حمود بن علي الطوقي
لقد رسم المقام السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المُعظم - حفظه الله ورعاه - السياسة الخارجية للسلطنة، منذ أن تولى الحكم في السلطنة، وذلك من خلال اشتغاله على جعل السلطنة دولة صديقة لدول العالم قاطبة، ومضرب المثل في العلاقات البينية المبنية على أسس التوافق والسلام والحوار، بعيداً عن الحروب والدمارات التي لا يدفع ثمنها سوى الشعوب ذاتها، كل ذلك بما يُحقق للسلطنة وشعبها ذلك الشعور بالاختلاف الإيجابي في التوجهات، والاستقلالية في ثقافته ورؤيته، والانسجام مع حضارات العالم وثقافاته المختلفة.
صحيفة عكاظ السعودية، وفي هذا التَّوقيت الذي تشهد فيه المنطقة توترات مُختلفة، سواء على الصعيد المتوسطي، أو على مستوى كتلة منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خرجت بحوار مُهم ومفصليّ ، مع مَعالي يوسف بن علوي بن عبد الله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في السلطنة..
فتح معالي يوسف بن علوي بن عبد الله خزانة الإجابات المُعلقة، والتي ظلت طوال فترة (عاصفة الحزم) مفتوحة تلوكها ألسنة وسائط التواصل الاجتماعي، والتي - بحكم عدم اعتماد معلوماتها على سند رسمي - ظلت في دائرة التناقل العشوائي، مما جعل الآراء التي وردت في الحوار مصحّحة لبعض المفاهيم التي لم يرُق أصحابها الموقف العُماني ..
قبل التوقف عند بعض مفاصل هذا الحوار، يمكن القول إنّ الحوار اتَّسم بالشفافية المفتوحة، وهي عادة عُمانية بامتياز، بغضّ النظر عن الصيغة الدبلوماسية للمداخلات، والتي كانت لدى المُحاوِر تحمل بذور اتِّهامات مبنية على عدم وضوح في الرؤية، فضلاً عن اتّكائها على آراء هابّة ودابّة، وليست على موقف رسمي سياسي رصين، لذلك نحسب أنّ الحوار انفتح على موقف السلطنة من حرب اليمن، وعلى الاتحاد الخليجي، وعلى الخلاف السعودي العُماني على خلفية تهريب السلاح المزعوم المبني على وجهات نظر حسابات مرتبطة بوسائط التواصل الاجتماعي، وعلى الشأن العُماني الداخلي، وعلى العلاقات الطيبة مع إيران والدول الصديقة، وغيرها من المحاور المختلفة الواردة في ذلك الحوار الموسع..
يُمكن النَّظر إلى الحوار على أنَّه مساحة مفتوحة لقراءة الموقف العُماني من الأحداث الحالية، فضلاً عن كون التفاصيل الواردة في تلك المساحة ذات تأثير توضيحي حول الشأن العُماني وعلاقته بالمُستجدات، وهو يفعل ذلك - أي الحوار - ، فإنّه يدحض ويفنّد ويوضح ويعالج ويُبين ما غمض ويفتح ما استغلق، وهذا دليل على الرؤية السياسية العمانية تجاه العالم وأحداثه..
على الرغم من أنّ الأسئلة تشكك في المساعي والنوايا العُمانية تجاه الأشقاء في المنظومة الخليجية، إلا أنّ يوسف بن علوي بن عبد الله أوضح متانة هذه العلاقات، وأنَّ السلطنة تحفظ حق الجيرة مع الأشقاء، بما لا يدع مجالاً للشك في فضائل تلك الصلات بين الأشقاء، وأنّ الكتلة الخليجية هي الأنجح في التعبير عن الرأي الموحّد، واضعاً في عين الاعتبار أنّه لا ينبغي الخلط بين الشأن العام للمصالح الخليجية المشتركة، وبين القرارات الداخلية للدول الخليجية بشكل منفرد، وهو ما جعل السلطنة تبتعد عن الدخول في (عاصفة الحزم)، لاعتبارها أنّ الموقف اليمني وأحداثه شأن داخلي.
ثم إنَّ الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية أكد على أنَّ ما يحدث في أيّ دولة في العالم، سواء كانت شقيقة أو صديقة، هو شأن داخلي بحت، وأن السلطنة لا تسمح لنفسها بهذا التدخل، بمعيار عدم رغبة السلطنة في تدخل أيّ دولة في شؤونها، غير أّنَّ السلطنة تتدخل في حال تمّ طلب ذلك منها، على أن يكون التدخل بالطرق الدبلوماسية والسلمية، وليس وفقًا للرغبات التي تتعارض مع توجهات السلطنة وسياستها.
يُفنّد يوسف بن علوي بن عبد الله حقيقة أن مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) هو المسلك الحميد الذي يغلّب الحكمة على غيرها من المسالك، فالدول تتجاور بهدف الاستفادة من المصالح المُشتركة بينها، لكي تعيش شعوبها في سلام وأمان، ومن دون شعور الطرف الآخر بعدم خصوصيته، أو انتهاك استقلاليته السياسية، ولذلك فإنّ السلطنة - بحسب بن علوي - تميل إلى كفة السلام والحوار، ولا تُحبّذ الدخول في حروب مع أحد..
يستمر بن علوي في الإفصاح عن المسار الذي تراه السلطنة للتعايش السلمي، من خلال وصفه الحروب بأنّها مدمّرة للمقدرات المرتبطة بالشعوب، وأن الأساس الأهم هو بناء علاقات توادّ وتراحم بين الشعوب، وفي حال حصول خلافات، فإنَّ الحوار هو أقرب الحلول إلى تفاديها، وإن وقعت فإنَّ تكثيف الجهود التفاوضية من أجل إحلال السلام هو الحل الذي يجب التمسك به، لأنَّ فيه الخير للبشرية جمعاء.