"روميو وجولييت" (1867) لغونو.. ثيمات العشق والخلاص والتجلّي تجسد التراجيديا الشكسبيرية

 

 

 

شكسبير ألّف "روميو وجولييت" عام 1597 .. و27 أوبرا مستوحاة من المسرحية التراجيدية

معالجات سيموفونية عديدة للمسرحية.. أبرزها "الدرامية" لبرليوز

الطابع الغنائي لموسيقى غونو لم يغفل مشاعر الشوق والشفقة والسُّمو

الحب ينتصر على الكراهية من خلال الموت عبر تحطيم الأعراف والقيود المجتمعية

 

 

 

دكتور ناصر الطائي*

 

"مَا ذلكَ النُّورُ الذّي ينسابُ عَبْرَ النَّافِذَة؟

قُلْ إنَّه المَشْرِقُ لَاحْ

قُلْ إنَّها جُولييتُ، شَمْسُ الصَّبَاحْ"

 

جاء تكليف غونو بكتابة أوبرا "روميو وجولييت" (1867) عقب النجاح الذي حققته أوبرا "فاوست" (1859). قدم غونو بين العملين العديد من الأعمال غير الناجحة، لكن سرعان ما أصبحت "روميو وجولييت" أعظم أعماله وواحدة من أصدق الأعمال الأوبرالية المأخوذة عن مسرحية شكسبير التراجيدية، وعرضًا أساسيًا لا غنى عنه على مسارح الأوبرا الفرنسية. ومما أسهم في نجاح الأوبرا إقامة معرض "Exposition Universelle" في باريس يوم 27 أبريل 1867 حيث توافد الزائرون على المدينة من جميع أنحاء أوروبا، وعرضت الأوبرا في مسارح بيعت تذاكرها بالكامل ليلة تلو الأخرى.

ألّف شكسبير مسرحية "روميو وجولييت" في عام 1597، غير أن موضوع الخصومة المحتدمة بين العائلتين قد شغل أدباء كثيرون تناولوه في أعمالهم، ومن أوائل هؤلاء دانتي في ملحمته "الجحيم". وخلال القرن السادس عشر، انتشرت في أنحاء أوروبا معالجات فرنسية وإنجليزية مختلفة لتلك القصة الإيطالية.

كما ألهمت القصة العديد من المؤلفين الموسيقيين بداية من القرن الثامن عشر الميلادي. وهناك أكثر من 27 أوبرا مستوحاة من هذه التراجيديا، أشهرها أوبرا "روميو وجولييت" (1776) لجيورج بيندا، ونسخة بيلليني بعنوان "عائلة كابوليت وعائلة مونتغيو" (1830). إضافة إلى ذلك، ظهرت معالجات سيمفونية كثيرة للقصة، مثل "السيمفونية الدرامية" لبرليوز (1839)، و"افتتاحية فانتازيا روميو وجولييت" لتشايكوفسكي (1880)، وباليه بروكوفييف (1938)، والمسرحية الغنائية بعنوان "قصة الحي الغربي" لليونارد برنستين (1957).

تهيمن على أوبرا غونو ثيمات العشق والفراق والخلاص وهي ثيمات رومانسية انعكست على اسلوبه الغنائي من حيث التركيز على سوداوية العرض وإبراز دور الأوركسترا في إثراء الدراما مع الاحتفاظ بالأسلوب الغنائي للأوبرا.

موسيقى "روميو وجولييت"

تشتهر موسيقى "روميو وجولييت" لغونو بأربع ثنائيات عشق بين الحبيبين، وهي سمة لم تكن معتادة في حينها. لكن موسيقى غونو تؤكد على ولعه باستخدام الموسيقى الغنائية مع المحتوى الدرامي والديني القوي لإبراز الصراع بين العائلتين المتخاصمتين. نستطيع سماع هذا التوتر في الافتتاحية العاصفة، ومشهد المواجهة الرائع في الفصل الثاني، ومشهد القبر التراجيدي الذي يأتي كنتيجة مُباشرة لهذه الخصومة.

