اتفاق ضمني بين فُرقاء الداخل والخارج على "تحييد بيروت"

لبنان مع الجنرال عون.. سقف أحلام مرتفع ومراكز قوى تعرقل أي تغيير

...
...
...
...
...

 

 

غازي الحلو: لبنان في حاجة لقانون انتخاب وطني أكثر منه طائفي يحمي مستقبله من التدخلات الدولية

مستقبل التيار الوطني الحُر بعد عون مرهون بإقرار آليات أكثر ديمقراطية لاختيار وتغيير القيادات

"لحظة تغاضي جماعي" حلَّت أزمة الـ29 شهرا إذ ليس من مصلحة أحد فتح جبهة إضافية في لبنان

"أخطبوط الفساد" أقوى من السياسيين.. مُواجهته تستلزم سياسات ثورية يدعمها ويحميها الشعب

الحلو لـ"الرُّؤية": لو وَصَل عون للرئاسة قبل 11 سنة "كان عمل عجائب في لبنان"

 

 

 

"لو وَصَل ميشال عون للرئاسة قبل 11 سنة، كان عمل عجائب في لبنان".. بهذه الأمنية ذات الدلالة، يُعلِّق غازي الحلو رجال الأعمال اللبناني وأحد داعمي التيار الوطني الحُر -الذي كان يترأسه عون- على مُستقبل لبنان في المدى القريب، تحت رئاسة "الجنرال الكبير سنا ومقاما". لكنَّ الحلو بذلك لا يُقلِّل من أهمية هذه الخطوة التي تأخَّرت كثيرا، وإنَّما يخشى من رفع سقف أحلام الشعب اللبناني الذي علَّق الكثيرَ من الآمال على حلِّ أزمة الرئاسة التي دامتْ لنحو 29 شهرا، وينتظر تغييرا حقيقيا واسعا، دُوْن إدراك أنَّ ما حَدَث في لبنان أخيراً لا يزيد على كونه "تسوية مرحلية.. والباقي مُعلَّق بإرادة وحركة الشعب نفسه لدعم الرئيس والحكومة في مواجهة جذور الأزمة".

 

الرُّؤية - هيثم الغيتاوي

 

التقيتُه في مَسْقط؛ حيثُ مَوْطن استثماراته في مجموعة الطاهر (مديرا تنفيذيا للمجموعة)، سألته -وهو ابن التيار الوطني الحُر- عن توقعاته لأداء ميشال عون "رمز التيار"، وهو على مقعد رئاسة لبنان. حاول التمسُّك بالموضوعية قدر الإمكان، وإنْ غلبه انتماؤه السياسي والعاطفي للتيار وللجنرال عون بعض الشيء. يَرَى غازي الحلو أنَّ "معالم الوضع السياسي في لبنان في المدى القريب باتت واضحة نسبيًّا، ونستطيع القول بأنَّ هناك اتفاقا ضمنيًّا بين كل من فُرقاء الداخل والخارج على تحييد لبنان فيما يتعلق بصراعات الشرق الأوسط المتضاربة؛ لذلك حُلت أخيرا مشكلة انتخاب الرئيس بعد 29 شهرا من تضارب مصالح الفُرقاء، ولذلك أيضًا جاء الجنرال عون".

لَكِن عَلى المَدَى البعيد، لا يغفل الحلو تأثير موازين القوى الدولية؛ فالجبهات مفتوحة في العراق وسوريا واليمن وليبيا...وغيرها. و"إذا ظلَّت موازين القوى في مُحيط لبنان والدول العربية على وَضْعِها الحالي، سيستمر الوضع داخل لبنان على ما هو عليه، لكن إذا تغيَّرت الموازين، وشعر أحد الأطراف الفاعلة بأنَّ لديه قوة زائدة أو رغبة في التدخل، ستعود الأصابع إلى الداخل اللبناني، ويتورَّط الجميع في الصدام مُجدَّدا".

