المشروع من تمويل مكتبة السالمي والجامعة الألمانية في السلطنة

إشادات ألمانية واسعة برسالة بالعرض الأول للفيلم الوثائقي "أبناء السندباد" في ميونخ

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

≤ يضم 3 حلقات: "إمبراطورية الرياح الموسمية" و"الطريق إلى الهند" و"نداء زنجبار"

≤ العمل يستهدف التأكيد على أهمية التعاون والتواصل بين مختلف الشعوب والحضارات

≤ 120 من الممثلين الهواة يشاركون في تقديم الفيلم من إنتاج "ديماكس"

عُرِض الفيلم الوثائقي "أبناء السندباد"، الخميس الماضي، في مدينة ميونخ الألمانية، ويضمُّ الفيلم 3 أجزاء؛ هي: "إمبراطورية الرياح الموسمية"، و"الطريق إلى الهند" و"نداء زنجبار"، ويحمل رسالة هادفة بكلمات بسيطة ومعنى عميق يمكن تلخيصها في "نحو عالم قائم على العدل والاحترام وتبادل المنافع"؛ وذلك بحضور البروفيسور الدكتور مدجيل عميد الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان، والدكتور حسين السالمي الذي يُمثِّل ممولي المشروع -مكتبة السالمي والجامعة الألمانية- كما شهد العرض حضوراً لافتاً من قبل ممثلي المجتمع الألماني والطلاب العُمانيين ضمن مشروع التبادل الطلابي بين السلطنة وألمانيا، ووفد غرفة تجارة وصناعة عُمان، والمهتمين بالجانب الترويجي والسياحي للسلطنة.

ميونخ - مدرين المكتوميَّة

وألقى جُمعة المسكري وجورج بوب كلمة باللغتين العربية والألمانية؛ قالا فيها: إنَّ الدبلوماسية العُمانية كانت وما زالت تلعب دورا مهما في إجراءات عملية السلام في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال كان لهم الدور الفعال في إنجاح المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران في النزاع النووي. وقد استطاعتْ عُمان أنْ تلعب دور الوسيط بين الثقافات المختلفة، والتي تطورات على مدى قرون عديدة. وأكثر من 2000 سنة تبحر السفن العُمانية مُحمَّلة بالتجار العُمانيين على طول الساحل الشرقي لإفريقيا والهند والصين، ومن خلال هذه العلاقات نمت روح التفاهم والتسامح للأديان والمذاهب والأفكار المحتلفة في روح العُمانيين.

الشرق والغرب معا

وأضافا بأنَّ الفيلم الوثائقي يقدم نظرة في حياة التاجر العُماني أبوعبيدة بن عبدالله القاسم، الذي عاش في القرن الثامن الميلادي، وأبحر في البحار السبعة للتبادل الفكري والتجاري مع الصين. وعلاقة عُمان لم تقتصر على الشرق فقط، بل كانت هناك علاقات متبادلة مع دول الغرب مثل أمريكا الشالية وأوروبا في وقت مبكر جدًّا. وقاد الاهتمام المشترك بين ألمانيا وعُمان قبل 25 عاما إلى إنشاء جمعية الصداقة الألمانية-العُمانية؛ حيث تقوم جمعية الصداقة الألمانية على توطيد التبادل الثقافي والفكري بين البلدين. ومن الأمثلة الناجحة على التبادل الثقافي: مشروع تبادل الطلاب بين مدرسة سابل في ميونخ، ومدرسة أحمد بن ماجد في عُمان. إلى جانب إنشاء الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان.

وأوْضحَا أنَّ ثلاثية "أبناء السندباد" لكل إنسان بغض النظر: هل هو من الشرق، أو من الغرب! فالأهم هو القيم الإنسانية والفكرية التي تجمعنا. وهذه الأفلام تقدم طريقة جديدة لفهم المنظور التاريخي من الناحية الشرقية والغربية معا، بعيدة عن منظور المركزية الأوروبية. وعلى أي شخص يُوسِّع مُخيلته لتقبل الأفكار والمخاوف وآراء الناس والمجتمعات التي تبدو من الوهلة الأولى غريبة عليه، وسيحمل فكرًا بآفاق أوسع ومعارف جديدة، والإنسان أينما كان فلديه قواسم مشتركة بينه وبين الآخر.

