فايزة الكلبانية
الصحافة وكما يطلق عليها "السلطة الرابعة" وما تحظى به من أهمية في نقل الأخبار والأحداث والمستجدات، ومتابعة تطورات الحياة بمختلف قطاعاتها ليست وليدة هذا العصر؛ وإنما هي امتداد لعصور قديمة، اختلفت من خلالها طرق تداول الأخبار بين الناس والشعوب، اليوم ومن منطلق ما يمليه عليّ الواجب وزملائي العاملين ضمن نطاق "الصحف الورقية" نحرص كل الحرص بدون استثناء على أن نسلط الضوء على هموم مجتمعاتنا، ونلامس واقع الحياة من خلالها، فالصحفي نفسه المواطن الذي يعيش على أرض الوطن ويتأثر بمؤثراته سواء كانت سلبية أو إيجابية.. نتابع المستجدات ونستقي المعلومة من مصدرها الموثوق بكل ما أوتينا من قدرات وإمكانيات، واضعين نصب أعيننا أنّ واجبنا الوظيفي يحتم علينا أن نتعامل مع سقف "الحرية" المتاح لنا بحكمة، دون المساس بالمصالح العامة للفرد أو المجتمع. هذا إلى جانب النظر إلى المصالح والمفاسد التي قد تنشأ نتيجة لتلك الأخبار المغلوطة، والعارية عن الصحة وما قد يترتب على ذلك من تبعات سلبية قد تنعكس علينا ومجتمعنا بلا أي فائدة تذكر.
****
اليوم تعد أزمة "تراجع أسعار النفط" وما خلفته هذه الأزمة من تأثيرات على مختلف القطاعات دوليا ومحليا من أبرز القضايا التي تحرص الصحف على الصعيد العالمي والمحلي أن تسلط الضوء عليها بمختلف جوانبها ومستجداتها، وآلية التعامل مع الأزمة والحلول المقترحة، ويعمل الإعلام ككل؛ بما فيه الصحف، وبشكل يومي كشركاء أساسيين مع الحكومة والقطاع الخاص وكل من له بصمة في التعامل مع الآزمة لإيجاد حلول ومقترحات للخروج من هذا النفق المظلم بأقل الخسائر، وقد أولت الصحافة الورقية الأزمة اهتماما كبيرا منذ البداية وحتى اليوم، فالصحف في السلطنة تتسابق من خلال الاستطلاعات وعرض آراء المسؤولين والخبراء الاقتصاديين لرصد كل ما يخص الأزمة النفطية من تأثيرات وحلول ومقترحات، والعمل كحلقة وصل بين المواطن وما تقوم به الحكومة من إجراءات وبرامج لتخفيف تأثيرات الأزمة على المواطن ومعيشته؛ متبنيةً نهج المصداقية في نقل الحقائق مصحوبة بجرعات ورسائل مطمئنة في تناولها للأخبار.
ولكن ما نعتب عليه نحن العاملين في الوسط الإعلامي وأخص في سطور مقالي "الصحف الورقية" والمؤسسات العاملة في هذا الجانب من الإعلام التقليدي أنّه وفي ظل المنافسة الشرسة من الإعلام الإلكتروني وأزمة تراجع أسعار النفط والتي بات تأثيرها اليوم علينا يشكل خطرًا يهدد مستقبل الصحافة المطبوعة في السلطنة؛ تعاني هذه الصحف من تراجع في اشتراكات المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، ولكن عتبنا على المؤسسات الحكومية أكبر من غيرها لكونها بهذا التوجه تقلل من شأن الصحف الورقيّة الداعمة لهذه الجهات والمساندة لها في جميع مناشطها وفعالياتها.
****
نعلم جميعنا أنّه ونتيجة لأزمة تراجع أسعار النفط والتي خلفت آثارا سلبية على الوضع الاقتصادي، أنه لابد أن تعمل كل مؤسسة على تقليل إنفاقها ومصروفاتها العامة، ونتفهم كقطاع إعلامي مواكب لهذه الأزمة هذه الضرورة، ولكن ما لا نقبله بأن يكون "الإعلام" مستهدفا بهذا الحجم، و"الصحف الورقية" خاصة بحيث نتفاجأ بأن اشتراك أكبر المؤسسات الحكومية والتي لها مكاتب فرعية ومديريات في مختلف المحافظات يبلغ (جريدة واحدة أو جريدتين) في اليوم بواقع رسوم اشتراك تبلغ (50) ريالا عمانيا لكل جريدة من مجموع (40 أو حتى 80 أو أكثر) في السنوات الماضية، وعندما نخاطب المسؤولين يأتي الرد "أنتم تعلمون أنه لابد من تقليص الإنفاق والمصروفات" لنواكب ميزانية المؤسسة الجديدة، ولا نستطيع الاشتراك بأكثر من هذا العدد، أو يأتي الرد صادمًا بأنهم مطالبون بمضاعفة الاشتراك في جريدة أخرى بعينها لسبب أو لآخر أو لأنّ الطلب عليها أكثر.. كل هذا ليس مقياسا ومعيارا لتقليص اشتراكات المؤسسات الحكومية إلى هذا الحد..
