها العمانيون في المحيط الهندي والمواجهات البحرية بين البحارة العمانيين وأساطيل الأمم الأوروبية وحول التراث العلمي الذي تضمنته مؤلفات وكتب "أسد البحر" أحمد بن ماجد في القرن الخامس عشر.

 وفي الكلمة التي افتتح بها سعادة السفير الشيخ حميد بن علي المعني سفير السلطنة المعتمد لدى فرنسا الندوة أكد سعادته على أهميّة الحوار الثقافي والتاريخي والاستفادة من كل ما هو إيجابي للتقارب بين الشعوب.

 من جانبه وجه جاك لانج رئيس معهد العالم العربي بباريس الشكر إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - لدور جلالته - أعزه الله - في إنجاح معرض "مغامرو البحار ـ من السندباد إلى ماركو بولو" وإلقاء الضوء على دور عُمان البحري الرائد، كما أثنى على دور حكومة السلطنة في هذا الجانب. وأكد لانج أن هذه الندوة وكذلك معرض "مغامرو البحار ـ من السندباد إلى ماركو بولو" كسرتا الأسطورة التي تقوم على الاعتقاد بأنّ العرب هم شعب صحراوي مبينًا أنّ الموقع الجغرافي لعُمان المُطلة على البحر سمح بأن يكون شعبها بحريًا لم يطور فقط تجارته المزدهرة فحسب بل تميز بانفتاحه الفكري الكبير وبروح التسامح والاعتدال.

وقال المدير العام للمعهد معجب الزهراني في كلمة له إنّ عُمان دولة خليجية لكنّها بالأساس وفي العمق هي دولة بحرية وهذه الميزة هي التي تشكل إضافة نوعية لبلدان الجزيرة العربية والعالم العربي "إذ نعرف أنّ هذه الدولة كانت لقرون من الزمن إمبراطورية تمد يدها لتحتضن شرق إفريقيا من جهة وغرب الهند من جهة أخرى.. ولهذا السبب وحين نزور عُمان الآن نلمس مظاهر حياتية واجتماعية وثقافية مرتبطة بهذا الجانب البحري فعمان بلد متنوع ومتسامح".

أمّا الباحثة أولجا أندريانوفا التي أدارت أعمال الندوة فأشارت في كلمة لها إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التراث والثقافة ومختلف المؤسسات المعنية من أجل إبراز الجانب التاريخي والحضاري للملاحة البحرية وبينت أنّ الاتصالات العابرة للمحيطات والبحار التي شملت السواحل الإفريقية والهندية والصينية وسواها لم تكن ممكنة من دون القدرة لدى العمانيين للسيطرة على هذا الفضاء البحري الواسع وامتلاك المعارف في ميادين الجغرافيا وتقنيات الملاحة البحرية منوهة في هذا الصدد بمؤلفات المؤرخين حمود الغيلاني وربيع العريمي ومحمد ناصر بوحجام. كما أكّدت على أهمية الأبحاث التي قام بها غبريال فران قبل قرن ومن خلفه كشوموفسكي وسوفاجي وحوراني وتيبيتس وخوري حول القواعد والنظم الملاحية العربية..

كما لفتت إلى العمل البحثي الكبير الذي بدأ في الهند حول هذا الموضوع.