قَلِيلٌ من الأمل يتمسَّك به الحلو، "على الأقل، نجح الفرقاء داخل لبنان في استغلال لحظة "تغاضي جماعي" من جانب الفرقاء الدوليين؛ فتمكنوا من انتخاب رئيس للبنان. وهو ما سيُسهم في تهدئة الأوضاع وتحسين الاقتصاد والحفاظ على التوازن الداخلي، وتجنُّب تدهور الحالة الأمنية، بعد أنْ كانتْ التفجيرات تضرب ضواحي لبنان في متوالية مخيفة".

ويُشدِّد الحلو على أنَّ ما شهده لبنان مُؤخرا "ليس تغييرا كليًّا بالمعنى الجذري للكلمة، وإنما هي تسوية مرحلية بين الفرقاء داخل لبنان وخارجه، ستؤدِّي إلى تغيير إيجابي نسبي، وإلا انقلب الناس على التيار الوطني الحُر وقياداته، وعلى رأسهم رمز التيار الجنرال عون، مع الوضع في الاعتبار وجود مراكز قوى لديها امتيازات لن تتنازل عنها للشعب بسهولة، وستقاوم التغيير الذي يحاوله الرئيس والحكومة".

"لَيْس مِن مَصْلحة أحد فتح جبهة إضافية للصراع في لبنان".. يُفسِّر الحلو ما أسماها "لحظة التغاضي الجماعي" من جانب أطراف الصراع في الشرق الأوسط. ويرى أنَّ "الرئيس عون قادر على تحييد لبنان، والتحييد مرحليًّا من مصلحة السعودية وسوريا وإيران وفرنسا وأمريكا، ومن قبل الجميع من مصلحة اللبنانيين أنفسهم.. على الأقل إلى أن يتمكُن الفرقاء داخل لبنان من تشكيل مظلة سياسية وربما تشريعية تمنح لبنان قدرا من المناعة، وتقلل من فرص التدخل الخارجي المعتادة".

 

قانون وطني قبل طائفي

ويَضَع الحلو يَدَه على أصل الجرح اللبناني القديم المتجدد، بإشارته إلى حِدَّة النظرة الطائفية للتمثيل السياسي؛ لهذا يَرَى أنَّ "المسار الأوْلَى بالاهتمام في لبنان بعد خطوتيْ انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة؛ هو: إعداد قانون انتخاب يُرضِي جميع الأطراف، ويُحقِّق طموحات اللبنانيين، لتمثيل كل الشعب تمثيلا صحيحا -وطنيًّا قبل طائفيًّا- في مُختلف الأجهزة السياسية".

ورَغْم أنَّ غازي الحلو ينتمي إلى واحدة من أكبر العائلات في "جزين" بجنوب لبنان، وينشط أبناء عائلته في العمل السياسي المباشر، يكتفي هو بالدعم "من بعيد لبعيد".. فهل نتوقع منه أن يتقدَّم الصفوف علانية في ظل تقدُّم التيار الوطني الحُر حاليا في لبنان، وربما لست سنوات مقبلة؟

يَبْتَسم غازي، مع إيماءة تَشِي بأنَّ وراء رفضه الانخراط في العمل السياسي المباشر قصة قديمة. يصمُت للحظات. تشرُد نظراته بعيداً. يتداخل الحنين مع الشعور بالمرارة، فيقول: "كُنت مُتورطا في الشأن السياسي منذ كان عمري 16 سنة، وفي الـ21 كنت أمينا للشؤون الداخلية للجنة التنفيذية بالجامعة اللبنانية، وهي اللجنة التي تُوجِّه عشرات الآلاف من الطلاب في مختلف الأنشطة السياسية والعامة. أخذتني اهتماماتي السياسية من الالتزام الدراسي بالصفوف، ورغم تفوُّقي، لاحقتني نصائح أستاذة الرياضيات بأن ألتفت إلى دروسي كأولوية؛ لأنها المجال الذي يُمكنني من خلاله تحقيق تغيير يُذكر، بينما الأوضاع السياسية في لبنان أصعب من أن يُغيِّرها طالب في مثل سني".

