"عُمان في الصحافة العالمية"

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

 

لعلَّ من أهم ما يُمكن الركون إليه في استشراف المُستقبل بالنِّسبة لتنافسية الدول في الامتداد الحضاري، هو تأكيد وجودها في أجندات العالم، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو ملاحية أو تجارية، ويمكن القول إنّ السلطنة قد تجذّرت - بناءً على هذا المفهوم - في الذاكرة الحضارية الإنسانية.

 

تروي الذاكرات، أنّ سلطنة عُمان حضرت في كتابات المستشرقين، وفي كتابات الرحالة العرب والأجانب على حدٍ سواء، وفي خرائط الملاحة العالمية، وفي سياقات إخبارية كثيرة مُتعددة الجوانب..

هنا في مسقط، عاصمة السلطنة، شهدت مؤتمراً مهماً وأحسنت هيئة تنظيم الوثائق والمحفوظات الوطنية تنظيم هذه التظاهرة المهمة التي تسلط الأوراق المطروحة فيها الضوء على الوجود العُماني في الصحافة العالمية، وهذا يندرج تحت دلالة الترويج، الدلالة التي تغرف من الموثّق والمدوّن في إحدى طرق الخطاب العالمي، وهي الصحافة؛ ولكن، من الضروري أن نذكر أنّ تعدد المساحات الترويجية، سياسياً وسياحيًا وثقافياً وتراثياً، إلا أن الأبعد حضوراً وأثراً، هو ذلك المرتبط باللُّقى الأثرية، وهي تُعيد البُعْد الزمني الحضاري للسلطنة إلى ما يقرب من 3500 عام قبل الميلاد، بالتوازي مع حضارات قديمة بائدة، على الأقل هذا المُثْبٓتُ مكانياً، وفقاً للأبحاث والدراسات الجيولوجية العالمية الموثوقة..

نعود إلى السلطنة، في حضورها الصحفي العالمي، لنقول إنّها استطاعت أن تكون رقماً مهماً في المعادلة العالمية، وتحجر مقعدا في الصفوف الأمامية ويمكن الاستشهاد بذلك على عدة مستويات؛ فعلى الصعيد السياسي، عملت السلطنة على معالجة خلافاتها واختلافاتها الداخلية بنوع من المرونة التي تجعل الوطن هو القاسم المشترك، ثم اعتمدت النهج الهادئ الذي لا يتدخل في شؤون الغير، وإن حصل فهو يُعالج ما صار عالقًا، ليصبح الحل الذي ترتئيه مثار تأمل، مما جعل منها مستشارة سياسية للأزمات في العديد من دول العالم، استناداً إلى الدبلوماسية الهادئة الرامية إلى إحلال السلام وتغليب لغة الحوار، وتكريس مفهوم التَّكامل، وهذا تمّ بتدوين كبريات المؤسسات الصحفية العالمية، هذا على مدار عقود من الزمن.

 

أمَّا على المستوى السياحي، فإنَّ الله تعالى، بما حبا السلطنة من تنوع في التضاريس، وتعدد في مستويات التربة، وتناغم في المناخ، فقد صارت جاذبة للعديد من الرياضات، التي بعضها معلن، وبعضها لم يأخذ حظه من الانتشار، وهذا يعكس قيام الكثير من الأفواج السياحية العالمية بالقدوم إلى السلطنة، وبخاصة الأفواج البحرية، فضلاً عن السياحة العابرة للحدود، والسياحة الجوية، كله من أجل أن تحظى تلك الوفود بالرفاهية والدهشة البصريتين في السياحة العمانية، وهذا انعكس على حضور السلطنة في الصحافة العالمية.

الثقافة، ليست مجرد مؤلفات في مختلف العلوم، إنها سلوك سلام، بدا ذلك انعكاسًا على مختلف المناشط التعريفية للسلطنة في عدد من بلدان العالم (الأسابيع الثقافية)، كما بدا من استضافتها العديد من التمظهرات العالمية في السلطنة، للتعبير عن أشكال الخطابات الترويجية، بهدف تعزيز التبادل المعرفي والفكري والإنساني، لكونه خطاباً حضارياً، ينعكس على طبيعة الصلات بين الشعوب، وهذا ما نقلته الصحافة العالمية كذلك، ناظرة إليه على أنّه جسر وعي يكرس التبادل الضروري بين الدول والشعوب.

 

يبدو الجانب التراثي، المادي والمعنوي، يما يحمله من مضامين دلالية ساطعة الوضوح، حول الجذر التاريخي الحضاري للسلطنة، قد جعل اليونسكو مثار إعجاب كوني بهذا التراث، من خلال اعتماد بعض الفنون التقليدية والمباني ذات الوظائف المختلفة، واعتبارها من التراث العالمي؛ هذا قد حظي - قطعًا- باهتمام صحافي عالمي، جعل الصحفيين ينتبهون إلى مختلف متحقق ذي نطاق تأثيري معماري بالغ الضرورة في الانتشار العالمي، لذلك اهتمت به الصحافة، واضعة السلطنة، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ضمن منظومة الدول التي لديها شخصية وطابع يتميزان بالخصوصية والفرادة والتوغل الحضاري.

إنَّ هذا المؤتمر الدولي برؤيته التي توثق الحضور العُماني في الصحافة العالمية، يُثير حماسة الأسئلة، حول ضرورة تعديد هذا الخطاب، والاستفادة من المُقومات الحديثة لوسائل الترويج والخطاب إلينا نحن والآخر معاً، فالمرحلة السابقة حظيت باهتمام يتناسب مع طبيعة الانتشار، وهذا الوقت له أدواته، مما يدعونا إلى الدعوة للاستفادة من كل المنافذ المُمكنة، للترويج للسلطنة عالميا، فالأجيال المقبلة تستحق ذلك فعلاً.والصحافة ستظل شامخةً على مدى الأزمان لرصد وتوثيق كل ما هو مهم ليتعرف الجيل القادم على تاريخ بلادهم المشرق على مدى الزمان.