مدرين المكتومية
لا زال أهل القرى والحارات التي تبعد عن العاصمة وضواحيها يتمسكون بتلك العادات الجميلة المتوارثة، التي عُرف بها العمانيون، والغيرة على العرض والحفاظ على الشرف بمُختلف مسمياته وهذا ما يجعل بلدنا أكثر تميزاً بتلك العادات الحسنة. فلا زال الرجل العُماني يخبئ مشاعره خلف تلك الأعراف ولا يبوح بها لأنّها بحسب المتعارف عليه منذ زمن قديم هي بمثابة "العيب الاجتماعي، أو الانهزام الإنساني" .
كما أنَّ الأنثى أكثر تسترًا وحذرًا في كل ما يتعلَّق بالرجل، وما أجمل هذا الحُب في ذلك الزمان، الذي كان الحب فيه مقروناً بالمحافظة على العادات والتَّقاليد والأعراف، حيث يحكى أن قرويًا في جلسة أنس مع صديقه حول الجامعات وكيف يختلط الرجل فيها بالمرأة وكيف يتجاذبان الحديث وهما في غاية الاندهاش وذلك لكونهما قادرين على الاستمتاع بكوب العصير معاً، في وقتٍ واحد دون أن ينفكا عن التفكير للحظة في أن الجامعة حرام طالما أنّها تُخالف العادات والتَّقاليد.
وقد تجعل العادات والتقاليد من الإنسان متعصباً لدرجة قد تُعميه عن التفكير فيما هو الصواب والخطأ، لينقاد بصورة عمياء إلى ما توارثه من أبويه وأجداده وتدور الدائرة، وكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، وهذه الفطرة في كثيرٍ من الأحيان تُعزز لدى النشء الكثير من العادات والتَّقاليد التي ربما لا تتناسب مع الوضع الحالي، ولا يُمكن الأخذ بها، فتجعله متعصباً ينظر لكل شيء من باب التحليل والتحريم هو ما يجعله غير قادر على استيعاب أية أفكار ومُقترحات وعادات أخرى ويرى أنَّ باب الجامعة طريق الرذيلة والسلوكيات الخاطئة.
لا أقول إنّ العادات والتقاليد في مجملها ممارسات خاطئة، بل أقول إنَّ الدين الإسلامي مرتبط ارتباطًا تامًا بالقيم، فلو تمسَّكنا بها نكون قد وصلنا لمرحلة الطريق السليم، وبالتالي سيُصبح العمل حلالاً والدراسة حلال والزواج في سن مُبكر مناسب ولكن إن تمَّ تطبيق القيم فيها. فلو أخذنا على سبيل المثال الزواج قديماً كان من العادات الإلزامية خاصة كون المرأة تمثل جانب الشرف، فكانت تتزوج صغيرة دون استيعاب لسوء تلك العلاقة، فتعتاد على الحياة وعلى الروتين لتتحول في بعض الحالات إلى خادمة منزل تُقدم كل شيء ولا تطلب أي شيء، وهو ما يقود إلى نشوء سلوكيات خاطئة، كالعلاقات العابرة التي يعيشها الرجل مع غيرها، وكزواجه من أخرى بل والوصول لمرحلة الطلاق، ففي كثير من الأحيان خاصة في القرى يتزوج الشباب في سن مبكرة وعندما تتاح لهم مساحات كالجامعة تبهرهم الحياة ويبدأون الخوض فيها وقد يصلون لمرحلة عدم الرغبة في العودة إلى منازلهم كون العالم الذي وجدوه مغايراً للعالم الذي تعايشوا فيه، وتستهويهم الجامعة وكأنها أوروبا التي يتحدَّث عنها العرب فيجدون كل الطبائع البشرية في مكان واحد، حينها يظل السؤال الحائر في دواخلهم ما إذا كانت الجامعة حراماً، وما إذا كانت الحياة هذه متاحة؟.
madreen@alroya.info