"رَاحَت كلُّ الأحلام بشخطة قلم"، في خمس كلمات يلخِّص الحلو الأثرَ الذي تركه الصراع السياسي المسلَّح مُبكرا في نفسه الحالمة بالتغيير.. مشيرا إلى تبعات الحرب الأهلية اللبنانية التي لاحقت أبناء جيله. "في السنة الدراسية الرابعة، قامت الحرب، وشعُرت بأنَّني بلا أمل، وليس لي مكان وسط هذه الصراعات العسكرية، أصبحتُ غريبًا في وطن تحاصره لعنة الحرب الأهلية. دفعتني أول صدمة في العمل السياسي العنيف للهجرة إلى كندا بغرض الدراسة، وعاهدت نفسي ألا أتورط مباشرة في الشأن السياسي مجددا".

لَكِنْ بعد عقود، لم يبتعد غازي الحلو كثيرا، لا يزال يَدْعَم التيار الوطني الحُر، ومع ذلك يُصر على رفض العمل المباشر. ولا يطرح الحلو رؤية "سوداوية" بشأن صعوبات تغيير الوضع في لبنان، بحسب قوله، إنما يعتبرها دعوة للرئيس الجديد وقيادات التيار الوطني الحُر لمصارحة الشعب اللبناني بحقيقة الفساد الضارب بجذوره في أعماق أجهزة الدولة. "إذا كان الفساد يُهدِّد بعرقلة جهود الرئيس بصلاحياته؛ فماذا يُمكن أن يُحقِّق عُضو مجلس النواب بمفرده، وماذا ننتظر من وزير في الحكومة اللبنانية الجديدة؟ أخطبوط الفساد أقوى من السياسيين اللبنانيين في أي حكومة؛ الأمر يحتاج إلى سياسات وقرارات ثورية يدعمها ويحميها الشعب في مواجهة قائمة لا تنتهي من أصحاب المصالح والجهات النافذة التي لا تمرِّر أي مشروعات تنفع الناس إلا إذا نفعتهم هم أولا".

 

"ربيع عربي" في لبنان

لِهَذا يُراهِن غازي الحلو على الشَّعب أكثر من رِهَانه على التفاهمات السياسية في الغرف المغلقة (داخل لبنان وخارجه)، وهو ما دَفَعه إلى نُصح قادة التيار الوطني الحُر بعد تولي الجنرال عون رئاسة لبنان أن يقولوا للناس الحقيقة دون مواربة "المسألة ليست بالوصول إلى كرسي الحكم.. ليس في مقدور أحد بمفرده أن يُحقِّق كل أحلام اللبنانيين في ظل الصلاحيات والتعقيدات الحزبية الحالية؛ فلا ترفعوا سقف أحلام الناس حتى لا يشعروا بالإحباط فيما بعد.. التغيير الحقيقي يحتاج إلى دعم شعبي في الشارع، دعم شعبي عام، لا طائفي، ومتى تحقَّق ذلك سيتغير وجه لبنان، بالناس.. لا بالتفاهمات".

وإِلَى أيِّ مَدَى يُمكن الرِّهان على تحرُّك الشعب اللبناني في ذلك الاتجاه الثوري، خصوصا وأنَّ تجربة "الربيع العربي" من حوله تُثير القلقَ أكثر مما تدعو إلى الأمل في التغيير؟ يُجيب الحلو مُتردِّدا: "فئات كثيرة من الشعب ليست ناضجة بعد لإدراك أنَّ التغيير الحقيقي لمستقبل لبنان السياسي لن يتحقق إلا من خلال جموع الشعب، ودعمهم للسياسيين في مواجهة آلة الفساد المسيطرة على مفاصل الدولة"، لكنه يعود فيؤكد أن "الشعب اللبناني حيٌّ، ومثقف وواعٍ بحقوقه، وبإمكانه مُساندة الرئيس في مواجهة التحديات والعراقيل التي تضعها مراكز القوى في طريق التغيير الجذري. مع الانتباه إلى أنَّ كلَّ تحرُّك ثوري يحتاج إلى قيادة رشيدة، وإلا وقع الناس في فخ الفوضى والعشوائية، والتيار الوطني الحُر ورمزه مؤهَّل لقيادة ذلك الحراك".