وألقى الدكتور حسين بن سليمان السالمي -بالنيابة عن مكتبة السالمي، والجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان "جيوتك" رعاة المشروع- كلمة؛ قال فيها: إنَّ الفعالية ليست الأولى التي ترعاها مكتبة السالمي والجامعة الألمانية، بل سبقها معرض الفنان العالمي رامبرانت في عُمان، والذي يعدُّ أحد أهم معارض الفنون التي أقيمت بالمنطقة؛ وذلك في 2009، باستجلاب 100 لوحة فنية أصيلة للفنان الهولندي؛ وذلك للتأكيد على رؤية المؤسستين في دعم العلوم والفنون لخدمة المجتمع حتى مع اختلاف قواعد المؤسستين؛ فمكتبة السالمي تاريخية والجامعة الألمانية تتحدث عن العلوم المعاصرة، لكن هذه الشراكة بين المؤسستين تؤكد أنَّ العلوم ليس لها حدود. وما هذا الفيلم الوثائقي إلا جزء من منظومة أكبر، وهي ليست لتوثيق التاريخ العُماني العريق فحسب والذي نفتخر ونعتز به، بل هو واجبنا في نشره والتعريف به، بل ليستفاد منها كأمثلة في روح التفاهم والحوار والتسامح كجزء من تطور الأنسانية حاليا ومستقبلا.

طبيعة الشخصية العُمانية

وقدَّم مُخرج العمل فريدريش كلوتش شرحًا مبسطا عن الفيلم وطبيعة عُمان، وأبرز التحديات التي واجهتهم أثناء التصوير، إلى جانب الآلية التي اتبعوها لإظهار العمل بصورة متكاملة، مع تركيزه على المفردات العُمانية التي قام بتسليط الضوء عليها، وأكد أنَّ إنجاز المشروع تطلَّب الكثيرَ من الوقت والجهد ليظهر بالصورة المطلوبة. مشيرا إلى أنَّ المشروع نتاج 4 سنوات من العمل الدؤوب والتعاون القائم بين الفريق، والاهتمام الكبير بإبراز سمات الشخصية العُمانية والطابع البسيط الذي جعلها تفرض وجودها بين الآخرين، متمنين للحضور طيب المشاهدة.

وعُرضتْ الحلقة الأولى من المشروع الوثائقي بعنوان "إمبراطورية الرياح الموسمية"، وتم من خلالها تقديم مدرسة الفكر الإسلامي "الإباضية" والإنجازات في الملاحة البحرية، وكيفية وصول الإسلام إلى الصين، وعن أبي عبيدة عبدالله بن القاسم، إلى جانب التعريف بطريق الحرير البحري وحطام سفينة على جزيرة بيليتونج وأخيرًا جوهرة مسقط؛ حيث ألقت الحلقة الضوء على القرون الأولى من العصر الإسلامي وتنتهي مع سقوط سلالة عائلة تانغ الصينية، الذي يتزامن مع نهاية التجارة البحرية المباشرة بين الصين ومنطقة الخليج العربي.

وأوضحت الحلقة الأولى خبرة وعراقة التجار العُمانيين من خلال ما أسسوه من تجارة راسخة عبر شبكة بحرية من الشركاء لشراء وتوزيع الموارد الطبيعية والمنتجات المصنعة. ومع مستوى التنمية والانفتاح على العالم، آمن العُمانيون بالإسلام ووجدوه متوافقآ مع حياتهم ويعود بالنفع على المجتمع والثقافة. كما أسهم حسهم الأخلاقي وتجارتهم العادلة في إبراز سمعتهم كشريك تجاري أمين.

وقد رُويت القصة من وجهة نظر التاجر العُماني أبي عبيدة عبدالله بن القاسم. وذكر في كتاب "أحداث ووقائع العرب التاريخية في القرن الثالث الهجري-القرن التاسع الميلاي" الذي حدد مسقط رأسه كقرية بهلا. وأسس البحارة العُمانيون العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الصين. ومن خلال التجارة العادلة والمنصفة، كان التجار العرب موضع ثقة وترحيب في الصين. وقاموا بتطوير وتأسيس علاقات طويلة الأجل، بما في ذلك الزواج، وإدخال عناصر جديدة لمجتمعهم، كالدين الأسلامي.

الطريق إلى الهند

وتحمل الحلقة الثانية من الفيلم عنوان "الطريق إلى الهند"، والتي تسلط الضوء على الملاح أحمد بن ماجد، وأهم آثار البرتغاليين، وسقوط قلهات وكيفية مواجهة العنف والتأثيرات البيئية على المجتمع، إلى جانب عصر الإمام ناصر بن مرشد. وتأخذنا الحلقة الثانية إلى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي الذي شهد تأسيس شبكة مستقرة وسليمة من المراكز التجارية حول المحيط الهندي، ومن شرق إفريقيا وعلى طول شبه الجزيرة العربية إلى بلاد فارس والهند وسيلان وإلى لصين.

ووَصَل البرتغاليون إلى المحيط الهندي للبحث عن المعرفة الملاحية والثروة الجديدة. واستولوا على طرق التجارة، ولم تسلم الموانئ العُمانية ومدينة قلهات حيث تم احتلالها وتدميرها، وأغرقت السفن البحرية التجارية، وأجبر البحارة والملاحون على الخدمة لديهم وتم إجراء العقود والمعاهدات ونقضها، وبذلك فقدت الثروة والموارد العُمانية.

ويوضح الفيلم في حلقته الثانية مع بداية القرن السابع عشر الميلادي طيف وصلت قوة البرتغال إلى أوجها، ومع ارتفاع حدة المقاومة في داخل عُمان تم إضعاف القوة الاستعمارية. وفي العام 1624، نجح ناصر بن مرشد اليعربي في توحيد القبائل العُمانية وتم انتخابه إماما لعُمان. ولأن البرتغاليين في هذا الوقت لم يريدوا المخاطرة بالقيام بأي عمل عسكري، عقدوا معاهدة مع الإمام على أساس أن يدفعوا جزية سنوية. وبتأسيس الإمامة هُزم البرتغاليون، وتم التأكيد على أهمية العلوم والتكنولوجيا، في فهم التراث الديني؛ وبالتالي ظهر عصر ذهبي جديد للقوة البحرية العُمانية.

نداء زنجبار

ويحمل الفيلم في حلقته الثالثة عنوان "نداء زنجبار"، والذي ناقش خسارة عُمان للاستقلال وتجارة الرقيق، إلى جانب تجارة القرنفل وانفصال عُمان وزنجبار، والنفوذ العُماني والأوروبي في شرق إفريقيا، والسلطان ماجد، والسلطان برغش، وأخيرًا السيدة سالمة.

ويبدأ الفيلم في حلقته الثالثة باستعادة السلطان سعيد بن سلطان هيمنة عُمان على مناطق التجارة في المحيط الهندي وإعادة ترسيمها، مع قاعدتين في إمبراطوريته: مسقط وزنجبار. وفي القرن التاسع عشر، بدأت عُمان باستغلال الموراد الطبيعية في زنجبار ووسائل الإنتاج، واعتماد اقتصاد المزارع الرأسمالي باستخدام العبيد، مع شبه احتكار عالمي لتجارة القرنفل. والنشاط الدبلوماسي مع أوروبا والعالم الجديد عزز اقتصادها، في حين أسهمت أوراق الاعتماد المستقلة لعُمان مع الشركاء التجاريين في التقليل من اعتمادها على الأوروبيين.

ويتناول الفيلم مرحلة وفاة السلطان سعيد في العام 1856، وشارك 3 من أبنائه في الصراع على الخلافة: برغش، وماجد، والأميرة سالمة. وتم تسوية الصراعات الداخلية من قبل قوة خارجية، وهي إدارة الاستعمار البريطاني الذي ثبتت ماجد كحاكم جديد في زنجبار. وكان ثمن توليه مقاليد الحكم الأنفصال الاقتصادي والسياسي لزنجبار عن الموطن الام عُمان. وجرى استعراض أحداث مختلفة أدت إلى نهاية ثورة القصر. وتوفر مذكرات الأميرة سالمة وجهة نظر من الداخل حول هذه الأحداث والمؤامرات. وبعد وفاة السلطان ماجد، تولى شقيقه برغش السلطة وقام بتحسين مستوى المعيشة، وتوفير إمدادات المياه المأمونة والكهرباء لأكثر من مائة عام ظلت زنجبار مقر إقامة سلطان زنجبار وموطن الكثير من العُمانيين حتى تأسيس دولة تنزانيا والثورة في عام 1964.

رسالة المشروع

وحمل العمل رسالة مفادها أن "أبناء السندباد" فيلم في 3 أجزاء لجميع الناس من الشرق أو الغرب، وهو عن الناس وطريقتهم في التفكير والقيم المشتركة بينهم. وهو خروج عن رأي مركزية النظرة الأوروبية للتاريخ، معترفا بأنَّ الدين يتخلل الحياة اليومية للفرد، ويمده بالقوة لتحقيق ما يبدو مستحيلا إنسانيا. وهو عرض لمدرسة فكرية هي "الإباضية" التي كانت مُهمَّة جدًّا لتطوُّر فهم الإسلام في الشرق الأقصى وشرق إفريقيا.

ولم يُركز الفيلم على تقديم سيرة من الماضي فقط، بل إظهار استمرار أثره حتى اليوم. وقد تمَّ اختيار مُمثلين هُواة عاشوا تجربة تاريخهم مع المشاهدين، وقد شارك أكثر من 120 شخصا، نصفهم من عُمان، في إنتاج الفيلم، ويدل نجاح المشروع العُماني-الألماني على أنَّ التعاون البناء بين الشرق والغرب، خلافا للرأي السائد، سيكون مفيدا للجميع. ويُشار إلى أنَّ الفيلم في حلقاته الثلاث من إنتاج شركة ديماكس للإنتاج الفني.

تعليق عبر الفيس بوك