علامات تنذر بانهيار الولايات المتحدة

 

عبيدلي العبيدلي

فيما تزداد سخونة "المُهاترات التي لم تعُد تليق بمستوى المُترشحين لرئاسة الولايات المتحدة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، تتكشف المزيد من الظواهر ذات العلاقة بمسيرة الانتخابات والتي تكشف في جوهرها تردي الأوضاع في الولايات المُتحدة، إلى درجة بات البعض يصدق طروحات سابقة تتحدَّث عن علامات قرب انهيار هذه الدولة التي استفردت بمنصب القوة العظمى عند انهيار الاتحاد السوفيتي، ومارست عربدة سياسية لم تعرفها ساحة العلاقات الدولية في تاريخها الحديث والمُعاصر. ويرى البعض في إجلاء "رجال الخدمة السرية مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب بعيدًا عن المنصة خلال تجمع انتخابي في مدينة (رينو) بولاية نيفادا بسبب مخاوف أمنية."، إحدى الحوادث الفارقة التي تؤكد تلك "العلامات". كما يعتبر البعض تقلص "الفارق (بين المرشحين) بعد إعلان مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي إعادة فتح التحقيق في قضية استخدام كلينتون لبريدها الإلكتروني الخاص عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية."، علامة أخرى على تحول المعركة من مسارها السياسي إلى سياق أمني هو في حد ذاته مؤشر على صدق نبوءة قرب "انهيار الولايات المتحدة".

وللتاريخ انطلقت خلال العشرين سنة الماضية مجموعة من التكهنات الجادة القائمة على مُلاحظات دقيقة "تنذر" بهذه النبوءة، رغم العديد من الانتصارات الخارجية التي تحققها واشنطن، ورغم استمرار اقتصادها في احتلال المرتبة الأولى مقارنة بالاقتصادات الدولية الأخرى يما فيها الصين.

بداية ينبغي العودة للصورة القاتمة التي رسمها مرشح الحزب الجمهوري ترامب لانتخابات الرئاسة الأمريكية، عندما قال "للأمريكيين في الخطاب الذي قبل فيه ترشيح حزبه لمنصب الرئاسة إن ترشيحه جاء في لحظة تاريخية حرجة يُهمين فيها الفقر والعنف في الوطن، والحروب والدمار في الخارج".

وسبقت تصريحات ترامب تكهنات أخرى تستحق العودة لها. هناك التقرير الرسمي للجنة حكومية رأسها السير جون تشيلكوت في المملكة المتحدة حول حرب العراق، والذي "أظهر رسمياً أنَّ الغزو البريطاني للعراق تم تحت ضغط الولايات المتحدة وهو تعارض مع المصالح الوطنية للبلاد". ويمضي التقرير مؤكدًا علامات الانهيار بالقول، إن ما جرى "يعكس تراجع الهيمنة الأمريكية لأن تراجع الحليف الأكثر ولاء - المملكة المتحدة - في العامين الماضيين يدل على أنّ انهيار النظام الذي مقره الولايات المتحدة هي مسألة وقت والعالم يستعد لعالم جديد، (مضيفًا) حقيقة أن في المملكة المتحدة هناك أشخاص يتطلعون نحو مُستقبل ما بعد أمريكا".

في الاتجاه ذاته ينوه أستاذ التاريخ في جامعة وسكنسون الأمريكية، "إن انهيار الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية لم يسبق لها مثيل في التاريخ قد يكون أسرع مما قد يتخيله كثيرون، (مستطردا) إنه إذا كانت الولايات المتحدة تمني نفسها بأنّها ستظل القطب السياسي والاقتصادي الأكبر في العالم حتى عام ألفين وأربعين أو ألفين وخمسين لتستكمل ما يوصف بالقرن الأمريكي فإنّ هذا على ما يبدو لا يشكل سوى حلم كاذب لا تدعمه مُعطيات الواقع الراهن بكل تفاصيله الجديدة المعقدة سواء على مستوى الواقع المحلي في أمريكا، نفسها أو على المستوى العالم بأسره، (مضيفاً) أن الإمبراطورية الأمريكية ستشهد أفولها الفعلي بحلول عام2025 ... أو بحلول عام ألفين وثلاثين على أقصى تقدير".

