سياسات الاندماج

 

 

فايزة سويلم الكلبانية

"الاندماج" غالبًا ما يُمثل أحد الحلول التي تتبعها مُختلف دول العالم للتغلب على الأزمات وتفادياً لأية خسائر تُذكر، ولذا نلاحظ لجوء بعض مؤسسات القطاع المصرفي موخراً لتطبيق هذا التوجه ضمن الإطار المحلي أو الإقليمي، معتبرين ذلك طريقة من طرق التَّغلب على الأزمات السائدة لتحقيق حجم اقتصادي يعطي قوة لهذه المؤسسات، إلى جانب تعزيز جودة وكفاءة الإنتاج نتيجة لتكاتف الجهود واتحادها. وعلى صعيد السلطنة فقد شهدنا دمج كلٍ من بنك عُمان الدولي مع بنك HSBC  الشرق الأوسط المُحدود في عُمان، وتمَّت إعادة تسميته ليصبح بنك HSBC عُمان،هذا كما جرت العديد من النقاشات بين ثاني أكبر بنوك السلطنة (بنك ظفار) من حيث الأصول و(بنك صحار) حول الاندماج منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات. ولكن اليوم قد يتعدى الدمج مؤسسات القطاع المصرفي ليتوسع ليشمل مؤسسات أخرى من قطاعات مُختلفة.

فقد تُعاني بعض المصارف والمؤسسات الحكومية من وضعها المالي الصعب بحيث يقترب وضع البعض الاقتصادي من الإفلاس لعدم القدرة على مُجابهة الأزمات المالية. فيرون أنّه بسياسة "الدمج" يُمكنهم تشكيل كيان قادر على المُجابهة بقدرة أكبر وأشمل، ولكن سيتأثر الهيكل التنظيمي والإداري وسياسة العمل نتيجة للدمج بشكل كبير، وقد يفقد البعض صلاحياتهم القيادية نتيجة للتنويع في العمليات الإدارية بالرغم من الاتفاق المؤقت الذي سيحدث إلا أنّه لابد من تضارب في الأفكار وسياسات العمل والتشغيل نتيجة لكبر حجم المؤسسة وتعدد متطلبات العمل والخدمات المقدمة.

قد تختلف الرؤى والتوجهات في سياسات "الاندماج" ولكن يجب أن نعي أنّ لهذا الدمج إيجابياته وسلبياته، قد نتجه لهذه السياسة لتقليص الإنفاق وتوحيد الجهود والتوجهات بين مُختلف المؤسسات، وذلك نتيجة لأنَّ الواقع الاقتصادي وما نمر به من أزمات اقتصادية ومؤثرات لتراجع أسعار النفط تجبرنا لاتخاذ هذا التوجه، لعل وعسى أن نجد فيه حلاً لتقليص إنفاقنا ومصروفاتنا والحصول على جودة في العمل بتكاتف الجهود تحت مظلة واحدة بدلاً من تشعبها، ولكن حقيقة الأمر أن أكبر معضلة أمام ميزانية الدولة تتمثل في "الرواتب"، ولذا قد نعمل على الدمج بين مؤسستين ولكننا لن نستغني عن واحدٍ من الموظفين بكلا المؤسستين خاصة "العمانيين" وفقاً لقانون العمل العُماني الذي يحفظ للموظف حقه، ولذا ستظل مشكلتنا قائمة وبحاجة لإدارة للأزمة من جديد، لأنّه وبشكل شهري لابد من صرف راتب كل موظف مثلما هي العادة، وبهذا لم نحل المشكلة لأنّها تتركز في "الرواتب" ولا تزال قائمة، مع انخفاض حدَّتها لتقلص بعض مناحي الإنفاق الأخرى.

 

 من جانب آخر طالعتنا نتائج المختبرات ضمن البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ) بمُقترحات تعنى بتحسين بيئة الأعمال للوصول إلى مرتبة متقدمة بين دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2020م، في مؤشرات الحصول على الائتمان، والبدء بممارسة الأعمال التجارية، في تقرير البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال التجارية، والتي تمثلت في دعم وتمكين الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية، والتي تتضمن عدم تضارب المصالح بين العمل في القطاع الحكومي والخاص، وربط كافة الجهات الحكومية بنظام المناقصات الإلكتروني، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية وتسهيل الأعمال التجارية من خلال ربط كافة الجهات الحكومية بنظام "استثمر بسهولة" لاستمرار تبسيط إجراءات الحصول على التراخيص، هذا بالإضافة إلى مقترحات أخرى بدمج المؤسسات المعنية بالطاقة في مؤسسة حكومية واحدة، وذلك لضمان توحيد السياسات لتوفير الطاقة بكافة أنواعها في السلطنة، وقد يتعدى الدمج ذلك ليشمل بعض الجهات المعنية بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لكونها تعمل على نفس التوجه والأهداف والرسالة الوطنية .

 

وبما أنَّ القطاع الخاص المعول عليه الرئيسي في تنفيذ المشاريع المُقترحة والمطروحه على طاولة (تنفيذ)، لابد أن يصاحب تسهيل الإجراءات وتبسيطها أمام المستثمرين، النظر في حلول أخرى مُصاحبة، وقد تتمثل إحداها في "تعميق سوق مسقط للأوراق المالية" حلاً في مواجهة هذه الأزمة، فسوق الأسهم اليوم بحاجة للفتة من الاهتمام للتغلب على المؤشر الأحمر والذي يشكل خطرا كبيرا أمام شركات الوساطة والشركات المدرجة بالسوق، فنجاح "تنفيذ" أيضًا يقف على قدرته في إنعاش حركة سوق مسقط للأوراق المالية، وإعادة الحياة أمام المستثمرين، وتعميق السوق من خلال طرح إصدارات أولية لشركات جديدة، خاصة وأنَّ كل الإصدارات التي طرحت مؤخرًا قد حظيت بإقبال كبير مما أدى إلى تحقيق نتائج وأرباح أكبر من المتوقع، بحيث تغطي المبلغ المطلوب وتزيد، وهذا بحد ذاته مشجع رئيسي لزيادة إصدارات مختلف الشركات وطرحها للاكتتاب العام، ولا نعتمد بالضرورة على الشركات العائلية فقط.

faiza@alroya.info