نسمات البرد.. وقِطَع السكر

 

مدرين المكتوميَّة

تحمل نسمات الشتاء الباردة إلى الذاكرة دفءَ فنجان القهوة وقدح الشاي بالزنجبيل، وراحة الجلوس أمام نار هادئة بين صُحبة الأهل والأحباب.. ولأنَّه أحد الفصول التي ننتظرها في منطقة الخليج العربي ذات الحالة المناخية الحارة، فإنَّك تجد أعدادًا كبيرة يُخطِّطون له ليعيشوا ساعاته كاملة.. فهو يأتي سريعًا ليرحل أسرع؛ ولأجل هذا، فنحن موعودون بقضاء مساءاته وصباحاته مع الأحبة في المطاعم والمقاهي المفتوحة وفي المتنزهات، وعلى شواطئ البحار؛ لنشعر بنسماته الباردة وهي تتغلغل إلى داخلنا؛ فتعطينا مزيجًا من الانتعاش وشعورا بالسعادة.. ففصل الشتاء حياة لمن لا حياة له، وأنفاس لمن يُعاني اختناق الوقت والزمن.

ولعلمنا المسبق بأنَّ أيام الشتاء وساعاته لا تنتظرنا طويلًا، لذا علينا أن نُخطِّط لها سريعًا، قبل أن ترحل مُخلِّفة وراءها كَوْمَة من الحرارة والرطوبة، تجعلنا نعيش في قلق وتوتر، ونُدرك حينها أننا دخلنا مرحلة الانتقال للصيف المزعج الذي تَضِيْق فيه النفوس، ويصبح الشخص فيه غير قادر على التحكُّم بأعصابه نتيجة أجوائه شديدة السخونة.

إنَّه فصل الشتاء.. قطعة السكر التي نتلذذها بشغف، خاصة وإنْ كان من يشاركوننا لحظاتها هم من نحب ونتمنى، ومن يجعلوننا نشعر بدفء اللحظة وقيمة الوقت والزمن؛ فتعاقُب الفصول يعني أننا نعيش الحياة على اختلافها، ولكن يبقى الشتاء هو ملك الفصول على الأقل معنا، فنحن نستمتع به وننتظره بفارغ الصبر، ونتمنى أن تعود لياليه وأيامه وساعاته على الرغم من أن كثيرًا من دول العالم تكرهه؛ لما يُشكله لهم من عبء في الحركة والتنقل وفي ممارسة حياتهم اليومية، كما يُلزمهم البقاء في المنزل أمام المدفأة يحتسون المشروبات الساخنة، ويستمعون للأغاني الكلاسيكية.

وعلى الرغم من تباين الآراء حول جمال وروعة الشتاء في مختلف دول العالم، إلا أنَّه يُشكِّل فرصةً حقيقيةً لبقاء الفرد مع نفسه، والتعرُّف على ذاته عن قرب، والتخطيط بتفاؤل لأمنياته التي تسكن الركن القصي من نفسه؛ فللشتاء أمنيات خاصة وجميلة نُعلِّقها كلَّ عام، ونرى كَمْ منها قد تحقَّق، وكم تبقى لينتقل معنا إلى شتاء الأعوام المقبلة. ولأنني أتحدَّث عن الشتاء، فعلينا أن لا نغيِّب مذاق الخبز الذي كانتْ تصنعه جداتنا وتسقينا الشاي مع الهيل وهي تُوْقِد النارَ أمامنا لتصنع منه قُوْت يومنا، ولتجعلنا نشعر بالدفء في صباحات الشتاء البارد حيث كل شيء مُتجمِّد، حتى النباتات والكثير من الكائنات تخلُد إلى بياتها الشتوي. إلا نحن، نستيقظ فجرًا لأجل جدتنا التي تجعل من الشتاء عالمًا لطقوس جميلة نتذكرها في الصيف ونتمناها في لحظات الوحدة، ونشتاق إليها حين نكون مُجْبَرين على العيش بعيدًا عن تلك الزاوية من المكان والزمان والوقت ورائحة القهوة المحمَّصة التي لطالما جمعتنا مع من نُحِب دائمًا.

madreen@alroya.info

 

 

 

 

الأكثر قراءة