عبيدلي العبيدلي
نشر موقع "سي ان ان " الإلكتروني العربي مجموعة من اللقطات لناطحات السماء في مُختلف مدن العالم. كان من بينها مجموعة توزعت بين مدينتي دبي بالإمارات وجدة بالسعودية. فهناك "برج دبي"، الذي وصفه الموقع بقوله"تخطط إمارة دبي لبناء برج تطمح أن يُعيد رسم ملامح الأفق العمرانية للمدينة". المشروع يقع في خور دبي وهو تصميم للمهندس المعماري ومهندس الإنشاءات والنحات والرسام الإسباني السويسري سانتياغو كالاترافا، ومن المفروض أن يعلو برج خليفة بمائة متر، ويصل طوله إلى 928 مترا". وعلى مقربة منه، هناك برج خليفة في دبي أيضا، و"يعتبر أعلى مبنى في العالم حالياً، منذ اكتماله في العام 2010. ويتكون المبنى من 163 طابقاً بطول 828 متراً".
ومن دبي ينتقل الموقع إلى مكة المكرمة حيث "أبراج ساعة مكة بالقرب من المسجد الكبير، وهو جزء من مشروع أبراج البيت التي تبلغ كلفتها ما قيمته 15 مليار دولار". وعلى مقربة من أبراج مكة، وفي مدينة جدة تحديدا، هناك "برج جدة، ومن المتوقع أن يصل ارتفاع برج جدة في السعودية إلى ألف متر، بعد اكتماله في العام 2020".
لا تنفرد المنطقة العربية، وعلى وجه التحديد منطقة الخليج العربي بمثل هذه الناطحات العملاقة، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، وكما نشر الموقع "432 بارك أفينيو" الذي يعتبر "أطول برج سكني في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وافتتح المبنى في العام 2015، بعلو 425.5 متر و85 طابقاً".
بداية، لا بد من التأكيد على أن تشييد مثل هذه المباني شاهقة الارتفاع ليست أمرًا محرمًا، ولا ينبغي النظر إليه من زاوية سلبية محضة، بل هو أمر من متطلبات التطور العمراني في المدن الحديثة، ناهيك عن كونها إحدى مخارج حل محدودية المساحة العمرانية في بعض البلدان مثل هونغ كونغ. ويساهم البعض منها في تنويع معالم السياحة المحلية.
لكنها تتحول إلى مدخل سلبي تماماً عندما ينحو بناؤها في اتجاه التباهي أولاً، أو على حساب الأولويات التنموية الضرورية الأخرى ثانيًا وليس أخيرًا. وهذا ما يجعل من التوقف عند هذه الظاهرة في البلاد العربية أمرًا ملحًا.
فلو قارنا عشرات المليارات التي تنفق على تشييد هذه الناطحات، حتى من أموال القطاع الخاص، لوجدنا أن ذلك يتم على حساب قضايا أخرى تسبقها في الأولوية، مثل التعليم، ومحاربة البطالة التي ينبغي أن تتصدر اهتمامات المجتمع العربي برمته وليس الدول فحسب. فالمهمات التنموية لا بد، إن أريد لها النجاح، أن تكون من صلب التعاون الهادف المبدع بين القطاعين الخاص والعام.
فلو بدأنا بموضوعة البطالة، والتفتنا نحو معدلات البطالة المتفشية في البلاد العربية، فسوف نكتشف، وكما جاء على لسان المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد محمد لقمان، "أن أكثر من 30% من الشبان العرب يعانون البطالة جراء النزاعات في بلدانهم والنقص في الاستثمارات التي تساهم في تأمين وظائف، (مضيفًا في تصريح لوكالة فرانس برس (إن نسبة البطالة في صفوف الشباب العرب حتى سن الثلاثين عاما تتجاوز 30%. وإن الاضطرابات والنقص في الاستثمارات أديا إلى زيادة عدد العاطلين عن العمل، (مؤكدا على) أن عدداً كبيراً من حملة الشهادات لا يتمكنون من إيجاد عمل لأن اختصاصاتهم غير مطلوبة في القطاع الخاص (محذرا من أنه) بسبب الاضطرابات في العديد من البلدان العربية، فإن عدد العاطلين عن العمل العرب قد قفز من مليونين العام 2011 إلى عشرين مليونا".
الكاتب إدمون العيسى يورد أرقاماً تثير الرعب، وتنذر بمُستقبل أسود يتربص بقوة العمل العربي، وخاصة الشابة منها، حيث نجده يقول "تُعد مشكلة البطالة من المشكلات المعقدة التي تواجه العالم العربي، إذ إنّ نسبة البطالة في الوطن العربي بين 15-20% مقابل 6% عالمياً ويصل عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي حوالي 25 مليون عاطل من إجمالي قوى عاملة يبلغ نحو 120 مليون عامل، يضاف إليهم سنوياً 3.4 مليون عامل سنوياً، في ضوء حقيقة مفادها أنّ 60% تقريباً من سكان البلاد العربية دون سن الـ 25 سنة، وهو الأمر الذي يتوقع معه أن يصل عدد العاطلين عن العمل عام 2025 إلى حوالي 80 مليون عاطل، مما يتطلب ضخ نحو 70 مليار دولار لرفع معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية، وذلك لخلق ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنويا".
وهناك العديد من الدراسات المستقبلية التي تشارك العيسى هذا الرأي، فيما يتعلق بيفاعة الأمة العربية وتتنبأ بأن "عدد سكان العالم العربي قد يصل إلى ما بين 410 و460 مليون نسمة بحلول عام 2020 وسيمثل الذين تقل أعمارهم عن 14 عاماً أكثر من 40% من مجموع السكان".
ويشاطر العيسى هذه الرؤية مجموعة من الدراسات الصادرة عن مؤسسات تعنى بهذه القضية من أمثال صندوق النقد العربي، الذي حذر في دراسة صدرت عنه مؤخراً من شبح البطالة في صفوف الشباب في الدول العربية، قائلا " يقدر حجم القوة العاملة في الدول العربية بنحو 124 مليون نسمة، تمثل ثلث عدد السكّان، وهي تنمو بأعلى المعدلات عالمياً. تقدّر نسبة البطالة في الدول العربية بنحو 11.3% في أفضل الأحوال إذ إنّ (الإحصاءات الرسمية قد تكون غير دقيقة)، وهو من أعلى معدلات البطالة على مستويات الأقاليم".
وتخرج الدراسة بمجموعة من التوصيات التي من شأنها إصلاح هذه الوضعية الاستثنائية من بينها: تبني سياسات وطنية للتشغيل، وإصلاح قطاع التعليم، ومراجعة تشريعات أسواق العمل وإصلاحها، ومساهمة القطاع الخاص، ودمج المرأة في سوق العمل".