تلخص المقدمة الموسيقية الأحداث الدرامية وتبرزها باستخدام لحن قاتم كئيب يجسد العداوة بين عائلتي "كابوليت" و"مونتغيو". وهذا العداء يفضي في النهاية إلى الموت المأساوي لـ "روميو" و"جولييت" في قصة رومانسية كلاسيكية. ينعكس إحساس الصراع والكآبة في نُذٌر الآلات النحاسية القوية في إشارة إلى المصير الأسود المحتوم للحبيبين. اللحن الافتتاحي تليه "فوغا" تقدم مجموعة من الألحان المتضاربة معًا، لتجسد النزاع والصراع بين عائلتي "كابوليت" و"مونتغيو". ثم يعاود "موتيف" المصير الظهور ليختم المقدمة الموسيقية التي رسمت الآلات النحاسية ملامحها.

تلعب الجوقة دورًا مهمًا في الأحداث الدرامية، كما عودتنا تقاليد الأوبرا الفرنسية في عصر الباروك. فتسرد لنا في الافتتاحية قصة الحب والأمل والمثابرة وتلخص بدون مصاحبة موسيقية القصة التراجيدية لهذين "العاشقين المنحوسين"، وكيف يولد حبهما في الظلام وينبت شغفهما في أرض قاحلة بالرغم من عقود طويلة من الكراهية والعداوة:

المصير المحتوم! العاطفة العمياء!

دفع العاشقان المنحوسان حياتهما الثمن

لتنتهي كراهية استمرت لقرون

وشهدت ميلاد حبهما الطاهر!

 

نشوة الحب

تتميز موسيقى غونو بالانسيابية والطابع الدرامي لتعكس أهم سمات الحركة الرومانسية الفرنسية. بعد دراسة التأليف الموسيقي في روما والتركيز بوجه خاص على الموسيقى الكنسية في القرن السادس عشر، فكر غونو في الانضمام إلى الكهنوت لكنه لم يمض قدمًا في الأمر. ومع ذلك فقد كتب في هذه الفترة مجموعة من أهم الأعمال الدينية، ولعل أبرزها صلاة "السلام عليك يا مريم" الشهيرة (1859). تتجلى هذه اللمسات الدينية في قالب "الفوغا" الافتتاحية والأغنية الكورالية التالية بدون مصاحبة موسيقية.

غير أن مهارة غونو الدرامية الحقيقية تنبع من موسيقاه الغنائية. فهو حريص جدًا على العلاقة بين النص والموسيقى، ويكتب مقاطع موسيقية تصف النص بوضوح تام، بعيدًا عن مبالغات الأسلوب الإيطالي. يعتمد إيقاعه في مجمله على اللحن، مع التوظيف الدرامي الرائع للتوزيع الأوركسترالي واستخدام التآلف الموسيقي للتعبير عن النص.

تعد أغنية "جولييت" المفعمة بالحيوية بعنوان "دعني أعيش في حلمي" المكتوبة بإيقاع الفالس مثالًا جيدًا لألحان غونو الساحرة البهيجة. تظهر حيوية "جولييت" في فقرات "الكولوراتورا" الغنائية والنغمات الرشيقة التي تضفي على الأغنية سحرها وخفتها. "جولييت" فتاة مفعمة بالحياة، تجتاحها مشاعر غامرة، تمنعها من إتمام عباراتها. تجسد هذه الأغنية براءة "جولييت" وعاطفتها الشابة. الأغنية مكتوبة في ثلاثة مقاطع منفردة، لكلٍ منها موضوع مستقل. تتحدث "جولييت" في المقطع الأول عن رغبتها في الحياة والشعور بلذة الحب وروعته، ثم تشرح في المقطع الثاني كيف تنتهي هذه اللذة بسرعة وتختفي السعادة، ثم تعلن في المقطع الثالث عن رغبتها في خوض هذه التجربة واستنشاق عبير الورود قبل الموت.

وفي نهاية الأغنية، تنتصر رغبتها في الحب وتحطم مخاوفها المظلمة الكئيبة التي تحدثت عنها في المقطع الثاني، ليؤكد غونو بذلك على رومانسية "جولييت" وولعها بالوقوع في الحب. تقدم موسيقى غونو الخلفية المثالية للعمل الدرامي من خلال الانتقال من أغنية البداية المشرقة والمليئة بالأمل إلى الأغنية الثنائية الكئيبة الأخيرة مع "روميو" قبل موتهما.

ثنائيات العشق

الأغنية التالية المهمة هي الأغنية الأولى بين ثنائيات العشق الأربع لـ"روميو" و"جولييت". وكما حدث في أوبرا "فالكيري" لفاغنر (1876)، وقع العاشقان في الحب على الفور بعد تبادل نظرة طويلة، وسرعان ما تولدت بينهما مشاعر فورية قوية ومتبادلة. تعتمد الأغنية الثنائية الأولى على مصاحبة موسيقية تشبه "الأربيجيو" في النغمات المتصاعدة للإشارة إلى حميمية المشاعر التي يكّنها كلٌ منهما للآخر. يقاطع الأغنية الثنائية ابن عم "جولييت" الشاب "تيبالت" الذي يتعرف على "روميو" ويعترض على وجوده. يقوم "الكونت كابوليت" بمنع "تيبالت" من ارتكاب أي تصرف أهوج، ويمنح "روميو" وأصدقاءه فرصة المغادرة في سلام، قبل أن تعاود موسيقى الفالس البهيجة العزف من جديد. نلاحظ أن الأغنية الثنائية متحفظة بوجه عام، لتعكس الطابع الرسمي للقاء العاشقين الأول في مسرحية شكسبير.

نسمع ثنائي العشق الثاني في مشهد الشرفة الشهير. يتسلل "روميو" إلى حديقة عائلة "كابوليت" ويغني "الكافاتينا" الشهيرة "هَيَّا اسْطَعِي يا شَمْسِي الجَمِيلَة" في تآلفات كروماتية تنازلية تعكس صورة نجم المساء المتلاشي. إنها أغنية مليئة بالأحاسيس تجسد حماس "روميو" وقدرته على الحب والعطاء.

تطل "جولييت" من الشرفة، فيظهر "روميو" ويعترف لها بحبه. ومرة أخرى تتعرض هذه اللحظة العاطفية الجياشة للمقاطعة بفاصل كوميدي عندما يركض "جريجوري" وغيره من خدم عائلة "كابوليت" في أرجاء الحديقة. يخرج "روميو" من مخبئه وينشد الثنائي أغنيتهما الثانية "يَا لَيْلَة بَدِيعَة مُبَارَكَة" التي يتبادلان فيها عهود الحب والوفاء. يبدأ "روميو" الثنائي بعاطفة متقدة:

 

يا لَيْلَة بَدِيعَة مُبَارَكَة!

لَشَدَّ مَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ

ما أَرَى مَنَاماً مِنْ رُؤَى اللَّيْلِ الرَّقِيقَة

فَفِي جَمَالِه عُذُوبَةٌ تُقْصِيهِ عَنْ دُنْيَا الحَقِيقَة!

 

فتؤكد "جولييت" رغبتها في الزواج من "روميو" لكنها تحذّره في لحظة السعادة الغامرة ألا يحاول رؤيتها مرة أخرى إن لم يكن جادًا في حبه. يؤكد لها "روميو" صدق مشاعره التي استطاعت أن تضيء السماوات. تقاطع "جيرترود" الثنائي لفترة وجيزة، ومن ثم يتابع العاشقان أغنيتهما ويقدمان "الكاباليتا" الأخيرة "أَوَدُّ أَنْ تَمْضِي وَلَكِنْ دُونَ أَنْ تَبْعُدْ" التي تمتد معها لحظة الوداع والفراق.

بعد أن تدخل "جولييت"، يغرق "روميو" في السعادة والنشوة، ويظل يستعيد كل لحظة على أنغام تآلفات تنازلية وكأنما توقف الزمن ولم يعد يتحرك، لكن الموسيقى تتلاشى تدريجيًا لتحاكي صورة النجوم المتلاشية في الكون. يدرك غونو حساسية وقوة اللحظة، فيكتب أروع مقطوعات الموسيقى الغنائية، ليضفي على الأغنية الثنائية طابع الهدوء والصفاء والسلام والعاطفة.

نستمع إلى ثنائي العشق الثالث في الفصل الثالث. إنها ليلة زواج "روميو" و"جولييت"، وتبدأ الأغنية بمقدمة معبّرة على آلات التشيلو لخلق أجواء رائعة من الرقة والحميمية. يبدأ أول مقطع من الأغنية الثنائية بإعلان "جولييت" الصفح عن "روميو" لأنه قتل ابن عمها قائلة: "أنا أصفح عنك"، في حين تتحول الموسيقى في المقطع الثاني إلى أنغام عاطفية تتماشى مع غناء "روميو" و"جولييت" المتآلف بمصاحبة أصوات الوتريات النابضة لتحاكي صوت نبض قلبيهما. ثم نسمع أغنية "يا ليلة الزفاف".

يا ليلة الزفاف!

يا ليلة العشق العذبة!

مصيري مرتبط بك إلى الأبد

يا متعة الحياة الخالصة

يا كل مفاتن الحياة!

نظرة واحدة منك تملؤني نشوة

ويشبع صوتك كل حواسي

قبلة حارة واحدة منك

تضيء الكون بداخلي.

 

يعلن صوت القبّرة بزوغ الفجر ويشرع "روميو" في الرحيل، لكن "جولييت" تتوسل إليه أن يبقى لفترة أطول. وأخيرًا ما يدركان حقيقة الوضع، ويفترقان أثناء إنشاد "كاباليتا" أخيرة "هَيّا إِلَى الرَحِيل" مع صوت هاجس المصير المشؤوم الذي يجبرهما على حتمية الفراق.

الثنائية الأخيرة

في الثنائية الأخيرة، تستلقي "جولييت" في مقبرة عائلة "كابوليت"، وتعود الموسيقى إلى عزف ألحان سابقة. تتسم موسيقى مشهد القبر بالحنين إلى الماضي، فنلاحظ أنها تستعير عبارات من ثنائيات سابقة، كما لو كانت تحاول عبثًا أن تستعيد ذكريات الماضي السعيد. تهدف المقدمة الرقيقة على الآلات الموسيقية إلى الإشارة إلى حالة "جولييت" الساكنة الملقاة بلا حراك. يظن "روميو" أنها ماتت، ويدخل القبر ليراها للمرة الأخيرة، فينشد أغنية "التحية أيها القبر القاتم الصامت"، ويعانق "جولييت" عناق الوداع قبل أن يتجرع السم. لكن "جولييت" تفيق ببطء وتبدو عليها دلائل الحياة. يتعانق العاشقان بشغف وينشدان "هيا بنا نهرب إلى آخر الأرض!":

هيا بنا نهرب إلى آخر الأرض!

هيا بنا نسعد

دعنا نهرب سويًا

إله الخير!

إله الرحمة!

تَقَدّسَ اسمكَ على لسان قلبين سعيدين!

 

في المقطع الأخير من الأغنية الثنائية، يغني "روميو" عن قوة الحب؛ الحب الذي يتخطى كل الصعاب، الحب الذي يسمو فوق كل شيء، الحب الذي يُحرر الأرواح من القيود ويصل إلى المطلق:

هوّن عليك يا قلبي المسكين

كان حلمًا أجمل من أن يكون حقيقة!

شرارة الحب السماوية

تستطيع تجاوز حتى القبر!

فهي تدحرج الحجر

وببركة الملائكة

كموجة ضوء مشرقة

تسبح في فضاء اللانهاية

 

يمر "روميو" بحالة من الهذيان والهلوسة، يستعيد فيها مقاطع من الأغنية الثنائية الثالثة وهما في فورة عاطفتهما ويرفضان الإقرار ببزوغ الفجر حتى يطول ليلهما. لكن لحظة التذكر الشجية مظلمة وكئيبة. ثم يعود "روميو" إلى عبارة "لَمْ يَقْتَرِبْ بَعْدُ النَّهَارُ! فَقَدْ كَانَ ذَاكَ صَوْتُ بُلْبُلٍ وَلَيْسَ قُبَّرَة" من ثنائيتهما الثالثة التي يغنيها هذه المرة بيأس وأسى وألم.

عندما تدرك "جولييت" ما فعله "روميو" بنفسه، تطعن نفسها بخنجر لتموت معه. وحينها فقط تستطيع الشعور بقوة اللحظة، وبالفرحة الغامرة والسعادة الأبدية. يطلب العاشقان المحتضران الصفح من السماء، ويقترب كل منهما من الآخر بحرارة ليحظى بقبلة أخيرة؛ قبلة تأخذهما إلى المطلق؛ قبلة تسمو بهما وتمنحهما حياة ثانية أفضل. يموت "روميو" وتموت "جولييت" بين أحضان أحدهما الآخر، ليتركا هذا الجسد الفاني على الأرض، وتحلق قلوبهما نحو السماء والنعيم الأبدي.

 

***

تعد أوبرا "روميو وجولييت" لغونو – إلى جانب أوبرا "عطيل" لفيردي (1887) – إحدى أعظم الأعمال الأوبرالية المستوحاة من مسرحيات شكسبير. افتتن المؤلفون منذ القرن الثامن عشر بالقصة المأساوية لهذين العاشقين اللذين وقعا فريسة الخلافات والصراعات العائلية. لا شك أن استمرار القصة على مدار القرون يثبت قدرة الأوبرا الخالدة على تجسيد أقوى مشاعرنا وأحاسيسنا وأحلامنا وطموحاتنا.

تثبت ثنائيات العشق الأربعة تفوّق غونو ومهارته الموسيقية غير المسبوقة التي تتسم بالجمال والرقي، لتكون أفضل تجسيد لتقاليد الأوبرا الفرنسية الرومانسية ذات المحتوى الدرامي والتوزيع الأوركسترالي الغني. بصمة غونو المميزة مزيج من الموسيقى الغنائية والعاطفة مع إشارات واضحة إلى فكرة الاستسلام، وهو الأسلوب الذي اكتسبه مبكرًا أثناء دراسته في معهد موسيقى باريس.

لكن بالرغم من الطابع الغنائي الذي يميز موسيقى غونو، نجدها غارقة في مشاعر الشوق والشفقة والسكينة والسمو التي لا يمكن الوصول إليها سوى بالموت. في ثنائي العشق الأخير، تسهم استعادة لحظات السعادة الماضية المؤقتة في التأكيد على حتمية الفراق وضرورة انفصال العاشقين. بانتحار "جولييت" في أوبرا غونو، تلحق ببطلات عديدات سابقات لها مثل "جيلدا" و"عايدة" و"إيزولد" اللاتي قمن بالتضحية بأرواحهن من أجل الحب. تلتقي "جولييت" بحبيبها "روميو" وتحلق روحها في سعادة أبدية تسمو بها فوق كل الحدود والقيود. لقد استطاع حبهما أن ينتصر على الكراهية، وسينمو ويزدهر في عالم آخر أسمى من عالمنا الفاني.

قوة عاطفة "روميو" و"جولييت" هي قوة القدر ذاتها؛ القوة الغامرة التي تحطم كل الأسوار والأعراف؛ القوة التي تسمو فوق مشاعر الكراهية والانتقام والتعصب؛ القوة التي لا تصل إلى ذروتها سوى بالموت.

يحيط العنف في هذه الدراما بالحب من كل اتجاه، ويخنقه بالكراهية والتعصب. تدفعنا هذه الأوبرا للنظر إلى الحب والكراهية كوجهين لعملة واحدة، وتجليان لإنسانيتنا. فعلى سبيل المثال عندما يقع "روميو" في غرام "جولييت"، يتعرف عليه "تيبالت" ويقسم أن يقتله، وعلى الفور يحل العنف محل العشق. وفي حين يهيم "روميو" في الحب، تتآكل "تيبالت" الرغبة في الانتقام.

غير أن الحب في النهاية ينتصر على الكراهية من خلال الموت؛ فالموت وحده قادر على تحطيم كل الأعراف والقيود الشكلية لمجتمعنا الدنيوي. يسيطر القدر على مصير العاشقين المنحوسين اللذين لا يستطيعان تغيير قوة القدر على هذه الأرض، لكنهما استطاعا تجاوزها والحصول على الخلاص في النهاية!

وحده الموت يجمع الآن بين "روميو" و"جولييت" دون قيود وإلى الأبد!

 

 

 

 

*مستشار مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط

تعليق عبر الفيس بوك