من جهته تحدث الباحث الكبير المتخصص في تاريخ المحيط الهندي فيليب بوجار عن "عُمان والجزيرة العربية في الشبكات القديمة للتجارة في المحيط الهندي من القرن الأول حتى القرن الخامس عشر" والذي وضح أنّ لدى عُمان تراث غارق في القدم تمثل في صناعة السفن التي تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد إلا أنه رغب في حصر بحثه اليوم بالقرن الأول الميلادي على غرار ما قام به في كتابه "عوالم المحيط الهندي" للتدليل على أن تشكل " نظام العالم" في الفضاء الأفرو ـ أوراسي جرى بفضل حركات تبادل السلع والبشر. وأشار بوجار إلى أن هذا النظام تطور وفق أربع دورات كبرى في النمو والركود الاقتصادي والسياسي من القرن الأول حتى القرن السادس ومن القرن السادس وحتى القرن العاشر ومن القرن العاشر وحتى القرن الرابع عشر ومن القرن الخامس عشر وحتى القرن السابع عشر. وبين بوجار أنّه في الدورة الأولى ظهر في المكتشفات الأثرية وفي أحد النصوص اليونانية في مصر بعنوان" رحلة في بحر إريتريا" ذِكر اسم عُمان في الخليج وكانت السفن تبحر من هناك باتجاه الهند في عصر الساسانيين ومن سبقهم اذ كان لديهم قلاع في صحار وداما وجرافار.. وقد لعبت صحار دورًا كبيرًا منذ نهاية القرن الثاني الميلادي. وأشار إلى أنّ البحارة العرب والفرس قاموا في ذلك برحلات إلى الصين والساحل الشرقي من أفريقيا.. وكانت تجارة اللؤلؤ والذهب القماش والمنتجات الزراعية والتوابل والعطور واللبان والخشب هي السائدة.. كما كان بعضها يمر في بلاد ما بين النهرين لتصل إلى تدمر عبر القوافل موضحًا أنّه ومع بزوغ الإسلام وأثناء الخلافة العباسية أدى العمانيون دورًا أساسيًا في توسع الملاحة العربية لاسيما أثناء قيام الدولة الإباضية المستقلة في عُمان بين 750 و790 ميلادية.

وأوضح أنّ السفن كانت تبحر من صحار إلى الهند وجنوب شرق آسيا والصين وشرق أفريقيا مفترضًا أن تكون صحار هي المدينة التي ولد فيها السندباد البحري مشيرً إلى أنّ الأسطول البحري حينها كان مؤلفًا من 300 سفينة في العام 841 ميلادية وأن البحارة استولوا على سوكوتورا لحماية التجارة مع أفريقيا مشيرًا إلى المسعودي الذي ذكر جزيرة كانبالو في بحر زنجبار حيث ازدهرت تجارة العاج مع الصين والهند وإلى أنّ العمانيين كانوا يأتون إلى المالديف لصناعة سفنهم. وتطرق الباحث في تاريخ المحيط الهندي فيليب بوجار إلى دور مرفأي قيس وهرمز وشهادة ماركو بولو عنهما وعمّا نقله الإدريسي بأنّ التجار العمانيين كانوا ينشطون على ساحل الجنز وجزر القمر ومدغشقر وعن صناعة السفن في تلك الحقبة معتبرًا أّن قصة سيد بن ابو علي العماني الأصل والذي ولد على سواحل كوروماندل هي قصة نموذجية في شأن تدويل شبكات التجارة والتنافس السياسي.

 ومضى يقول " تبقى عُمان بوابة الهند وابن بطوطة قد ذهب من ظفار إلى مرفأ كاليكوت الهندي في القرن الرابع عشر.. ولقد تواجد الإباضيون على الساحل الشرقي من إفريقيا في الوقت نفسه مع السنة والشيعة والقرامطة.. ومن الممكن أن يكون قادة كلوة وسواها من الإباضيين منذ 1150 ميلادية.

ويختم بوجار مداخلته بالقول إنه في القرن الخامس عشر حدث توازن بين الخليج والبحر الأحمر وقد استفادت عُمان بدرجة معينة من قوة هرمز التي كانت إحدى المدن ـ الدول الكبرى في المحيط الهندي. وقد ظهر التأثير العماني الكبير في شرق إفريقيا حين تمكّنت سلطنة عمان من السيطرة على زنجبار وعلى جزء من ساحل إفريقيا الشرقي حيث اعتمدت على تجارة القرنفل.

 أما الباحث جان شارل دوكين المتخصص في الجغرافيا والعلوم الطبيعية العربية في العصر الوسيط فقد تناول مرحلة ازدهار التجارة البحرية لعُمان خلال العصر العباسي في المحيط الهندي ومع منطقة الساحل الشرقي من إفريقيا. وأشار إلى أنه في منتصف القرن التاسع الميلادي أظهرت المصادر العربية أنّ مرافئ عُمان شهدت حركة تجارية فاعلة وكان القضاة العمانيون يفصلون في القضايا العالقة..

