عبيدلي العبيدلي
شئنا نحن العرب أم أبينا، امتعضنا أم أبدينا استياءنا، لم يعد لأية رد فعل عشوائية من جدوى. فقد قالت الأغلبية الأمريكية رأيها وأوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. حتى هيلاري كلينتون لم تجد أمامها خيارا آخر سوى الاعتراف بأنّ ترامب "أصبح الآن رئيس الولايات المتحدة المنتخب"، ولحق بها الرئيس الديمقراطي براك أوباما فهو الآخر، اتصل كي يهنئ ترامب بالنجاح ويطلب منه لقاءه في البيت الأبيض كي يتسنى له نقل السلطة بشكل سلس. وفي ضوء كل ذلك لم يعد أمام العرب سوى القبول بهذه الحقيقة، مهما بلغت مرارتها وقسوتها كي نتصرف على أساس نتائجها وإفرازاتها.
في البدء لا بد لنا من أن نرى أن وصول ترامب إلى سدة الرئاسة يعكس بشكل أو بآخر مزاج النسبة الغالبة من أصوات الناخب الأمريكي، رغم انحياز "آلة" الإعلام الأمريكية لصالح منافسته الديمقراطية كلينتون. والأمر ذاته ينطبق على مؤسسات مسوحات الرأي العام التي كانت، حتى أيام قليلة قبل قول صناديق الاقتراع كلمتها، تؤكد احتمالات نجاح كلينتون على حساب ترامب.
يلي ذلك، ربما تكون النتائج في مصلحة العرب وليست، كما تروج لها وسائل الإعلام العربية ضدهم. فقد تكون صراحة الجمهوريين أفضل بكثير من مراوغة الديمقراطيين. وفي سلوك الديمقراطي أوباما خير دليل على ذلك. ألم يستقبل العرب نجاحه بالتهليل والتفاؤل، خاصة بعد خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة؟ لكن السياسة الأمريكية تجاه القضايا العربية، بما فيها القضية الفلسطينية لم تكن أفضل من سياسة بوش الأب ومن بعده الابن. فصراحة الديمقراطيين الأمريكان من القضايا العربية، رغم رعونتها، لكنها في نهاية الأمر مباشرة وواضحة وبعيدة كل البعد عن مراوغات الديمقراطيين ومراهم التجميل المموهة التي تغطيها.
العرب معنيون، أرادوا ذلك أم رفضوه، بالدخول في تفاصيل المشهد السياسي الأمريكي، فسلامة فهمنا من شأنه إعانتنا على الوصول إلى قراءة مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية، في ضوء نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة.
ربما يكون من المتأخر اليوم أن نركن لتمنيات "لو" التي تفتح أبواب الشياطين، لكن المرارة التي ولدتها سذاجة رد الفعل العربي على تلك النتائج تكشف أنّ العرب وضعوا بيضهم في سلة واحدة.. سلة المراهنة على نجاح كلينتون، ولم ترد بخلدهم ضرورة الاستعانة بمدرسة "السيناريوهات" التي تضع كل الاحتمالات بما فيها الاحتمال الأقل حظا في النجاح كي يكونوا على وئام مع الإدارة الأمريكية الناجحة ديمقراطية كانت تلك النتائج أم جمهورية. ولو فعلنا ذلك لكانت هناك اليوم بين يدي القادة العرب خطة متكاملة تحدد أسس ومعالم وأطر السياسة التي يتبعونها للتعامل مع الرئيس الأمريكي المنتخب، سواء كان ذلك الرئيس ترامب أم كلينتون.
ولربما أيضا كان حريا بالجامعة العربية، بوصف كونها المؤسسة العربية المنوط بها مسؤولية ترتيب البيت العربي من الداخل كي يرقى لمسؤولية معالجة السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد. ومن ثمّ تصبح السياسة الخارجية العربية في مدارات الفعل الإيجابية الحاسمة، بدلا من أن تكون في خنادق ردة الفعل السلبية المتذبذبة، بل المرتبكة.
لكن ما يزال هناك بصيص من الأمل، إذا غادر العرب مضارب خيمهم القبلية المترقبة، وانطلقوا من صالونات مدارسهم العلمية المبادرة. فهناك اليوم ما أصبح يعرف بعلم المستقبل، وتنتمي إليه تلك الدراسات التي تحاول قراءة مستقبل الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وترسم لصانع القرار التي يقف وراءها كيفية وأسس وضع السياسات التي تلائمه وتخدم مصالحه. هناك فرصة أخرى أمام العرب التي يأمل المواطن العربي ألا تفوتهم كما ضاعت عليهم فرصة القراءة المبكرة لاحتمالات نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كي لا ترتبك خطواتهم، كما حصل، عند إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية. هذه الفرصة هي المبادرة إلى فتح قنوات التواصل مع الإدارة، دون أن يكون مدخلها طوباويا أو عشوائيا متخبط.
وتحاشيا للغرق في بركة "الحليب المنسكب"، كما يقال، في وسع القادة العرب أن يتداركوا الموقف ولربما تكون الخطوة الأولى على هذا الطريق هو الانطلاق من أرضية صحيحة تقول أن نظام الحكم في الولايات المتحدة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، هو هي دولة مؤسسات وليس دولة، ومن ثم فمن الضرورة بمكان تحديد المؤسسات، من شركات ومنظمات مجتمع مدني، وقفت وراء حملة ترامب الانتخابية وضمنت له النجاح.
ويتطلب الوصول إلى ذلك تشكيل فريق عمل من الكفاءات العربية الجريئة، التي بالإضافة إلى مهاراتها الفكرية ينبغي أن يتحلى أعضاؤه بالجرأة المطلوبة الذي تمكنه من وضع الحقائق في نصابها، وتقديمها في صيغة خطة عربية متكاملة تضبط إيقاع خطوات العلاقات العربية – الأمريكية خلال فترة السنوات الأربع القادمة.
لم تضع الفرصة من يدي العرب بعد، وهناك مجال كي يقلل العرب من حجم الخسائر التي ربما تكبدوها بخسارة كلينتون، لكن، وكما يقول المثل، أن تكون متأخرا أفضل بكثير من ألا تكون موجودا. والعرب مطالبون أن يعوضوا تأخرهم بمثل تلك الخطة التي ينبغي أن تعطى الأولوية كي يتمكن العرب من وضع مشروع عربي متكامل، ومنطقي على طاولة الرئيس الأمريكي الفائز، قبل أن تسبقهم إليه قوى معادية أخرى تتقدمها المؤسسة الصهيونية.
وكي تكون هذه الخطة مجدية وفعّالة عليها أن تكون عربية شكلا ومضمونا وتتحدث عن قوة عربية موحدة لا عن عرب ممزقين متفرقين.