الشروخ أصابت جدار السياسة الأمريكية مهما كان اسم الفائز
وجهة نظر خارجية: ترامب الأفضل لأنه سيبعثر الأوراق وكلينتون ستُحافظ على الجمود
وكأن ماكينات الميديا الأمريكية والعالمية اتفقت على أن تظل كفة ترامب معادلة لكفة كلينتون في المعرك الانتخابية الأكثر إثارة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية ...لكي يحبس الجميع أنفاسهم انتظاراً لما سيعلن عنه بعد انتهاء المعركة الديمقراطية التي سيحسمها الناخب الأمريكي الذي يعاني الحيرة والاستقطاب ويتأرجح بين مرشح لا يخبئ عنصريته ورغبته في شن الحروب لمواجهة خطر التطرف والإرهاب ...ومرشحة ضبطت مُتلبسة بالكذب..
الرؤية - خالد الدخيل
أسرع رجال الخدمة السرية المُكلفين بحماية المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب بإبعاده عن المنصة أثناء مؤتمر انتخابي أمس بولاية نيفادا، بعد ظهور رجل يحمل لافتة كتب عليها "جمهوريون ضد ترامب" وكان يعتقد أنه يحمل بندقية لكن رجال الأمن نفوا ذلك.
وكان المشهد كما نشرت الجارديان مليئاً بالذعر في المؤتمر، وخصوصًا بعدما صاح واحد على الأقل من الحضور بأن "كريتس" يحمل سلاحًا.
ربما يلخص هذا المشهد حالة التوتر والقلق التي تعم المعسكرين الجمهوري والديمقراطي قبل ساعات من الانتخابات الفاصلة، حتى أن هذا الرجل الذي حمل اللافتة ويدعى أوستين كريتس وهو عضو بالحزب الجمهوري منذ 6 سنوات، قال أنصار ترامب اعتدوا عليه بالضرب والركل واللكم، وخشى على حياته بعدما توجهت الحشود المتواجدة نحوه إثر رفعه اللافتة.
ثم ظهر ترامب مجددًا وقال: "لم يقل أحد إن الأمور ستسير بسهولة لكن لن يوقفنا شيء. لن نتوقف أبدًا."
وهذا حقيقي إلى حد كبير، فترامب يكمل معركته مثل قاطرة لا يمكن إيقافها مهما وضعت أمامها من عقبات، وهو رغم عنصريته التي لاينكرها، ورغم فجاجة أسلوبه وفضائحه الأخلاقية لازال يقترب من منافسته مضيقاً الفارق بينهما حتى كاد يساويها مثيراً دهشة الجميع.
ذكرت الجارديان على لسان الناخب الضحية أنّه لا يدعم كلينتون بشكل كامل لكنه يعتقد أنها المرشحة الوحيدة التي قد تمنع ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض. وتابع قائلاً عن ترامب إنه "فاشي وديكتاتور." وهذا النوع من الحكام يحول الأشخاص العاديين إلى "حيوانات".
سر ترامب
ويبدو تقدم ترامب المستمر مدهشاً لكل من توقعوا أن تهزمه كلينتون بسهولة من الجولات الأولى خاصة وهي مدعومة بقوة الدفع التي وفرها لها الرئيس الحالي أوباما، ولأن كثيرين يهمهم أن تختار أمريكا رئيساً امرأة لأوَّل مرة في تاريخها بعد أن اختارت رئيساً أسود لفترتين رئاسيتين، إضافة إلى الكثير من عوامل الدفع التي وفرها لها منافسها سمسار العقارات المشهور بغروره وصلفه وتاريخه الحافل بالكثير من الفضائح، لكن هذه التوقعات خابت بالتدريج مع تراجعها المستمر في الأسابيع الأخيرة، وحالة الضعف التي اعترت حملتها منذ ضربات ويكلكس الموجهة مباشرة إليها.
فهل هناك أسباب أخرى غير ظاهرة على السطح يمكن أن تفسر سر ترامب وتماسكه في وجه غريمته واقترابه من الكرسي؟
ربما يمكننا البحث عن تفسير خارج الولايات المتحدة، فيبدو أن معركة الرئاسة الأمريكية صارت تشغل وستترك آثارها على العالم بدرجة قريبة من تلك التي تشغل بها الأمريكيين، وتؤثر فيهم ...
ربما يفسر الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك الأمر ...
جيجك يوصف بأنَّه أخطر فيلسوف سياسي في الغرب، وناقد كبير له مساهماته في النظرية السياسية عمل كأستاذ في كبريات الجامعات الغربية مثل شيكاغو وكولومبيا ونيويورك وبينيسوتا وكاليفورنيا وغيرها...
قال جيجك، إنّ هيلاري كلينتون هي الخطر الأكبر على أمريكا وليس دونالد ترامب.. مشيرًا إلى علاقاتها ببنوك وول ستريت، وإخلاصها الكامل "للجمود المطلق" للنظام السياسي القائم في الولايات المتحدة...وأضاف أن ترامب قادر على بعثرة أوراق النظام السياسي الراسخ..
وحاول جيجك أن يفسر أكثر بقوله : "في كل مجتمع، هناك مجموعة من القواعد غير المكتوبة، هكذا تعمل السياسة، ويتم خلق التوافق. وقد بعثر ترامب هذه الأوراق. لو فاز، كلا الحزبين –الديمقراطي والجمهوري- سيعودون إلى الأساسيات، ويعيدون التفكير في أنفسهم، وربما تحدث بعض الأشياء… سيكون هناك نوع من الصحوة. سيطلق العنان لعمليات سياسية جديدة."
وتابع متحدثًا عن ترامب: "أمريكا ليست دولة ديكتاتورية. وهو لن يجلب الفاشية."
ثم قال إنّه متخوف من تعهد ترامب بتعيين قضاة مُحافظين بالمحكمة الدستورية العليا، وأوضح أنّ التهديد بذلك يتضاءل أمام الخطر الذي تمثله هيلاري كلينتون: "أخشى أن تتبنى هيلاري الجمود التام، الأخطر على الإطلاق، لأنه مقاتلة باردة، ولها علاقات بالبنوك التي تتظاهر بأنها تقدمية اجتماعيًا."
حيرة الناخب الأمريكي
قد يمكن للمراقب من خارج ساحة المعركة أن يرى ويحدد موقفه بوضوح من الطرفين، لكن لازال الناخب الأمريكي حسب الدكتور بهجت قرني مدير منتدى الجامعة الأمريكية بالقاهرة في حيرة من أمره، والذي يضيف أن هناك استقطابا حادا في الرأي العام الأمريكي لافتًا إلى أن ترامب "لا يصح" أن يكون رئيساً للولايات المتحدة، خاصة وأنه غير محنك سياسياً وأفكاره متطرفة تجاه العديد من القضايا، لكن رغم مساوئ أفكار ترامب إلا أنَّ سياسته واضحة على عكس هيلاري.
بعض المحللين حاولوا فهم الأمر من خلال مراجعة تاريخ سيكولوجية الناخب الأمريكي خلال السنوات الماضية، وانتهوا الى أنّه أكثر ميلاً الى أفكار ترامب حالياً حتى لو بدت متطرفة .. والتي تعد امتداداً بشكل أو آخر لمبدأ أيزنهاور الذي تشكل حول "فكرة ملء الفراغ" أو مبدأ كارتر في " التدخل السريع والمباشر" وعلى أساسه تحددت إستراتيجية الحرب، ثم مبدأ ريجان وما كان يسمى وقتها بأنصاف الحروب أو الحروب الصغيرة، وبوش الأب الذي روج لنظرية القوة المسلحة وطبقها عمليًا في أفغانستان والعراق، وعلى نفس الخط سار بوش الابن، حتى جاء أوباما مفضلاً عدم التورط بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج.
ربما لهذا لم تتردد الجارديان البريطانية في أن تؤكد أن أفكار ترامب لها جذور في المجتمع الأمريكي، ويمكن التأكد عندما نطرح هذا السؤال: هل يمكن مكافحة التطرف والإرهاب بمثله؟.
ترامب يجيب عن ذلك بنعم، ويدعو إلى ذلك علناً، وهو يدرك أن تصريحاته تلك تتناغم مع سيكولوجية شرائح غير قليلة في أمريكا.. ويستخدمها للدعاية الانتخابية وكتعبير عن فكر عنصري قد يوصله إلى البيت الأبيض مع استغلال أخطاء منافسته وأهمها رسائل البريد الإلكتروني ...
شروخ في الجدار الأمريكي
أهم نتائج تلك المعركة الانتخابية المستعرة أنها نجحت في إحداث شروخ في الجدار السياسي الأمريكي بغض النظر عن الفائز.. هذا مايؤكده ريتشارد ن. هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي فيقول:
ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة ستخرج من هذه الانتخابات مبتورة وبحكومة منقسمة، بغض النظر عن الرئيس، ولن يتمكن لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون من تحقيق أهدافهم دون بعض الدعم من الطرف الآخر.
الانشطار الوحيد في السياسة الأمريكية لن يكون بين الجمهوريين والديمقراطيين. في الواقع، إن الانشقاقات داخل الحزبين الكبيرين عميقة للغاية، حيث إنّ الفصائل الكبيرة والوازنة ستدفع بعضها البعض نحو التطرف- الديمقراطيون إلى اليسار والجمهوريون إلى اليمين، وهذا ما يجعل التوافق الوسطي صعب التحقق.
إذا فازت كلينتون، فإنّ العديد من الجمهوريين سيظنون أنّها نجحت فقط بسبب عيوب ترامب، ونظراً لأنّ البلاد تُساند التغيير، سيقولون إنه من غير المرجح أن يبقى الديمقراطيون في البيت الأبيض لولاية رابعة. وبالتالي فإنَّ العديد من الجمهوريين، وخاصة أولئك الذين ينكرون شرعية فوز كلينتون، سيسعون وراء إزعاج إدارتها، خشية أن تترشح مرة أخرى للرئاسة في عام 2020.
وبالمثل، إذا استطاع ترامب الفوز، فإنّ معظم الديمقراطيين،وحتى بعض الجمهوريين- بعد تعافيهم من دهشتهم واستيائهم – سيجعلون منه أولويتهم القصوى لضمان عدم حصوله على ولاية ثانية ونظراً لكثرة المواد المدرجة في جدول أعمال ترامب وغير المقبولة من زملائه صناع السياسة، فإنّ الحكم سيكون صعباً للغاية أثناء إدارته.