علي بن مسعود المعشني
مفهوم الأصآلة والمعاصرة
هناك الكثير من اللبس الذي يحدث في هاذين المصطلحين فالبعض يعتقد أنَّ الأصالة هي لفظ معاكس للمعاصرة، ومن هنا يقع الكثير من الباحثين في علم الاجتماع والمؤرخين في خطأ سواء عمدًا كان أم غير ذلك حين يقرون بأن الأصالة تعني القوالب الجامدة لأبنية المجتمع سواء فكرياً أو حركياً ودون أن تمتد إليها يد التطوير تبديلاً أو تعديلاً، لأنها في الأصل جذور تتسم بالثبات والجمود ونشأت من بطن التاريخ وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل ومن ثم فهي تعد نقلاً جامداً.
ونتيجة لهذا اللبس أو الخطأ فقد تعددت وتنوعت المفاهيم التي حاول راصدوها توضيح المعنى السليم والواضح للأصالة، فتعني لفظة الأصالة "الابتكار والتميز، فالأصالة في الرأي: جودته، وفي الأسلوب ابتكاره وفي النسب عراقته، فالأصالة تعني القدرة على الإبداع والابتكار في إنتاج أدوات أو مخترعات أو أي أعمال فنية وأدبية، وبعبارة أخرى هي امتياز الشيء أو الشخص على غيره بصفات جديدة صادرة عنه.
أما ابن خلدون فيرى "أنّ لكل مجتمع سمات خاصة به تفرقه عن غيره وفقًا لظروفه التاريخية والمناخية حتى إن للهواء أثرا على ألوان البشر وأخلاقهم والكثير من أحوالهم وهو بهذا يرمي إلى التميز الذي يعبر عنه علماء الاجتماع بالشخصية القومية" "ويقترب من لفظ الأصالة بل ويتطابق معها لفظ التراث فهو لغة ما يخلفه الرجل لورثته وقد ورد في القرآن الكريم للدلالة على الميراث الديني الثقافي كما ورد في دعاء زكريا عليه السلام" .
أما المعاصرة، فهي كلمة نابعة في الوقت ذاته من كلمة الأصالة، وعمومًا فلا ينبغي لنا أن تحمل كلمة الأصالة جمودا لم تبن عليه بقدر اعتمادها بشكل أساسي على التطوير الذي يساير متطلبات العصر في اتساق مع المنهج الإسلامي والعقيدة الغراء، ويتعايش مع أعراف وتقاليد الأجداد والسلف، ولهذا كانت المعاصرة نابعة من الأصالة .
ومن هنا يتم تعريف المعاصرة بأنّها "لفظة تعني مواكبة العصر ومعايشته فلكل عصر عصريته، والحداثة أو العصرية تعني فيما تعني عملية التغيير التي بمقتضاها تحصل المجتمعات المختلفة على الصفات المشتركة التي تتميز بها المجتمعات المتقدمة والعصرية تطلق على المجتمع إذا اتصف بها وتعني مجموعة الخصائص البنائية التي تميز المجتمع العصري عن المُجتمع التقليدي. أما بالنسبة للفرد فإنّها تعني مجموعة الاتجاهات والقيم وأساليب التفكير التي تتطلبها المشاركة الفعالة في مجتمع عصري. (م.فرسان الثقافة)
من التعريفين أعلاه يتبين للقارئ الكريم وبجلاء شديد حجم الضبابية واللغط اللذين أحاطا بفهمنا للأصالة والمعاصرة وبالنتيجة فشلنا في تطبيق ذلك الفهم على أرض الواقع بالصورة الإيجابية التي كنّا ومازلنا نطمح ونسعى للوصول لها.
وهذا شبيه إلى حد التطابق بفهمنا وتعريفنا للصراع بين الموروث والنص المٌقدس، في تاريخنا العربي الإسلامي، فالموروث هو اجتهاد بشري أضفيت عليه الشرعية والقداسة لأسباب سياسية أو تجارية، بينما النص المٌقدس هو وحي رباني يُعالج الحاضر وينفتح على المستقبل كما هو حال روح الإسلام وفلسفته وعمق مقاصده.
لهذا بقينا نراوح مكاننا حين تمسكنا بالموروث وامتثلنا له، وأهملنا فهم النص المقدس والعمل به. رغم أن الموروث وفي أفضل حالات التنزيه وحسن النية ماهو إلا اجتهادات أقوام واستجابتهم لظروف زمانهم وحاجاتهم والتي تختلف جملة وتفصيلًا عن ظروفنا وحاجاتنا اليوم.
فأغلبنا يعلم أنّ الإسلام يٌنكر الكهنوتية والوصاية على العقل الرشيد، وفوق هذا مازلنا نرى اليوم من غيب عقله ورهنه لاجتهادات عالم أو شيخ أو داعية وأطلق عليهم رجال دين وهو مصطلح كنسي يعارض مصطلح علماء الدين في الإسلام .
وأغلبنا يعلم بأنّ هناك أحاديث كثيرة وضعت لخدمة عرش أو لتغطية مثالب وأدران، أو لتوظيف تجاري صرف كمن يعتبر زيارات الأماكن المقدسة تجارة رابحة فيجيش العلماء والأحاديث لدغدغة مشاعر وعواطف الدهماء وذوي العقول الضعيفة ليدر المال، ولهذا الموضوع أحاديث تطول كثيرًا .
وللحديث بقية...