البحرين...الظروف تقتضي مبادرة

 

 

عبيدلي العبيدلي

إذا ما ابتعدنا عن دهاليز السياسة والسياسيين، واقتربنا أكثر من هموم المواطن وآلامه، سنجد صورة الوضع اليوم في البحرين، ومن وجهة نظر ذلك المواطن العادي على النحو التالي:

- تقصير المؤسسة التشريعية في أداء دورها المناط بها والمسؤوليات الملقاة على عاتقها. فقد تحولت هذه المؤسسة، من وجهة نظر المواطن، إلى مجرد واجهة تكمل صورة نظام ديمقراطي، أكثر منها هيئة تشريعية تقوم بمهامها على الوجه الأفضل. وهناك قائمة طويلة من المطالب التي يتوقع المواطن من هذه الهيئة أن تتبناها؛ فهي ليست مَطَالب خدمية كما قد يتبادر لذهن المتابع لقراءة المشهد السياسي البحريني، بقدر ما هي من صميم المهام التشريعية. تبدأ هذه القائمة بقضايا تمس السياسة الخارجية، وتعرج على مسائل تتعلق بمنظمات المجتمع المدني، قبل أن تحط رحالها عند موضوع العلاقة يسن السطات الثلاث. ليست هناك أوهام لدى هذا المواطن حول عصى سحرية قادرة على وضع حلول سريعة لبنود قائمة المشاكل تلك، لكنه بالمقابل يطمح أن يرى حركة، حتى وإن كانت بطيئة، لكنها مستمرة وفي الاتجاه الصحيح.

- تخوف مشوب بحذر من سياسات الدولة خلال الفترة المقبلة تهدف إلى فرض المزيد من الضرائب الظاهرة والمبطنة، من شأنها أن تثقل كاهل هذا المواطن بزيادة غير متوقعة في مستوى العيش، وليس رفع الدعم عن بعض السلع الضرورية سوى بعض المؤشرات على ما يخشاه ذلك المواطن، الذي يؤكد، وبشكل مستمر، أنه ليس ضد فرض أي شكل من أشكال الضرائب، لكنه يطمح في أن تكون في نطاق سياسة متكاملة، واستراتيجية شاملة تتحرك في نظام صدى (Echo System) واضح المعالم، محدد الأطر.

- امتعاض من استمرار الجمعيات السياسية بمختلف تلاوينها، من تلك التي تعبر هموم الشارع السني، إلى تلك التي تنقل مطالب مسار الشيعي، ويضاف لها تلك التي تمثل تيارات المجتمع المدني. سر هذا الامتعاض شعور يتملك المواطن أن هذه الجمعيات التي يفترض فيها أن تمارس دورها كي تساهم في اخراج البحرين من عنق زجاجة أزمة أحداث العام 2011، وتبدأ في التفكير "خارج الصندوق"، كما يقال عند الدعوة لتحاشي أنماط التفكير التقليدية، يجدها ذلك المواطن أنها لا تزال "تلوك" مبررات لم تعد قائمة، وتجتر آلاما لا تزودها بالحلول التي تنتشلها من أزمتها.

هذه النقاط تشخِّص هموم المواطن، بغض النظر عن مدى دقتها، ومن ثم فهي تلقي بأعبائها على مسيرة العمل السياسي الحالي في البحرين، وترسم معالم ذلك القادم في المستقبل القريب المنظور، لكنها عندما تتفاعل في أعماق ذلك المواطن فإنها تولد حالة إحباط مدمرة من شأنها إصابة العمل السياسي البحريني بشلل ربما لا يشفى منه.

وعليه، ومن أجل المشاركة، ومن ثم البدء في وضع حل ينتشل البلاد مما هي فيه، لا بد من مبادرة جادة، ومسؤولة، وقابلة للتحقيق، تقودها واحد ة أو أكثر من هذه المؤسسات:

1- المؤسسة التشريعية ذاتها، وهي الأولى بالقيام بذلك، فليس هناك ما يمنعها، كمؤسسة، أو فريق محدود العدد ينبثق منها، ويحظى بمباركتها. يخرج هذا الفريق بمبادرة، مستقاة من تكريس القيم والمفاهيم التي جاء بها ميثاق العمل الوطني، ومن ضمنها المؤسسة التشريعية، لكنها بالقدر ذاته تخاطب منظمات المجتمع المدني، وتشركها في الحل. تصدي المؤسسة التشريعية لمثل هذه المبادرة، سيعزز من دور المؤسسات في المجتمع، ويشيع جوا من الارتياح في نفوس المواطنين.

2- الجمعيات السياسية ذاتها، باتت مطالبة، هي الأخرى، بأن تضع خلافاتها الثانوية جانبا، ويتخلص بعضها من نظرة الاستعلاء أو الإصرار على احتكار الشارع السياسي المعارض. وبالقدر ذاته تقفز بوعي ومسؤولية على الحاجز الطائفي، وتهشم الجدار الذي بنته أحداث العام 2011 وتداعياتها.

3- نخبة ممن لهم باع في العمل السياسي، تشكلها وجوه مقبولة لدى أطراف الصراع، تطرح هي الأخرى مشروعا سياسيا متكاملا، بعيدا عن أية مسحة عاطفية، أو خلفية مسبقة تقوم على تصنيف المواطن وتزكيته، كي يحق له الانخراط في مثل هذه المبادرة، إن أريد لها النجاح.

هذه المبادرة كي تلاقي حظها من القبول من قبل مكونات العمل السياسي في البحرين، لا بد لها من تحاشي مجموعة من الطروحات التي باتت تصل إلى مستوى المسلمات في قاموس العمل السياسي البحريني. وهناك قائمة من هذه المقولات نكتفي بسرد اثنتين نرى أنهما الأكثر أهمية وتأثيرا في هذه المرحلة الصعبة والمفصلية في آن.

- التوقف عن اجترار مقولة أنَّ البحرين دولة مستقبلة فقط تسيرها محصلة الوضع السياسي في المنطقة. هذه المقولة صحيحة شريطة ألا تهمل هامش الحرية، مهما كان ضيقا، الذي تتمتع به البحرين، والذي يفسح في المجال أمام مبادرة كالتي نتحدث عنها. لا شك أن ضيق الهامش يجعل من العمل السياسي عموما، والمبادرات التي تحاول ان تشق طريقها في المراحل المصيرية على وجه الخصوص، صعبا ومعقدا، لكنه لا يضعه في خانة المستحيلات.

- نبذ مدخل الغالب والمغلوب، والأخذ بمقولة الوصول إلى حلول وسط تحفظ ماء وجه الأطراف جميعا، وتفسح في المجال أمام جميع مكونات العمل السياسي كي تمارس دورها الطبيعي البناء في تعزيز مكونات المشروع الإصلاحي الذي بدا يسلخ العقد الثاني من عمره.

الوضع السياسي الحالي في البحرين يقترب من حالة شبيهة بسكون المقابر، وبحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مبادرة جادة ومخلصة تنتشله من حالة السكون هذه. ليس ما قيل هنا سوى اجتهاد بحاجة إلى المزيد من التمحيص والتنقيح، لكن يبقى المبدأ الأساس الذي ينطلق منه وهو ان المرحلة القائمة لم تعد مقبولة وبحاجة إلى مبادرة مسألة لا يختلف عليها اثنان من أبناء البحرين المخلصين. ومن ثم فصحيح القول أن ظروف البحرين القائمة اليوم بحاجة إلى مبادرة.