الجرائم الإلكترونية

 

 

عبيدلي العبيدلي

تناقلت وسائل الإعلام العربية والدولية تقارير تفيد بارتفاع معدلات انتشار الجرائم الإلكترونية في المغرب العربي، وخاصة تلك التي تُركز على الابتزاز من أجل نيل هدف ما من شخص أو مجموعة معينة، مادياً كان ذلك الهدف أم معنوياً.  وليست هذه هي المرة الأولى التي تشهد المغرب تنامي مثل هذه الظاهرة. ففي شهر أكتوبر 2016، عندما كانت المغرب على أبواب الانتخابات البرلمانية، اشتدت "الحملات الانتخابية بين الأحزاب المتنافسة، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي. (ووجدنا) الأحزاب الكبرى تتبادل الاتهامات بالتشهير والمنافسة غير الشريفة. كل يحاول استمالة الناخب عبر وسائط إعلامية متعددة، القاسم المشترك فيها استعمالها لآخر تكنولوجيا الإنترنت"، حتى إن اقتضى الأمر اللجوء إلى التشهير غير اللائق عبر تلك الوسائط.

ليست المغرب حالة استثنائية، فكما يبدو هناك تنام ملحوظ في معدلات ارتكاب الجرائم الإلكترونية، على المستويين العربي والدولي، يرافقها حملات متصاعدة من أجل مكافحة هذا النوع من الجرائم الذي انتشر مع انتشار الإنترنت ووصولها إلى كل منزل تقريباً.

فحسب تقارير صادرة عن إحصاءات "شبكة كاسبرسكي لأمن المعلومات" التي صدرت عن الربع الأول لعام 2016، " ارتفع إجمالي عدد حالات الاختراق الإلكتروني المكتشفة من قبل منتجات (كاسبرسكي لاب) في الشرق الأوسط بنسبة 15 بالمئة عما كانت عليه في الفترة ذاتها عام 2015. على سبيل المثال، شهدت هجمات الفدية الخبيثة التي تمكنت برامج كاسبرسكي لاب من اكتشافها ومنعها في الشرق الأوسط ارتفاعاً بنسبة 67 بالمئة".

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنَّ "المؤسسات المالية ومؤسسات التجارة الإلكترونية والاتصالات والمؤسسات الحكومية تأتي في طليعة المؤسسات التي تُستهدف من قبل القراصنة الإلكترونيين على مستوى المنطقة والعالم، وإلى جانب الأعداد المتزايدة للهجمات المتكررة تقوم كاسبرسكي لاب كل يوم باكتشاف ومنع نحو 310 آلاف ملف خبيث جديد بشكل تلقائي، وهناك أيضاً تحدي الهجمات المعقدة والموجهة، والتي من الممكن أن يكون لها تداعيات خطيرة على النّاس إذا ما نجحت في تسجيل اختراق ما لإحدى برامج المؤسسة أو الشركة التي تعمل في قطاع ما، في الوقت الذي تعد فيه الشركات الصغيرة هدفاً رئيسياً للبرمجيات الخبيثة واسعة الانتشار مثل  (CryptoLockers)".

ويتكبد ضحايا هذا النوع من الجرائم خسائر فادحة، أشارت إلى بعضها "مجلة لوس أنجلوس تايمز في عددها الصادر في 22 مارس عام 2000 (حيث بلغت) خسارة الشركات الأمريكية وحدها من جراء الممارسات التي تتعرض لها والتي تندرج تحت بند الجريمة الإلكترونية حوالي 10 مليارات دولار سنوياً وللتأكيد على جانب قد تغفله الكثير من مؤسسات الأعمال فإنّ نسبة 62 % من تلك الجرائم تحدث من خارج المؤسسة وعن طريق شبكة الإنترنت بينما تشكل النسبة الباقية 38% من تلك الخسائر من ممارسات تحدث من داخل المؤسسة ذاتها ".

ووفقاً لتقرير صدر مؤخرًا عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) تكلف "جرائم الإنترنت الاقتصاد العالمي نحو 445 مليار دولار سنويا، مضيفاً أن التقديرات تشير إلى إمكانية بلوغ حد أقصى للخسائر عالمياً بما قدره 575 مليار دولار".

وعلى المستوى الخليجي، تشير التقديرات الأولية إلى أن "الجرائم الإلكترونية قد تتسبب بخسارة دول مجلس التعاون الخليجي بين 2.07 مليار و2.68 مليار درهم، أي ما يعادل بين 550 مليون و735 مليون دولار أميركي سنويا. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام نظراً لتزايد استخدام الإنترنت على نطاق واسع للتواصل وعقد المعاملات والصفقات التجارية من قبل كل من الأفراد والمؤسسات على حد سواء".

لكن ما هو أخطر من الخسائر المادية المُباشرة، هو التدمير غير المُباشر لحركة التطوير والإبداع، وهو ما أشار له الخبير في مركز "سي إس آي إس" جيم لويس، حين أكد محذرا من "أن الجريمة الإلكترونية تبطئ وتيرة الابتكار العالمي من خلال تقليل معدل عائدات المبدعين والمستثمرين، مشيراً إلى الآثار الخطيرة لهذه الآفة على العمالة في الدول المتقدمة"

وتُحدد الكاتبة ميساء العمودي تسعة أنواع من أشكال الجريمة الإلكترونية " سرقة المال المعلوماتي، الدخول على المواقع المحجوبة باستخدام البروكسي، جرائم الاختراق،  المواقع المعادية التي تقوم على استغلال التكنولوجيا لخدمة الأغراض الشخصية السياسية والدينية  جرائم القرصنة، جرائم التجسس الإلكتروني والإرهاب الإلكتروني".

وما تجدر الإشارة له هنا أن الجرائم الإلكترونية، شأنها شأن الجرائم الأخرى، "لا تقتصر على أفراد أو مجموعات وإنما قد تمتد إلى مستوى الدول لتشمل التجسس الإلكتروني وأبرز أمثلته ما كشفته تسريبات المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني الأميركي إدوارد سنودن، الذي كشف مخططات أمريكية عديدة للتجسس ليس على الأفراد فحسب بل على اتصالات دول أخرى والسرقة المالية وغيرها من الجرائم العابرة للحدود."

وفي السياق ذاته، وكما نشاهد في الجرائم العادية، تقف وراء ارتكاب الجرائم الإلكترونية العديد من الأسباب فمنها "ما يقع على مستوى كوني، ومنها ما يقع على مستوى مجتمعي، ومنها ما يقع على مستوى فردي أو شخصي. كما أنّ أسباب الجريمة الإلكترونية تتفاوت وفق نوعها ونوع المستهدف ونوع الجاني ومستوى تنفيذه (فردي، مجتمعي، كوني)".  

ومن العقبات الرئيسة التي تقف في وجه "بلورة نظام إثبات متكامل في مجال الجريمة الإلكترونية، هي ضعف التصريح بهذا النوع من الجرائم، فحسب دراسة صادرة عن الأمم المتحدة فإنّ حوالي 80 % من الجرائم الإلكترونية لا يتم التصريح بها من طرف القطاع الخاص، وهي النسبة التي عزاها التقرير إلى مجموعة من العوامل منها ضعف التحسيس بمخاطر هذا النوع من الجرائم و أو الجهل بطرق التبليغ عنها".