ويروي ما قاله إبن حوقل والمقدسي عن مكانة صحار في ذلك الوقت حيث وصفها الأخير بأنّها "ممر الصين ومخزن الشرق والعراق والمحل التجاري لليمن".. كما ذكر أنّ الإدريسي أشار إلى مرفأ قلهات كما ألمح إلى مسقط في ذلك العصر لكن دورها أصبح مهما بدءًا من القرن الرابع عشر. وشرح الباحث طرق التوجه في الإبحار في ضوء النصوص التي كتبها ابن ماجد في القرن الخامس عشر سواء المستندة إلى قوة الهواء أو علو نجمة في السماء أو خلال فترة معينة من السنة وهذا يتضح في "دفاتر الطرق" والذاكرة وكذلك أصابع اليد والكمال. ويستفيض الباحث في شرح الدور الكبير الذي لعبه القبطان العالم أحمد بن ماجد في علوم الإبحار ومعرفته التامة بكل الكتب والمراجع العلمية في هذا المجال وكذلك في العلوم الفلكية.. وختم مداخلته بالقول لقد عثرت في اسطنبول على وثيقة تكشف للمرة الأولى كتبها أبو بكر الدمشقي (توفي علم 1691) تشير إلى أن البحارة البرتغاليين نقلوا علوم الإبحار من ابن ماجد وهكذا فإن كتب هذا العالم كانت حصيلة خبرة متوارثة من المعرفة العملية في الإبحار طوال القرون الوسطى. وعن أوجه الحرب البحرية: البرتغال وعُمان والقوى الأوروبية في القرن السابع عشر ذكرت الباحثة ديجانيره كوتو أنّ الإمام سلطان بن سيف الذي كسب خبرة تجارية وبحرية راكمتها عُمان قرر في القرن السادس عشر مقارعة البرتغاليين في التجارة في المنطقة الغربية من المحيط الهندي وكان طموحه أبعد من ذلك حيث أراد أن يطردهم من الموانئ التي بنوها في تلك المنطقة منذ 1505. وكانت أولى ساحات المواجهة في الخليج بين 1652 و1674 ثم انتقلت إلى منطقة مومباي عام 1661. وشرحت الباحثة الأوجه الرئيسية للحرب البرتغالية ـ العمانية في القرن السابع عشر ثم ركزت على الدور الذي قام به منافسو البرتغاليين في المنطقة من إنجليز وهولنديين لتأجيج النزاع مع البرتغاليين. ولقد أظهرت المعارك بين الطرفين قدرة هائلة لدى العمانيين في الخطط البحرية وفنون القتال. وختم المدير السابق لمتحف البحرية الوطني الفرنسي الأميرال فرنسوا بيليك الندوة بمداخلة عن "عُمان وتأسيس علم الفلك البحري" ركز خلالها على "أسد البحار" أحمد بن ماجد وما أثرى به علوم الفلك والملاحة والجغرافيا لاسيما في "مطول كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد" الذي وضعه قبل 30 عامًا من كتابة البرتغاليين قواعدهم في هذا المضمار. وتحدث بيليك عن 13 سورة في القرآن الكريم تتصل بغنى البحر والسفن التي هي هبة من الله عز وجل ثمّ تحدث عن قصعة خزفية في متحف دمشق حيث تشير إلى القبلة لدى ثماني مدن وعن استخدام الإبرة الممغنطة حين تتلبد السماء بالغيوم وتنعدم الرؤية وعن مراقبة الفلك والنجوم وخطوط العرض القريبة والبعيدة من خط الاستواء والكمال واستخدام الأصابع في القياس. وختم بليك مداخلته بالقول إنّ المراجع التاريخية حول نشأة علم الملاحة البحرية في المحيط الهندي غالبيتها هو الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية وجنوب شرق الهند... ولكن عُمان التي هي في وضعية جغرافية استراتيجية دفعت إلى خوض غمار الملاحة في أعالي البحار عبر المحيط الهندي وعدم الاكتفاء بالابحار السواحلي.. ولهذا السبب فإنّ معلمي الملاحة البحرية العمانيين أسسوا لأول علم بحري لمواقع النجوم في التاريخ.

حضر الندوة أصحاب السعادة سفراء دولة قطر ودولة الكويت وجيبوتي ولبنان وممثلو مكتب جامعة الدول العربية وعدد الكبير من الاختصاصيين في التاريخ والعلوم البحرية.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة