فنون إدارة قوة العمل في السلطنة

 

 

علي المعشني

قوة العمل هي الفئة البشرية القادرة على العمل والإنتاج والراغبة فيه من الذكور والإناث، والتي تتمتع بالمهارات العلمية والعملية واللياقة الصحية الجسدية والنفسية للقيام بالعمل وإنجازه، وهي الفئة العمرية المحصورة ما بين عمر 20-55 عاما في الغالب الأعم.

ما يُحزنني كمواطن ومتابع للشأن العام هو أنْ أرى شبابا عُمانيين في مقتبل العمر وكالورد اليانعة تزاول أعمالًا هامشية وبصور منظمة وبمباركة وصمت الدولة والمجتمع، دون أن يحرك أحدٌ منهم ساكنًا، وكأنَّ الأمر في عداد الحريات الشخصية وليس له علاقة باقتصاد دولة وسياساتها ويمس مصير شريحة واسعة من المجتمع.

فليس من العدل أو العقل في شيء أن ندفع بتلك الطاقات الفتية اليانعة إلى قيادة صهاريج الماء أو بيع غاز الطبخ أو حافلات وسيارات الأجرة أو تعليم السياقة أو أمن وسلامة أو فرق وطنية أو حراسات أو قيادة حافلات مدرسية؛ فليس قدرًا على هؤلاء الطاقات الشابة أن تبتدئ حياتها العملية وتنهيها في الغالب بهكذا أعمال هامشية هي بطبيعتها وعائداتها أولى وأجدى لفئة المتقاعدين في الأساس من القطاع العام، والذي يئن تحت وطأة التكدس الوظيفي وغياب القوانين الجاذبة للتقاعد.

وما لم تتنبه الحكومة بالدرجة الأولى والمجتمع معها لتلك الشريحة الواسعة المُهدرة من قطاع العمل ومخططاته، فإن المستقبل يُنذر بولادة وتناسل شرائح مجتمعية هامشية وساخطة بفعل القوانين والتجاهل الرسمي والجهل الاجتماعي.

وفي بدايات التعمين وسريان راتب 120 ريالا، كتب الكاتب الكويتي عبدالله الشيتي مقالا عام 1989م ينتقد فيه التعمين ويحذر منه أسماه "فرشنة المواطن في سلطنة عُمان" (فرشنة من وظيفة فراش)، دعا فيه إلى التعمين من القمة وليس القاعدة وإلى جعل التعمين جاذبًا للمواطن ومحاطًا بكل أسباب الفرص الحقيقة له من تأهيل وتدريب كونه مواطنا أولا ومعنيًا بوطنه دون غيره من الناس.

وقد ذكر الصحفي الشيتي بأنَّ لكل إنسان قدرات وطاقات لا حصر لها، والعيب كل العيب أن نحكم عليه ونقزِّمه عند حد معين إلى أبد الدهر. وضرب مثلًا بتجربة والده في الخمسينيات من القرن المنصرم حين كان مسؤولًا بإحدى المؤسسات الحكومية بالكويت حيث آلمه وأزعجه وجود شاب كويتي في مقتبل العمر يعمل في وظيفة فراش بوحدته، وحين سأله عن السبب؟ أجاب الشاب: بأنه لا يقرأ ولا يكتب، فقال له: وما الذي منعك من التعليم يابُني؟ فقال: ظروفي العائلية وفاتني قطار التعليم، فقال له: سجِّل نفسك في تعليم الكبار يا بُني ولك مني كل الدعم والمساندة والتفريغ من العمل، فأنت لم تُخلق فراشًا، وبيدك أنت لا بيد غيرك تغيير حياتك نحو الأفضل، وتحديد واقعك واختيار مستقبلك. يقول عبدالله الشيتي امتثل الموظف لنصيحة والدي والتي كانت أقرب إلى التوبيخ والتهديد، والتحق بتعليم الكبار وقطع مراحل فيه، وتدرج وظيفيًا حتى بلغ درجة وكيل وزارة مساعد بإحدى الوزارات بفضل جهده ونصيحة ورعاية والدي ومتابعته له.

نحن في سلطنتنا الحبيبة بحاجة ماسة إلى قاعدة بيانات حيوية وفاعلة لحصر هؤلاء الشباب، وتوجيههم عمليًّا بما يليق بقدراتهم العلمية والبدنية والنفسية وحاجة الوطن لعطاءاتهم وإنتاجيتهم، وقبل كل ذلك تأهيلهم التأهيل اللائق والمناسب لكل شخص، فنحن كدولة عصرية فتية محدودة الموارد وريعية الاقتصاد وتعاني من ضآلة عدد السكان بحاجة ماسة لجهود كل عنصر بشري مواطن للإنتاج في القطاع العام أو الخاص، وبحاجة ماسة أكبر إلى التقليل من الأحمال الوظيفية الثقيلة على كاهل القطاع العام عبر قرارات وإجراءات ذكية تحد من ولوج الشباب اليانع لسوق العمل الطفيلي ومزاولة الأعمال الهامشية والتي في المقابل تستقطب المتقاعد وتروق له؛ كونها أعمالًا خفيفة واختيارية ودخلها مهما بلغ يجبر فروقات راتبه والخصومات التي تسري عليه بفعل التقاعد، وتشعره بالرضا الوظيفي والمعيشي، بعكس طاقات الشباب التي تحمل الكثير والكثير من الطموح والأحلام بواقع ومستقبل أفضل، فيصطدم بتلك الخيارات الشحيحة والقسرية وبمباركة الحكومة والمجتمع بصمتهم، فتتعاظم معاناته ويرتفع منسوب سخطه على الحكومة والمجتمع معًا.

وفي المقابل، علينا ألا نتجاهل الصرامة الموضوعية في اختيار العمالة الوافدة وتطبيق الشروط العملية الصارمة عليها لترفد الاقتصاد وتحقق القيمة المضافة له؛ وذلك بتوفير قاعدة بيانات لحصر أعدادهم ومهنهم وأعمارهم وجنسياتهم مع التنوع الدائم والمتجدد لبلدان المنشأ لتحقيق المنافسة وتحسين جودة الخدمات بفعل قيم التنافسية والشروط الموضوعية والرقابة المرنة والذكية.

وبالشكر تدوم النعم...،

----------------

قبل اللقاء: "كل إنسان في حقيقته إثنان، هو، وما يُمكن أن يكون".

Ali95312606@gmail.com