يجب على الجهات المعنية أن تكون لها وقفة مع الصحف الورقية والمؤسسات العاملة في هذا المجال لإنقاذها من الخسائر التي تتكبدها؛، لاسيما وأنّ العاملين بها هم أبناء الوطن وأصحابها هم من العاملين على دفع الأداء الحكومي للأمام، ومساندة الجميع لخلق مجتمع واع متطور، قادر على الصمود والثبات، ولابد من مساندة صحفنا الورقية لتكون هي الأخرى قادرة على الصمود والثبات بدون أن تلجأ إلى تقليص رواتب موظفيها أو الاستغناء عن بعضهم وقطع أرزاق أطفالهم بسبب عدم قدرتها على دفع الرواتب لهذا العدد من الموظفين؛ إلى جانب عبء الطباعة الذي يعتبر همًّا آخر بجانب همّ الرواتب والذي يشكل أحد أهم أسباب الأزمة في مختلف المؤسسات؛ والذي قد يوازي معدلات العجز.
****
حتى وإن اختلفت الأسباب؛ لا نريد أن نسمع يوما أن صحيفة عُمانية ما قد توقفت عن الصدور كما توقفت جريدة "السفير" اللبنانية قبل أيام جراء تأثرها بالحرب السورية والأوضاع السياسية والمماحكات الطائفية.. فعمان ولله الحمد بلد تنعم بالاستقرار السياسي، والتلاحم بين أبنائه بتناغم فريد.. وشتان ما بين دار الحرب ودار الأمان.
****
الأكيد والذي لابد وأن يعلمه الجميع أنّ سعر اشتراك هذه المؤسسات بواقع جريدة أو جريدتين قد لا يكفي تسعيرة البترول لمركبة الموظف المسؤول عن توزيع الجريدة، وما يزيد من حيرتنا أنّ هذه الجريدة أو الجريدتين كيف يتم توزيعهما في المؤسسة الواحدة، هل تذهب للوزير أو الوكيل أو قسم الإعلام المطالب بالمتابعة اليومية لأخبار مؤسسته والاطلاع على كل ما يهمها أو غيرها من الأقسام؟ فهل نحن وصلنا إلى هذه الدرجة من البؤس وتهاوي الوعي الإعلامي لتكون المؤسسات الصحفية ضحيّة هذه الأزمة وبهذا الشكل.
****
في المقابل قد يرى البعض أن اليوم هو عصر التكنولوجيا والتطور اتفق معكم، ولكن حتى المواقع الإلكترونية مكلفة لكونها مدفوعة، فهي تكلف المؤسسة الصحفية وتعد عبئا آخر فوق أعبائها، هذا إلى جانب أنّ البعض ما زال مغرمًا بمطالعة صفحات الجريدة أول الصباح مع فنجان من القهوة، ومن ثمّ يتوجه إلى رزقه وأعماله اليومية، وخاصة فئة أصحاب الأعمال ومن يحنون للزمن الماضي بكل ما به من تقاليد محفورة في يومياتهم.
****
"الصحف الورقية" جزء لا يتجزأ من إعلامنا الحقيقي الواعد، يديره أصحاب أعمال عمانيون حقيقيون، ويعمل به جنود مناضلون وجميعهم يحملون على عاتقهم رسالة حب وعشق لهذا البلد الغالي، يعملون على تهدئة الأوضاع ونشر الخبر لأبعد الحدود، يساندون جميع الأطراف بين مؤيد ومعارض، هدفهم الإصلاح ونماء بلادنا.. لذا كونوا عونا لنا ولصحفنا، كما هي عون لكم ولمؤسسات الوطن.. كونوا معنا يدا بيد كي لا نتحمل خسارة أكبر فوق طاقتنا، ونطلقها صرخة استغاثة متجددة للمرة الثانية على التوالي بعدما أطلقناها في المرة الأولى عام 2016.