العرب ضحية التكامل بين المخططات والمؤامرات

 

 

عبيدلي العبيدلي

يُتابع المواطن العربي بكثير من الاندهاش والارتياب والتعجب المشوب بشيء من الضبابية ما يجري على الساحة العربية من أحداث، وعلى وجه الخصوص في المناطق الساخنة منها، مثل سوريا وليبيا والعراق، بل وحتى اليمن. يأتي في مُقدمة هذه الظواهر حالات مثل "الداعشية"، سوية مع العديد من تنظيمات الإسلام السياسي الأخرى التي باتت أسماؤها مرادفة لصفة "الإرهاب". ففي غمضة عين برزت على سطح الأحداث "دولة إسلامية"، تسيطر على مساحة تتجاوز مساحة العديد من الدول العربية، وتحت إمرتها قوات وأسلحة تفوق بعض الدول العربية عددا وعدة. وفوق هذا وذاك تخترق سوقاً في غاية التعقيد هي السوق النفطية، وتتحكم في حركة روادها مقاييس تخفق أمامها مؤسسات تجارية عريقة، وتفشل في ولوجها دول لها مكانتها في الأسواق العالمية.

وقبل "الدواعش" كانت هناك موجة ما أصبح يُعرف باسم "الربيع العربي"، التي اجتاحت المنطقة العربية، وفي غمضة عين، بالمعيار التاريخي لقياس تاريخ الأمم، انكسرت تلك الموجة، مخلفة وراءها ملايين الضحايا، يتقدمهم مجموعة من الدول العربية التي لم تتشافى بعد من تصدعات تلك الموجة، على الصعد السياسية والاقتصادية، بل وحتى الاجتماعية. وأفضل نموذج يعكس ذلك، مصر.

بعيدًا عن أية طوباوية يمكن أن تحاول تشخيص مثل هذه الظواهر وأخرى غيرها عصفت بالمنطقة العربية، لا بد من التأكيد على أنَّ حركة تطور المُجتمعات البشرية مرتبطة، كمل تذكر كتب التاريخ بالكثير من العنف، لكنه لم يصل إلى الحالة العبثية التي نشهدها اليوم تُسيطر على الصراعات المُتتالية والمتجددة التي تشهدها المنطقة العربية منذ ما يزيد على النصف قرن، وخاصة في أعقاب اغتصاب فلسطين وفرض الكيان الصهيوني على المنطقة. هذا يرفع استفهاما كبيرة تبحث عن طرف، وربما أطراف متعددة، ليست بالضرورة محلية، تقف وراء مثل هذه الحالة شبه الفوضوية التي تعم المنطقة العربية. لا يعني ذلك وقوع المتابع في براثن نظرية "المؤامرة". لكن وبالمستوى ذاته لا يمكن أن تكون تلك الأحداث بعيدة عن مخططات إستراتيجية تقف وراءها قوى خارجية كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، لها مصلحة مباشرة في استمرار حالة التأزم المسلح، ولأطول فترة ممكنة تسيطر على سير الأحداث في المنطقة العربية.

ما نتحدث عنه هنا هو مخططات أكثر منها مؤامرات، لكن كي تنجح الأولى لا يمكن الاستغناء عن الثانية. وهناك الكثير من العبر والشواهد التي يمكن أن نستقيها من أحداث عرفتها صراعات الحربين الكونية الأولى والثانية.

ففي أثناء الحرب العالمية الثانية هناك الكثير من السياح الذين يؤمون اليوم منتجع بونتا أومبريا في كوستا دي لا لوز في  أسبانيا دون أن يدركوا أن  هذه البقعة المثالية، كانت شاهدة على أكثر الأحداث المروعة في الحرب العالمية الثانية وتحديدًا في عام 1943". إذ "يروي بن ماكنتاير في كتابه عن جواسيس الحرب العالمية الثانية، أن أحد جنود مشاة البحرية الملكية، وجد في هذه البقعة مقتولًا ومكبل اليدين ويحمل حقيبة تحتوي على أكثر الخُطط سرية للمعركة، ليكتشف لاحقًا أنّ الخطط كانت كاذبة تهدف إلى إيهام هتلر بأنّ الحلفاء كانوا على وشك غزو سردينيا، ونتيجة لذلك حول هتلر عددًا لا يحصى من قواته من صقلية التي غزاها الحلفاء فيما بعد، وأنقذوا بالتالي عددا لا يحصى من الأرواح، وما زال قبر الرجل الذي يدعى جلاندوار ميشيل موجودًا في تلك المنطقة ويؤمه السياح والزائرون".

وهناك الكثير من الأحداث المماثلة التي يمكن أن نوردها للتدليل على صحة ما ذهبنا إليه من التكامل بين نجاح المخططات وحسن حيك المؤامرات. لكن دعونا نعود إلى أحداث المنطقة العربية، كي نكتشف أن ما يجري من أحداث يهدف، أساساً لخدمة مشروع أمريكي – إسرائيلي، تتقاطع معه مصالح دول مثل إيران وتركيا، ويهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:

  1. إضعاف المؤسسة العسكرية العربية، فبغض النظر عن تقويمنا الداخلي العربي لطبيعة الأنظمة العربية القائمة من حيث استبدادها، وفسادها، لكن المحور الأمريكي – الإسرائيلي ينظر لتلك الأنظمة من زاوية أخرى تحكمها مقومات "الأمن الإسرائيلي". وأي متابع لتسلسل الأحداث لا يحتاج إلى أية حنكة سياسية كي يكتشف أنَّ أهم نتيجة خلفتها وراءها تلك الأحداث هو جيوش عربية – باستثناء مصر حتى الآن- مهلهلة، لا يمكنها أن تشكل خطرا جدياً يهدد أمن إسرائيل خلال ربع القرن القادم في أحسن الأحوال. هذا الإنهاك الذي نتحدث عنه لا يصلحه صفقة سلاح هنا أو معونة عسكرية هناك من قبل الولايات المتحدة أو إحدى الدول الغربية.
  2. إرهاق خزائن الدول العربية الغنية، وخاصة النفطية منها. وإذا غضضنا الطرف عن تلك الموازنات الضخمة التي رصدت للمشاركة في "حل المشكلات العربية الداخلية"، فلا يمكن أن نتغاضى عن التدهور الدرامي في أسعار النفط، الذي هزّ أركان الاقتصادات العربية، بما فيها اقتصادات الدول النفطية من الجذور. وقد بدأ العديد من هذه الدول ينتقل إلى خانة المديونية بعد أن كان يتمتع بفئة الأرقام الفلكية من سيولة وفوائض في العوائد النفطية.
  3. ارتهان السياسات الاقتصادية والسياسية العربية لدى دوائر صنع القرار الغربية، وفي المقدمة منها الأمريكية. وما نشهده من تخبط، غير منطقي، في هذه السياسات هو دليل على صحة القول بعودة البلاد العربية إلى أحضان العواصم العربية، وتبعيتها لسياستها بعد أن ابتعدت عنها قليلا خلال العقد الأول من هذا القرن.

ليست هذه نظرة سوداوية متشائمة، بقدر ما هي محاولة لتشخيص الواقع، إن شاء العرب الخروج منه.