وقَبْل انتخاب الجنرال عون رئيسا لـ"كل اللبنانيين"، كان قد تنازل عن رئاسة التيار الوطني الحُر لـ"صهره" ووزير الخارجية جبران باسيل. سألت غازي الحلو عن مستقبل التيار بعد وصول زعيمه للرئاسة، وتقييمه لفكرة التنازل عن رئاسة التيار لصالح "الصهر"، وأثر ذلك على مصداقية التيار فيما يتعلق بجدلية "أهل الكفاءة وأهل الثقة". يقول غازي الحلو "ابن التيار" بشيء من التحفُّظ: "ثمَّة تيارات داخل التيار الحُر، شأنه في ذلك شأن كل التنظيمات السياسية، والضغط مُستمر داخليًّا لتعديل مسار التيار، وتطوير أدائه، ودعمه بهيكل تنظيمي وقواعد معلنة لمعايير الاختيار وآليات التغيير داخليا.. وهناك الكثير من أبناء التيار في حراك مُستمر لتحقيق ذلك، فإمَّا أن يُغيِّر جبران باسيل أسلوبَ قيادته للتيار، وإما سيتغيَّر. هناك فارق بين الرئيس والرمز، فارق بين جبران وعون، وما يقبله أبناء التيار من عون كرمز، ليس بالضرورة أن يقبلوه من جبران كرئيس.. ومن هنا تأتي الصدامات داخل التيار".

 

لا استقرار.. لا استثمار

نَاضَل غازي الحلو مع رِفَاق دراسته الأولى قبيل الحرب الأهلية في لبنان من أجل المطالبة بتحسين مُستوى الخدمات، وفي مُقدِّمتها الخدمات التعليمية. والآن، بعد أن صار رجلَ أعمال صاحبَ استثمارات واسعة في مختلف المجالات، لماذا لا يُفكِّر في الاستثمار في لبنان؛ لتحقيق بعض ممَّا حلم به ورفاقه أيام الصبا؟

بوَاقِعِيَّة رَجُل الأعمال، يقول الحلو: إنَّ "الاستثمارات لا تتحرَّك بدوافع العاطفة والحنين والذكريات. الأمر محكوم بالأوضاع الاقتصادية والسياسية. الفساد وترهُّل البنية الأساسية وغياب الاستقرار، ألد أعداء الاستثمار في لبنان. وللمستثمر ألف عُذر إن فكر ألف مرة قبل توريط نفسه وأمواله في دوائر البيروقراطية الفاسدة؛ فالمعاملة التي يُنجزها شخص واحد تمرُّ بعشرة موظفين، وبإمكان موظف واحد فقط تعطيلها إن لم يستفِد بشكل أو بآخر. وصُوَر الفساد هذه لا يمكن فصلها عن الشأن السياسي؛ لأنَّ الأمرَ مُتعلقٌ في النهاية بقدرة السياسيين على مواجهة هذه الدوائر الفاسدة لجذب الاستثمارات. ولا نغفل أنَّ الأجهزة الرقابية في لبنان تابعة لرئيس الحكومة على سبيل المثال؛ فكيف نَضْمَن القضاءَ على الفساد الإداري، ومن ثمَّ الاقتصادي، إنْ لم تكن أجهزة الرقابة مستقلة؟!!!".

هَكَذا دائمًا.. ينقلنا الاقتصادُ للسياسة، وتنقلنا السياسة للاقتصاد، في لبنان.. وفي كل مكان.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك