فايزة سويلم الكلبانية
(سنُعلِّم أبناءنا ولو تحت ظل الشجرة)، شعارٌ رفعه قائد البلاد المُفدى جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظَّم – حفظه الله ورعاه - عندما انطلقت مسيرة النهضة العُمانية الحديثة، فقبل أربعة عقود كان عدد الطلبة 909 طلاب يذهبون إلى ثلاث مدارس فقط، وبزغ النور على عُمان وأهلها في 1970م، وتحقيقًا لرؤية جلالته الثاقبة ووعده الثمين، فقد بُذل جهد كبير خلال العقود الأربعة من عمر النهضة العُمانية الحديثة لنشر مظلة التعليم في سلطنة عُمان وتطويره، ومع نهاية القرن العشرين استعدت سلطنة عُمان لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين برؤية اقتصادية (عُمان 2020م) وضعت في عام 1995م، وبتطوير تربوي شامل للنظام التعليمي (نظام التعليم الأساسي وما بعد الأساسي) من أجل إعداد الطلبة للحياة والعمل في القرن الحادي والعشرين. وبالطبع تختلف اليوم سياسات التَّعليم العالي في السلطنة، والإستراتيجيات والخطط الخمسية وفقًا لمُتغيرات سوق العمل، ولكن لضمان نجاح هذه السياسات لابد من انسجام المُخرجات من مؤسسات التعليم العالي مع التخصصات التي يحتاجها السوق، والعمل على استيعاب هذه المخرجات وتوفير فرص العمل لهم، ويعتبر التعليم أحد الحلول التي ستُساهم في عملية التنويع الاقتصادي في ظل تراجع أسعار النفط، والبحث عن بدائل له.
****
ومن هنا لا يختلف اثنان على أنّ أهمية "التعليم" مع تعاقب الأجيال، حيث تكرس جميع الدول كل طاقتها من أجل توفير تعليم أفضل لأبناء شعبها، ولا عجب عندما نسمع ابتداء بمراحل التعليم المدرسي ثم الجامعي وما بعد الجامعي، إلى ما يتم توفيره من فرص تدريب بمعاهد التدريب المهني أو أيّ صرح علمي آخر، ومن هذا المنطلق قدّم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- رؤيته لما ينبغي أن يكون عليه المنهج العماني التربوي في خطابه بمناسبة العيد الوطني السابع (18 نوفمبر 1977)، حيث قال: (أعلنت لكم عن عزمي على إتاحة الفرصة أمام شبابنا ليس فقط لاستيعاب المناهج الدراسية، وإنما أيضاً لاستيعاب حضارة بلادنا وتراثها التاريخي العظيم، وبعد دراسة دقيقة وصلنا الآن إلى مرحلة إعداد منهاج دراسي لا يتطابق مع المستويات الدراسية العالمية فحسب، بل يتضمن أيضاً فحوى هذا التراث الوطني العريق، فالتعليمُ يجب ألا يبقى وسيلة لتثقيف الفرد فقط، بل يجب أن يعنى أيضاً بتكوين شخصيته حتى تلعب عُمان دوراً مهماً في الشؤون العالمية، ذلك أنَّ التأثير المتزايد لحضارة ومدنية القرن العشرين على جوانب الحياة في بلادنا يجب أن يبدو جلياً وواضحاً لكل واحدٍ منِّا، فالكثير من هذه المؤثرات جلب نعمة الصحة والحياة الأفضل لشعبنا، وإنه من الأهمية بمكان بالإضافة إلى المحافظة على القيم الدينية والخلقية العناية أيضاً بالصحة الجسدية والوقاية من الأمراض).
****
( تأهيل وتدريب الموارد البشرية) أحد أهم التحديات التي تواجه جميع القطاعات وليس التعليم فقط، ولابد من تكثيف تأهيل وتدريب الموارد البشرية مواكبة للعمران والمنشآت القائمة لرفدها بموظفين عمانيين ذوي خبرات وكفاءات للإنخراط في سوق العمل، ولاسيما وأنّ آليات وأسس التعليم اليوم قد تغيرت بتغير احتياجات السوق، ولذا ركز النظام التعليمي على تزويد الطلبة بالمهارات اللغوية والعلمية والتكنولوجية، الضرورية للالتحاق بسوق العمل، بالإضافة إلى تقديم توجيه وظيفي يُساعد الطلبة معرفة ميولهم المهنية منذ فترة مُبكرة، وفي سبيل تحقيق هذه الغايات طورت مناهج اللغة الإنجليزية والعلوم والرياضيات، وغير ذلك من المتغيرات التي لابد وأن يواكبها تأهيل لمهارات المعلمين أولاً والطلبة ثانياً. وجاء في بيان معالي الدكتورة راوية بنت سعود البوسعيدية وزيرة التعليم العالي، وذلك في الجلسة الاعتيادية الرابعة لدور الانعقاد السنوي الثاني (2016-2017م) من الفترة الثامنة (2015/2019م) إشارة إلى نتائج مسوح خريجي التعليم العالي التي أوضحت أنّ مخرجات التعليم العالي تُعاني من عجز في عدد من المهارات منها مهارات التواصل بنسبة (%31) والإبداع بنسبة (%37) والقدرة على حل المشكلات بنسبة (%38) ، إلى جانب عامل امتلاك الخريجين لمهارات القرن الـ 21.
****
( التربية والتعليم والاقتصاد) رؤى وإستراتيجيات استشرافية واعدة لمستقبل البلاد الاقتصادي، ولذا فإنّ العلاقة بين هذه المجالات علاقة مترابطة وتكاملية، فاليوم لو نظرنا لأنفسنا ونحن نخوض غمار البحث عن وظيفة وفرصة عمل، إلى جانب ما يوجد لدى البعض من خبرات عملية اكتسبها من الميدان، إلا أنها أحياناً لا تنفعه إذا ما قارنا أيهم الأقوى (الخبرات العملية) أم الشهادات (المؤهل العلمي)، فنجد أنّ الكلام المتداول يعترف بأهمية وجود خبرات عملية لدى الموظف، ولكن حقيقة الواقع بأن الشهادة ( المؤهل العلمي) أكثر أماناً ومعيارية للتنافس، لاسيما مع توحيد الرواتب في المؤسسات الحكومية، وذلك اعتماداً على المؤهلات العلمية وما يملكه الشخص من خبرات، ولا أحد يعير اهتمامًا لخبراتك، ولا أبالغ إن قلت (يضرب بها عرض الحائط)، فمن هنا لابد وأن يحرص الجميع على أن يتسلح بسلاح العلم، ويصب تركيزه على (شهادة) تؤهله لأفضل عرض وظيفي مستقبلاً. كما أن اعتبار التوجيه المهني عنصراً أساسيًا في برنامج التعليم ما بعد الأساسي وتخصيص مُعلمين وحصص دراسية لذلك يهدف إلى تنمية قدرة الطلبة على تحديد خياراتهم العملية المستقبلية مع نهاية الصف الثاني عشر.