الأبوَّة ليست وظيفة شرفية

 

 

مدرين المكتوميَّة

أرى من الآن مَلامِح فجوة واضحة بين جيل الآباء الحالي وأطفالهم جيل شباب المستقبل، والتي بدأتْ تتسع وتتفاقم مُشكلاتها بشكل ملحوظ، خاصة مع التطور الذي طرأ على الحياة الاجتماعية، والضرورات التي جعلت الأب يعتقد أن مسؤوليته انتهت بتوفيره للمادة. أرى فجوة يبني جدارها الشباب العُماني -خاصة الآباء- بانعزال ظاهر عن أطفالهم، وتمركزهم حول الذات والاهتمامات الخاصة بكل منهم، مما يبعدهم شيئا فشيئا عن أطفالهم، حتى إنَّ كثيرًا من الآباء لا يُمكنه تذكر في أي صف يدرس ابنه أو ابنته، ومتى يدخلون في عام جديد، ومن منهم لديه مشكلة صحية.

لا أتَّهم الشباب بالأنانية، لكنني أذكِّرهم بأنَّ كَوْنهم آباء أو أمهات ليس مجرد لقب أو وظيفة شرفية، وليس من ذنب الأبناء أنهم جاءوا في زمن الإنترنت والواتساب والسناب شات، فهم أطفال كما كنا وكما كان آباؤنا، يحتاجون "تربيت" على رؤوسهم وأكتافهم، وكلمات بصوت آبائهم وأمهاتهم، ليس من الرفاهية أن نترك أبناءنا وبناتنا لعاملات المنزل والمربيات فهؤلاء مهما كانت خبراتهن لن تصل إلى تلك الشفرة الموجودة في ابتسامة أم لابنها وهو يتعلم أول كلماته، أو يحصل على شهادة أول اختبار له، أو حين يرتمي في حضن أبيه خوفًا من أي شيء يزعجه.

الحنان لا يُشتَرى، ولا يمكن تصنيعه، وهو ما يُميِّز كلَّ أب وأم في علاقته أو علاقتها بالأبناء، وهو منحة من الله تولد مع كل الكائنات تجاه ذرياتها، وليس من العقل أن نهمل تلك المنحة ونستبدلها بتمضية الوقت مع أصدقاء افتراضيين أو إشارة من إشارات الإعجاب على الواتساب أو سناب شات. ففي العديد من دول العالم، هناك اللتزم وحس بالمسؤولية في العمل، ولكن يبقى نصيب الابن في كثير من العائلات محفوظًا وله نظام روتيني كما هي الحال مع روتينيات الحياة؛ لذلك لو نظرنا كمجتمع عماني، سنجد أن الوافد الهندي الذي لديه ابن أو ابنه يعمل جاهدًا على الاهتمام بتعليمه، ويدفع كل ما بين يديه لأجلهم، وفي كل مناسبات المدرسة موجود، ولديه معرفة كافيه بأصدقاء أبنائه، وكذلك الحال في اليابان حيث إنَّ النظام التعليمي يبدأ من حجر الأم، ومن ثم ينتقل إلى المدرسة؛ كونهم يؤمنون بأنَّ الابن بحاجة إلى تعلم بعض الأساسيات من البيت والتي تبني أخلاقه وقيمه بين الناس، كما أنَّ نظرتهم تكمُن في أنهم بذلك يُسهمون في بناء جيل قريب من أبويه، ومهتم بمسيرته التعليمية؛ كونه مستقبل اليابان.

وجميعنا يعلم أنَّ هناك الكثيرَ من العُمانيين الذين يعملون في العاصمة مسقط، وتركوا مسؤولية تربية أبنائهم على عاتق الأم التي قد تكون أيضا عاملة؛ فيكون مصيرهم إما التربية على يد عاملة المنزل، أو أن يكونوا ملتصقين بالعالم الافتراضي الذي دمَّر الكثيرَ من المنازل، وأفقد الكثير من الأطفال براءتهم وحوَّلهم إلى مجرمين؛ فمن هُنا فإنَّنا إنْ لم نجسِّر الفجوة من الآن، فلن يُمكننا مستقبلا أن نلوم الجيل القادم على أنانية أو جحود قد نجده أو نشعر به؛ ففي النهاية سنحصد نتائج ما زرعناه من قيم ومبادئ، فإنْ لم تكن هناك قيم ومبادئ نبيلة، فعلينا أن نتوقع أننا لن نجد جيلًا قادرًا على أن يصنع نفسه، وأن يكون ذاته، وأن يكون ذخراً لهذا الوطن.

madreen@alroya.info