سوريا ومآلات الصراع

 

 

لا تزال الأوضاع في سوريا تَتَهاوى نَحْو هُوَّة سحيقة من العنف والاقتتال، في ظلِّ غياب حلٍّ سياسيٍّ واسع يَضْمَن احتواء جميع الأطراف، بَيْد أنَّ المواطن السوري هو الذي يتكبَّد الخسائر الفاجعة واحدة تلو الأخرى.

ويُمكن القول إنَّ حلب تُمثل حاليا أيقونة الصراع الأسوأ في البلاد؛ فالقصف الجوي يتزايد على المعارضة المسلحة، والتي بدورها تردُّ بمواجهات مُتواصلة على الأرض، دون أي بادرة من كلا الطرفين حتى تضع الحرب أوزارها. المتتبِّع لما تبثُّه وكالات الأنباء ومحطات التلفزة عن الأوضاع في حلب، يُدرك أنَّها على وشك التحول إلى مدينة أشباح؛ فالأبنية مهترئة تصدَّعت في أغلبها جرَّاء القصف الجوي، ويُخيِّم الظلام عليها عندما يحلُّ الليل بوحشته؛ فالخدمات تكاد تكون مُنعدمة، وباتتْ المعيشة الإنسانية شبه مُستحيلة في ظلِّ هذا الحطام المادي والنفسي.

المفاوضات التي تُجريها المعارضة في تركيا مع أطراف دولية، وتحت مظلة أممية، لا يبدو أنها ستصل إلى نهاية النفق المظلم، بل إنَّها تتجه نحو مزيدٍ من الأنفاق العميقة التي تؤجِّج الأزمة وتُشعل مزيدا من الصراعات والاقتتال. وفي المقابل، تتضارب التصريحات الروسية بشأن المواجهات والعمليات في شرق حلب، بينما تعبر الأمم المتحدة عن بالغ قلقها من أن تشهد المدينة المنهكة بالفعل "حربا مروعة"، ربما ستكون أشد فتكا من معارك ضارية شهدتها دول شرق أوروبا في فترات سابقة.

مآلات هذا الصراع الدموي لن يستطيع فصيل بمفرده أن يحُوْل دون وقوعها، ما لم تتكاتف أطياف المعارضة والنظام في سوريا، علاوة على الأطراف الدولية النافذة في المشهد السوري، وفي مقدمتهم تركيا وروسيا وأمريكا وعدد من الدول الإقليمية.

النتائج المتمخِّضة عن هذه المعارك الشرسة ستُفضي بكل تأكيد إلى إشعال معارك أخرى، لن تقل في دمويتها عن سابقاتها، بل ستدفع البلاد إلى مزيدٍ من الانغماس في دوامة العنف المتبادل، وسقوط أرواح بريئة دون جريرة، سوى أنها تعيش في هذه البقعة الملتهبة من الأرض.

إنَّ صَمْت المجتمع الدولي، وتباطؤه، لدليل إدانة على مَوْت الضمير لدى الفاعلين في المشهد السوري -نظاما كان أو معارضة- فلا مجال الآن للحديث عن الأسباب والدوافع لكل طرف، بل الحديث ينبغي أن يتمحوَر حول متى يُمكن وقف شلال الدم المنهمر في سوريا الجريحة؟!

تعليق عبر الفيس بوك