صفاء الهاشم.. من ظاهرة خلافية إلى دعوة توحيدية

 

 

عبيدلي العبيدلي

صَفَاء الهاشم من أكثر الظواهر اللافتة للنظر في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2016، وهو ما يجعل من الصعب تناولها بشكل تقليدي كما يجري عند الكتابة عن ظاهرة من مستواها.. فالمتعارف عليه عند مُعالجة ظاهرة مثل صفاء الهاشم العودة إلى سيرتها الذاتية، وتتتبع مداخلاتها النارية مع، ليس أفراد الجهاز التنفيذي فحسب، بل حتى مع زملائها من أعضاء مجلس الأمة.

إنْ كان مِنْ وَصْف يُمكن أن يُحدِّد السمة الرئيسية لشخصية صفاء؛ فهي أنها أكثر نائب كويتي -وربما عربي- يثير مزيدًا من التحليل الخلافي؛ بالمعنى الإيجابي لكلمة "خلافي"، في انتخابات 2016 الكويتية؛ فوصولها إلى المجلس يعني أنَّ هناك تقديرا للمرأة في صفوف من يحق لهم الانتخاب من الكويتيين. ومن ثمَّ فهم بشكل غير مُباشر يردون على من لم يكف عن محاربة المرأة، ويصر على تجريدها من حقها في ممارسة حقوقها السياسية، دون الاستعانة بالدعم الحكومي، وبعيدا عن سياسات التجميل التي تُعاني منها بعض البرلمانات العربية، التي يصبح وصول المرأة إلى مقاعد برلماناتها هدفاً في حد ذاته بعيدا عن ضمان تحمل المرأة مسؤوليتها التشريعية التاريخية. لكن بالمقابل كَوْن صفاء العنصر النسائي الوحيد الذي وصل إلى كرسي تحت قبة البرلمان، يكشف بوضوح أنَّ الحضور السياسي يؤكد أن مستوى تغلغل المرأة الكويتية في الحياة السياسية لا يزال ضحلا. وهذا بدوره يضع صفاء في دائرة نقاش خلافي يدور حول واقع المرأة الكويتية السياسي.

النقطة الخلافية الثانية التي يُثيرها نجاح صفاء هو أنَّها لم تحقق ما حققته بفضل دفاعها عن المرأة، أو لكون برنامجها الانتخابي متمحورًا حول المرأة الكويتية وحقوقها، بل تجاوز كل ذلك كي يشمل معالجة الواقع الكويتي برُمَّته، بما يحمله من اتهامات تمس جوهر عمل وأداء السلطة التنفيذية. هنا تُثير صفاء مسألة خلافية لا تُعتبر هي المسؤولة عن إثارتها، وهي: هل وصولها إلى البرلمان مرهون بكونها سيدة متفتحة وجريئة، أم أنَّ ذلك تحقق كونها نصيرة المرأة؟

أمَّا النقطة الخلافية الثالثة، فهي إقدام الحكومة على تجريدها من حقها في الترشح، لكن محكمة "التمييز" أعادتْ الهاشم لانتخابات مجلس الأمة 2016 يوم الخميس الماضي بعد استبعادها، وهو ما قالت عنه صفاء "إنَّ عدالة القضاء أعادتها إلى الانتخابات بقوة القانون. وأكدت أنها ستكون داعمة أساسية لاستقلالية القضاء بالشروط التي وضعها الجسد القضائي وداعمة لهم لقانونهم الذي يضمن لهم استقلاليتهم الادارية والمالية". ومن ثمَّ، فهناك من يرى أن الحكومة -أو بعض أجنحتها- إنما أرادت بهذه "الحركة" أن تضمن نجاح صفاء من خلال تصعيد صدامها السياسي. وربما ينقلنا ذلك إلى ما يعرف بـ"نظرية المؤامرة"، مقابل من يذهب إلى اعتبار "التجريد" و"العودة" جزءًا أصيلا من المعركة التي تدور رحاها بين صفاء والمؤسسة الحاكمة في الكويت.

وينقلنا ذلك إلى النقطة الخلافية الرابعة التي يُثيرها النجاح الكاسح الذي حقَّقته صفاء، وهي برنامجها الذي ستعمل على تنفيذه من تحت قبة البرلمان، والقضايا التي ستكون على رأس جدول أعمالها، وهل ستواصل مداخلاتها النارية التي أعادت إلى الأذهان تلك الحوارات الساخنة التي أثارها بعض أعضاء الأمة الكويتي في الستينيات، وكان محورها النفط والسيطرة عليه وتحريره من براثن الاحتكارات الأجنبية المسنودة بحكوماتها الاستعمارية.

البعض يعتقد -وهنا تبرز النقطة الخلافية- أنَّ السلطة الكويتية ستعمل جهدها على "تدجين الخطاب الهاشمي (نسبة إلى صفاء الهاشمي)"؛ من خلال بعض الضغوط المصحوبة ببعض الطرق الملتوية والتحذيرات المبطنة. مُقابل ذلك هناك من يرى أن "الظاهرة الهاشمية" أصيلة المعدن، ومن الصعوبة بمكان تغيير جوهرها، مهما كانت الإغراءات، وما يصاحبها من ضغوطات. ويذهبون -فيما يصل إلى الثقة المطلقة- إلى أنَّ سقف مداخلات صفاء لن يعتريه أي هبوط.

وبعيداً عن تلك النقاط الخلافية، ينبغي التأكيد هنا على قضية في غاية الأهمية، وهي أنَّ ما قامت به صفاء من مداخلات في حياتها النيابية الماضية شكَّل سابقة تاريخية ليست في سجل العمل النسائي السياسي الكويتي فحسب، وإنما في تاريخ العمل البرلماني بشكل عام أيضا، ومن ثمَّ فإن أمام صفاء مجموعة من التحديات التي يمكن رصد الأهم منها في النقاط التالية:

- قُدرتها على تحويل سقف مطالبها من مُجرد مُداخلات فردية معزولة تثير الحماس والتأييد، لتصل -من خلال نسجها لتحالفات داخل المجلس، بل وحتى خارجه- إلى مشروع برنامج وطني قابل للتنفيذ، وينقل الكويت خطوة للأمام تعينها على الخروج من بعض مآزقها السياسية الراهنة.

- نجاحها في تكريس تجربتها الانتخابية والبرلمانية، على حدٍّ سواء، كنموذج يُحتذى به، ليس في الكويت فحسب، بل في بعض البلدان العربية الأخرى التي تعيش تجارب برلمانية مشابهة، ومن ثمَّ نجد أنفسنا أمام ما يمكن أن نطلق عليه "المدرسة الهاشمية".

- فتح قنوات خلفية مع السلطة التنفيذية تتمكَّن من خلالها الوصول إلى حلول وسط، والدخول في مساومات لا تكون على حساب مشروعها الإصلاحي، لكنها تحول دون الوصول إلى طريق مسدود يؤدي إلى حل مجلس الأمة أو تعطيل أعماله.

طريق  صفاء الشهاب طويلة ووعرة ومملوءة بالمطبات، وتعتريها الالتواءات، لكنها وضعت أقدامها بثبات على الطريق الصحيحة، وليس هناك ممن يتمنى الخير للكويت من لا يطلب النجاح لهذه المرشحة الجريئة. وخير الكويت ونجاح صفاء هما مسألتان يتفق عليهما الكويتيون المخلصون، ومن ثمَّ تتحول صفاء هنا من ظاهرة خلافية إلى دعوة توحيدية.