الساحر "ركب حصان خياله".. ورحل

 

 

 

الرؤية – خالد الدخيل

 

ركب الساحر حصان خياله.. ورحل..

كان الشيخ حسني الضرير يغني من كلمات سيد حجاب وألحان سيد مكاوي.. يحرض جمهوره على ركوب حصان خيالهم والرحيل بعيدا: (يالا بينا تعالوا.. نسيب اليوم بحاله.. وكل واحد مننا يركب حصان خياله)..

بكل أسف لم يكن خبر رحيله هذه المرة شائعة، بل حقيقة صدمت ملايين من جمهوره في أرجاء الوطن العربي، فقد أطلقت عدة شائعات برحيله طوال الأسابيع الماضية التي كان يصارع خلالها المرض في إحدى مستشفيات القاهرة، وبالدموع ودعت السينما المصرية واحداً من أهم نجومها طوال تاريخها، هو "الساحر" الفنان الكبير محمود عبد العزيز الذي رحل عن عمر يناهز 70 عاماً بعد وفاته في أحد مستشفيات القاهرة، وقد حمل لقب "الساحر" بعد بطولته لفيلم حمل نفس الاسم من إخراج الراحل رضوان الكاشف، ولأنّ رحيله جاء قبل أيام قليلة من بدء فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فقد قررت إدارة المهرجان إهداء الدورة الـ 38 التي افتتحت أمس للفنان الكبير، والذي حصل من قبل على جائزة أفضل ممثل في الدورة الثالثة والعشرين عام 1998 عن دوره في فيلم "سوق المتعة"، كما كرّمه المهرجان في دورته الثلاثين عام 2006.

ويعد الساحر واحداً من أهم الفنانين أصحاب الموهبة الكبيرة الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ السينما العربية وكذلك التلفزيون، حيث قدّم عددا كبيرا من الأدوار الهامة والمؤثرة التي تعلق بها الجمهور، وأشاد بها النقاد، ونجح تماماً في تقديم أنواع مختلفة من الأداء الدرامي سواء الكوميديا أو التراجيديا، وعمل مع أهم وأكبر المخرجين والمؤلفين في مصر والعالم العربي.

ومن السينما إلى التلفزيون.. حيث استقر الساحر في قلوب وذاكرة الملايين بدوره الهام والمؤثر في مسلسل رأفت الهجان (1987) والذي كان الأبرز والأهم خلال مسيرته الفنية وجسد فيه على مدى ثلاثة أجزاء قصة الجاسوس المصري في قلب إسرائيل، وأصبح المسلسل أيقونة للأعمال التي تتناول الجاسوسية، ولم تفلح المسلسلات اللاحقة في هذا المجال في إحداث الأثر ذاته.

محمود عبد العزيز من مواليد 4 يونيو 1946 في الإسكندرية، وتخرج من كلية الزراعة، وظهر لأول مرة في مسلسل الدوامة في أوائل السبعينيات، ثم شارك في فيلم الحفيد عام 1974، وبعدها توالت بطولاته السينمائية، ورغم أنّ بداياته اعتمدت على وسامته، وخلال السنوات الست الأولى – فقط- من عمره الفني لعب دور البطولة المطلقة في 25 فيلمًا ارتبطت مواضيعها بالشباب والرومانسية والحب والمغامرات، إلا أنّه تخلى عن هذه المكانة التي يتمناها الكثير من النجوم وقرر أن ينطلق إلى فضاء أرحب وأكثر استيعاباً لموهبته..

كانت النقلة على يد المخرج الكبير الراحل عاطف الطيب أحد رواد سينما الواقع في الوطن العربي، في دور ثان في فيلم "البريء" الذي كان من بطولة النجم أحمد زكي، وقدم فيه دور العقيد توفيق شركس قائد السجن الذي يعيش حياة مزدوجة بين ممارسة أبشع أنواع التعذيب كوحش بشري في السجن، والتعامل برقة ولطف خارج أسوار السجن.

ضبط الساحر بوصلته على مخرجين كبار قدم معهم أهم أعماله وأعمالهم، وعلى رأسهم المخرج الكبير داود عبد السيد الذي كان يصنع أول أفلامه (الصعاليك) وتشارك فيه عبد العزيز البطولة مع النجم الراحل نور الشريف، وكان الفيلم بداية واعدة لتاريخ سينمائي جديد.

وبين علامات فارقة في السينما العربية مثل العار والكيف وجري الوحوش (علي عبد الخالق) وسيداتي آنساتي وسمك لبن تمر هندي والسادة الرجال (رأفت الميهي)...

يقف "الشيخ حسني" وحده في مكانة أخرى تضع الساحر ضمن نجوم السينما العالميين بأداء مذهل وقدرة كبيرة على التأثير في المشاهد، والفيلم حمل كل الأسباب التي أودعته في خزانة الجواهر السينمائية الغالية جداً، فالرواية من تأليف الأديب الكبير ابراهيم أصلان، والإخراج لداود عبد السيد والبطولة لمحمود عبد العزيز، الشيخ حسني الضرير الذي "ركب حصان خياله" وقاد المشاهدين المبصرين لنور الفن وبهائه.

ومن بين أفلامه الثلاثة التي قدمها المخرج المميز الراحل رضوان الكاشف يعد فيلم "الساحر" أهمها على الإطلاق، رضوان استهل حياته السينمائية القصيرة بفيلم "ليه يا بنفسج" ثم فيلم "عرق البلح" وتوج تاريخه بـ"الساحر" الذي قدم فيه عبد العزيز دور منصور صانع البهجة.. بأحزانه التي لا حدود لها يخبئها في أعماقه بينما هو يقيم عالما من السعادة والفرح على جسور الفهلوة والكذب راسما الضحكة في قلوب كل من حوله.

كان آخر وأهم محطاته السينمائية (عبد الملك زرزور) هذا الدور والأداء العبقري الذي لا ينسى في فيلم إبراهيم الأبيض (إخراج مروان حامد- تأليف عباس أبو الحسن) حيث الأداء المذهل للشخصية التي علقت بأذهان المشاهدين ولن تبرحها، حتى أنّ الجمل التي كان ينطق بها على لسان الشخصية صارت شعارات تردد على الألسنة في الأعمال الفنية وفي الحياة اليومية للناس، كان مبعث دهشة النقاد قبل الجمهور هو هذه القدرة الفذة لدى الفنان الكبير الراحل في تقديم شخصية بهذه الصعوبة والارتباك، تجمع بين القسوة المفرطة والضعف الشديد.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك