علي المعشني
كانت صحافتنا المحلية فيما مضى من الزمن تعاني من غياب الدعم وضبابية نصوص قانون المطبوعات والنشر وهلاميتها، أمّا اليوم فيمكننا القطع بأنها تحتضر لغياب الدعم وللسقف العالي من هامش الحرية والمسؤولية العالية الملقاة على عاتقها والدور المرتقب والمطلوب منها لتشكيل الوعي والارتقاء به وتعميق الوطنية والهوية الوطنية الجامعة، وممارسة دورها المعرفي في بسط ثقافة الدولة وترسيخ الوجه الفكري للدولة، ولن يتأتى لها ذلك في ظل انحسار الموارد والكوادر ومحدودية التوزيع والانتشار.
وعلى الرغم من أنّ بعض المطبوعات بدأت تفكر جديًا في التحول إلى إصدارات إلكترونية للتغلب على الإنفاق والسيطرة عليه، إلا أنّ المهنية والرسالة تقتضي الحفاظ على هيكلية المطبوعة الورقية من حيث الكوادر ومصادر الخبر والمراسلين والدعم الفني الأمر الذي سيدفع بالمطبوعة إلى مشارف الإنفاق السابق إلى حد كبير.
تتلخص معاناة الصحف والمجلات في السلطنة اليوم في التالي:
1- غياب الدعم المالي الحكومي المنتظم والعادل في حجمه وتوقيته ونوعه، فهذا الدعم لازال يشوبه الكثير من المزاجية وغياب الرؤية الواضحة والموحدة، وبالتالي نراه بجلاء في تفاوت أعداد الاشتراكات من قبل الوحدات الحكومية، وتفاوت نصيب المؤسسات الصحفية من الإعلانات الحكومية، حيث يخضع هذا للعلاقات الشخصية والأمزجة ومدى الإلحاح والمصالح.
2- غياب التنظيم والتصنيف للمطابع في السلطنة – رغم المناشدات من ملاكها طيلة 14 عامًا دون جدوى – مع التنافس الشديد والإغراق في العروض واحتدام المنافسة غير الشريفة، والسماح بخروج ودخول المطبوعات من سوق السلطنة وإليها عبر مصادر خارجية رخيصة التكلفة، دون ضوابط أو تنظيم، أو فرض رسوم ترفع من كلفتها، الأمر الذي أربك سوق الطباعة وجعلها سوقًا مفتوحة لجميع الاحتمالات والتوقعات الأسوأ على الدوام. وبالتالي تعذر على المؤسسات الصحفية التي تمتلك مطابع جبر ضرر نشاطها الصحفي أو الارتقاء به عبر تعزيز دخول المطابع.
3- غياب التنظيم والمنافسة الشريفة لسوق الإعلانات في السلطنة، بشقيها الحكومي والخاص، حيث تحكم هذا النشاط السيطرة والنفوذ والاحتكار والشللية والتلاعب بالأسعار والعروض بصور تُربك السوق، وتُبعده عن معايير المهنية وقيم التجارة الحقيقية.
4- في ظل غياب الدعم، أحجمت هذه المؤسسات وأجل بعضها، مواكبة العصر عبر الإعلام الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي بفاعلية، لتغطية العجز في الانتشار الورقي والانطلاق نحو الحلقات الأوسع من القراء والمتابعين بداخل السلطنة وخارجها، لتحقيق سعة الانتشار والصدى الإيجابي والتأثير، فتصميم موقع وإدارته وتغذيته وتحديثه، يحتاج – في حال جودته – إلى طاقم لا يقل في بعض الأحيان عن الكادر القائم على الإصدار الورقي من حيث المهنية والتخصصات والعدد والتكلفة المادية والإدارة والإشراف.
5- في ظل غياب الدعم، أحجمت هذه المؤسسات عن رسالتها الوطنية في توظيف وتأهيل العناصر الوطنية والتي تدفع بها المؤسسات الأكاديمية كل عام، لارتفاع رواتبها ومكافآتها مقارنة مع العناصر المثيلة من الوافدين، وهذا ما أوقع بعض هذه المؤسسات في حرج ومساءلات قانونية مع الجهات المعنية بالتعمين في ظل انعدام البدائل والخيارات المُجدية.
6- في ظل غياب الدعم، لم تتمكن بعض هذه المؤسسات من تعيين حتى المتقاعدين من العُمانيين في قطاع الصحافة والإعلام، ولا المتدربين كذلك ممن يترقبون التعيين الوظيفي، لتأهيلهم والاستفادة منهم. في ظل وجود البدلاء من داخل السلطنة وخارجها وبمقابل مادي زهيد.
7- في ظل غياب الدعم، لم تتمكن هذه المؤسسات من استكتاب أقلام عُمانية بمقابل مادي يليق بالقلم والفكر والإبداع ويعزز منها، كما هو الحال في بعض المؤسسات الصحفية في الجوار والتي أصبح بإمكان الكاتب المحترف أن يعيش من قلمه ويتفرغ لإبداعاته الكتابية وينميها، كما أحجمت هذه المؤسسات عن استكتاب أقلام عربية وعالميّة مميزة حصريًا لها، لذات السبب، واكتفت بشراء خدمات استكتاب رخيصة من وكالات ومصادر مختلفة، أو التعاون والاتفاق مع مؤسسات نظيرة لإعادة نشر ما يروق لها ويواكب خطها من مواد ومقالات. وبالنتيجة الحتمية لم يرتق أو يبرز قلم صحفي عُماني واحد أو يُعرف خارج الحدود.
8- في ظل غياب الدعم، تراكمت الديون على بعض هذه المؤسسات، سواء ديون تشغيلية أو تكاليف طباعة أو خدمات، الأمر الذي أثقل عليها وأعاق حركتها حتى في الحدود الدنيا.
ممكنات الدعم:
1- رفع سقف الاشتراكات الحكومية إلى الحد اللائق بهدف الدعم المادي للمؤسسة واللائق بالانتشار للتسويق الإعلاني، واللائق برسالة الصحافة في نشر الثقافة وتعميق الوعي، كوسيلة جامعة ومُعبرة يناط بها ويُرجى منها خدمة الثقافة والارتقاء بالمعرفة والوعي، وكطرف مسؤول عن الأمن الفكري للمجتمع ومحصن لثقافته وثوابته، وكوسيط معرفي فاعل وأمين لوصل القارئ بما يدور حوله من حراك ومتغيّرات وأحداث.
2- الاستمرار في تقديم الدعم المالي الحكومي المباشر (منحة)، وفق هوية كل مؤسسة وتصنيفها بانتظام سنوي، بواقع: (300) ألف ريال لكل صحيفة يومية و(150) ألف ريال لكل مجلة أسبوعيّة ونصف شهرية وشهرية، و(50) ألف ريال لكل مجلة فصلية جامعة أو متخصصة، دون الإخلال بنسب الاشتراكات السنوية للمؤسسات الحكومية.
3- مساواة جميع المؤسسات الصحفية اليومية في حجم الاشتراكات والإعلانات الحكومية.
4- رفع سقف الاشتراكات الحكومية السنوية للمجلات الأسبوعية والنصف شهرية والشهرية إلى (3) آلاف نسخة من كل إصدار على الأقل وبشكل ثابت. حيث تُحرم هذه المطبوعات بحكم مواقيت صدورها من عوائد الإعلانات الحكوميّة اليومية.
5- تخصيص أراض سكنية تجارية بمساحات لا تقل عن (10) آلاف متر مربع، لكل مؤسسة صحفية في موقع صدورها، مع منحة مالية مجزية لتشييد مقرها وملاحقها الضرورية.
6- إخضاع جميع الاشتراكات والإعلانات الحكومية لإشراف وزارة الإعلام وجعلها من صميم مهامها واختصاصاتها، لضمان المساواة والعدل والفاعلية والتنظيم لهذا القطاع الهام وخلق مرجعية رسمية واحدة. حيث يُرجى من هذه الوزارة ومن هذا الوقت بالتحديد وبعد التخفيف عن كاهلها بمسؤوليات جسام كالإذاعة والتليفزيون، أن تعمل جاهدة على النهوض بقطاع الصحافة وتوليه الاهتمام الكافي بما يعبر عن طموح الشعب ويترجم توجهات القائد ويخدم دواعي التنمية الفكرية للدولة.
وبعد توفير هذا المناخ السوي وبُنى الدعم الضرورية لهذا القطاع الهام، لابد لجهة الاختصاص من وضع ضوابط لضمان إثمار هذا الدعم، بمتابعة تطور المؤسسة كمًا وكيفًا، وحجم التعمين، ومدى حضورها وتأثيرها لدى الرأي العام بداخل السلطنة وخارجها، ومنح الجوائز والمسابقات للمؤسسات الصحفية وتحفيز ومكافأة المتميزة منها، وتقديم المشورة لها.
قبل اللقاء: "فلنجعل من الوطن حزبا لا من الحزب وطنا، ولنجعل من الوطن فكرا لا من الفكر وطنا".
وبالشكر تدوم النعم،،