خالد الخوالدي
قديمًا قيل "المال السائب يعلم السرقة"، فالآن نشاهد ونسمع وتصيبنا الصدمة بسبب الواقع الذي يمر به بعض مواقعنا التراثية والتاريخية وعدم الاهتمام بالقيمة الأدبية والتاريخية للمُقتنيات والمواقع التراثية التي أصبح بعضها في خبر كان، بينما يتعرض بعضها للسرقة في جنح الليل وفي لحظات السكون والسكوت.
من يجوب عُمان التاريخ والحضارة يدرك أنّ تحت كل صخرةٍ وحجر من صخورها وأحجارها مُقتنيات أثرية تدل دلالة جلية وواضحة على عُمق حضارة وتاريخ هذا البلد، ومن المعروف بديهياً وعند كل العالم أنَّ المُقتنيات والمواقع التاريخية لا يُمكن تقديرها بثمن وأنها في الوقت الحاضر هي القيمة الاقتصادية التي يعتمد عليها عدد من الدول في تنشيط السياحة، فالسائح خاصة الأجنبي لا يهتم بالمباني العُمرانية الطويلة الارتفاع ولا بشكلها الخارجي، إنما يهتم بآنية فخارية تُعيده وتربطه ربما بتاريخه وتواصل هذا البلد مع العوالم القديمة ومكانة هذه الدولة قديماً وحديثًا.
ومن خلال هذا المنبر أقول إلى من يهمه الأمر كفى إهمالا.. كفى دعة.. كفى سكوتاً، فيكفي ما تم هدره سابقا للكثير مما تزخر به السلطنة، غير أن ما يتم إهداره بعمدٍ أو غير عمدٍ يعد جريمة بحق البلد والتاريخ والحضارة الإنسانية جمعاء، فمن يعرف منكم أعزائي القراء عن مسجد الناقة وقصته، ومسجد عمرو بن العاص الصحابي الجليل، ومن يدري عن النفق الذي يربط قلعة صحار التاريخية ومنطقة حوراء برغا ولمسافة 25 كيلومتراً.. هذه ثلاثة مواقع تاريخية بولاية صحار لو وجدت في موقع آخر من العالم الذي يقدر قيمة التاريخ ومكانته الاقتصادية في الوقت الحاضر لوجدنا أنها كفيلة بأن تدر الملايين من الريالات لخزينة الدولة، فنحن وجدنا في دول أخرى مواقع تاريخية عبارة عن أساطير لم يتم التَّأكد من حقيقتها والدخول لها يتم بدفع رسوم والداخلون يوميًا بالمئات إذا لم يكونوا بالآلاف.
إنّ المواقع التي أشرت إليها غيض من فيض ومثال على مواقع بالآلاف تكتشف يومياً ويأتي أهل المشرق والمغرب للسؤال عنها لأنّها وجدت في كتب الرحالة لديهم، بينما هذه المواقع وغيرها والتي هي كنز ثمين للسلطنة لم يُسلط عليها الضوء من قبل وسائل الإعلام ولم تجد الاهتمام من قبل المواطنين أولاً ولا من قبل المؤسسات المعنية، بل إنَّ بعضها اندثر وبعضها أصبح مأوى للحيوانات الضالة وبعضها يلفظ أنفاسه الأخيرة!
إننا نسمع يوميًا عن مقتنيات أثرية اكتشفت في موقع تجاري وتمَّ طمسها أو في منطقة جبلية ويتم بناء مصانع للرخام ومناجم فيها، دون مراعاة لقيمة هذه المقتنيات والمواقع التاريخية، وكما قلت سينتهي العمل التجاري بها يومًا ما ولكن لو تمّ الحفاظ على الموقع التراثي والتاريخي فإنّه سيكون نعم التجارة الرابحة وسيستفيد منه الجميع وليس التُّجار الجشعين فقط.
رسالتي إلى كل المُخلصين والغيورين في هذا البلد (أغيثوا تراثنا وحافظوا على تاريخنا) فلا يكفي الحديث عن تاريخنا العريق دون المحافظة على مكتسباته، فيجب أن نعمل على أن تكون لنا بصمتنا، ولعل أكبر بصمة يُمكن أن نقدمها للأجيال القادمة أن نُحافظ على كل المقتنيات الأثرية والمواقع التاريخية، فيكفي ما قام به البعض من استغلال تراث الأمة العُمانية في الكسب السريع ببيع مُقتنيات لا تُقدَّر بثمن أو اعتبارها ملكاً شخصياً، رغم أنها ملك لجميع العمانيين، حتى وإن وجدت في أرض أي مواطن، فالتاريخ لا يُباع ومن باعه فهو خائن لبلده وأمته ولن ترحمه الأجيال الحالية ولا القادمة.. دمتم ودامت عمان بخير.
Khalid1330@hotmail.com