على نفس المقياس، يقدم التروتسكي السابق آلفين توفلر في كتابه (الموجة الثالثة Third Wave)، دلائل تؤيد نبوءته (بشأن انهيار الولايات المتحدة) بالقول: "بعد 25 عاماً - على الأقل- من انهيار الاتحاد السوفياتي على العالم أن ينتظر انهيار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وتفككّها إلى ولايات مستقلة". ولتأكيد ما يذهب إليه "يسوق توفلر في إطار نظريته المستقبليّة احتمالات عدّة لسيناريوهات الانهيار منها، أن تبدأ (ثورة السود) وامتدادها إلى كل الولايات. حرائق ومظاهرات، وأعمال شغب وقتل وانهيار أمني ثم انفصال".

وعلى المنوال ذاته يتكهن المفكر الفرنسي، ومستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، ومؤسس ورئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية جاك أتالي "مخاطر أفول الإمبراطورية الأمريكية على أوروبا، (جراء) تسارع حركة انهيار الولايات المتحدة اقتصادياً ودبلوماسيًا".

وسبق كل هؤلاء التقرير الذي وضعه المراجع الأمريكي العام دافيد وولكر، ونشرته صحيفة "الفايننشال تايمز " البريطانية في أغسطس 2007 ، مشيرًا إلى علامات انهيار الولايات المتحدة بالقول "إن الظروف الحالية في هذا البلد (الولايات المتحدة) تماثل إلى حد كبير ما كان عليه الحال في روما القديمة قبل انهيارها، (حيث) التشابه يتضمن تراجع القيم الأخلاقية والنشاط السياسي داخل الولايات المتحدة والثقة المفرطة في النفس والمبالغة في إرسال القوات العسكرية إلى الخارج وعدم شعور الحكومة المركزية بالمسؤولية في إنفاق الأموال".

مجلة "نيوزويك" الأمريكية، هي الأخرى تكتب في الاتجاه ذاته مشيرة إلى أنّ "تاريخ انهيار الإمبراطوريات الذي يبدأ بتفاقم الديون وينتهي بتخفيض مطرد في الموارد المتوفرة للجيش وسلاح البحرية وسلاح الجو، مذكرة في هذا الصدد بتخلف إسبانيا في عهد سلالة هابسبورج عن تسديد كل ديونها أو جزء منها 14 مرة بين عامي 1557 و1696 كما كانت فرنسا في الفترة السابقة للثورة تنفق 62٪ من الإيرادات الملكية على خدمة الدين قبل عام 1788.. الإمبراطورية العثمانية لقيت المصير نفسه؛ فنسبة دفع الفوائد وخدمة الدين ارتفعت من 15٪ من الميزانية عام 1860 إلى 50٪ عام 1875." وفي هذا الوصف الكثير مما تشهده واشنطن اليوم.

الكاتب ياسر أنور، يستشهد بعلامات انهيار الولايات المتحدة بعرض قصير لكتاب الإعلامي ورجل الأعمال الأمريكي بيتر شيف "الانهيار الحقيقي: إفلاس أمريكا القادم"، (The real crash : America’s coming bankruptcy).

ولم تكن تل أبيب بعيدة عن تلك المخاوف، ففي نهاية العام 2013، توقعت صحيفة (يسرائيل هايوم)، في مقالة كتبها جابي افيتال "انهيارًا مدويًا للولايات المتحدة الأمريكية، الدولة العظمى، كما حدث للاتحاد السوفيتي السابق بداية تسعينيات القرن الثاني، (محذرا) من أن الاتفاق الذي يُحاك بين القوى الكبرى وإيران حول الشأن النووي، سيكون ورقة انهيار الولايات المتحدة".