ما بَيْن التخصُّص والموهبة

 

 

فاطمة السليمانيَّة *

لطالما تساءل الكثير من الطلاب: "هل أدرس ما أحب أم ما يتطلبه سوق العمل؟"، ولطالما تدخلت الكثير من الأطراف في اختيار الواحد منا. كلٌّ يدلي بدلوه ويشارك تجربته في الحياة.. لأقص لكم تجربتي في هذا السياق.

خمس سنوات من حياتي الجامعية قضيتها بين ما قرَّرت أن أدرُسٓه لأني أحبه، وبين مجال أحببته كهواية.

درست الأدب الأنجليزي بعد أن حولت من قسم الإعلام بالجامعة في سنتي الأولى، كنت وما زلت أحب الأدب، مرت الفصول على مهل، وأنا أغوص في بحار الأدب الإنجليزي من لغويات وأدب واجتماعيات وترجمة...وغيرها الكثير مما يرتبط باللغة مباشرة وغيره مما يأثر أو يتأثر باللغة. وفي فترة غوصي هذه غيَّرت مساري قليلا عندما اكتشفت بحرا آخر أحسست فيه بحرية ومتعة أكثر ربما لأن كل ما فيه خيار لا إجبار.

دخلتُ إحدى الجماعات الطلابية في سنتي الثانية، وأكملت معها 4 سنوات من حياتي الجامعية اكتشفت فيها حقا ماذا أحب وما أبرع فيه. كنت أتابع الأنشطة المختلفة بعين الفاحص من بعيد وقررت الدخول في جماعة التصوير بعد أن تابعت أنشطتها من بعيد لمدة عام كامل، لم أكن تلك التي تبرع في التصوير كثيرا، ولكن كنت أجد فيه فناً جميلا ورسالة أجمل، كنت أنظر من بعيد وأحضر كل الورش والمحاضرات وكأنها ضمن خطتي الدراسية، ولكن بتمهل كنت أجد لنفسي مكانًا هناك أستطيع أن أبدع فيه، بدأت أستجمع شجاعتي رويدا رويدا وبدأت الخوض في نقاشات وأسئلة، ثم بدأت أخطِّط معهم وأكتشف عالماً عائليا أجمل مختلفا عن جو الدراسة.. عالم تجد فيه صحباً من كل الكليات ومن مختلف الثقافات يتشاركون حب الفن والصورة. لست هنا لأمتدح جماعتي التي أحببتها جدا، ولكن تجربتي هذه وأنا على يقينٍ من الأمر هو ما أحسه كثيرون.

أصبحتُ مسؤولة عن إحدى اللجان التي كانت تعمل ضمن أسبوع التصوير الذي تقيمه الجامعة اكتشفت فيه مقداراً كبيرا من شخصيتي التي لم أعرفها كثيرا، ثم بدأت أخوض في الأمر أكثر وأستكشف أعمالا ومهام أكثر. وما بين فترات ركود ونشاط أصبحت رئيسة للجماعة، كانت المتعة شديدة كشيكولاته ساخنة تحتسيها في الشتاء فتحس بدفء بجانب ذلك الطعم الرائع. تعاملت مع الكثيرين وتعرفت على آخرين، كوَّنت حلقة كبيرة من المعارف ممن أشكر الفرصة والحظ الجميل على تعرفي بهم، وتشاركت مع زملاء كثر حب العمل والإنجاز.

وتشاركت مع عائلة إدارية أهدافا جميلة ونتاجا أجمل، ومن بين كل تلك الأمور وغيرها أحسست بنشوة الإنجاز ومتعة العمل.

لنعد للتخصص الآن، ذاك المسند الذي نتَّكئ عليه لكثير من الأحلام والطموحات؛ الفهم الخاطئ لفكرة أن العمل لن يكون إلا بالتخصص الذي درسناه هو ما منع الكثير من الطلاب من اكتشاف مواهبهم أو لنقل الاشتراك ضمن جماعات طلابية خوفا من أن يبعد ذلك تركيزهم عن الدراسة.

فللموهبة جزء كبير من شخصياتنا وداعم كبير لكثير من الأمور؛ قد تكتشف مواهبك ضمن جماعة ما فلا تتردد.. أعط كل ذي حقٍّ حقه.

لكل أمر نواحٍ إيجابية وسلبية.. الخوف من أن نفقد تركيزنا أمر طبيعي وقد يحدث كثيرا، وللأمانة هناك من تأثروا بذلك، ولكن لا يمكن القول بأنَّ جماعة طلابية هي السبب ولكن نحن أنفسنا السبب.

نحن من نقرر لماذا وكيف للموضوع أن يكون، نحن من نوجِّه الأمر باختيارنا، فإنْ أردت أن يأخذ كل وقتك استطعت، وإن أردت أن تتزن في الأمر استطعت كذلك.. كل ما نريد هو صنع أيدينا ورغباتنا.

خلاصة الأمر: اكتشف دائما ما تحب، فنحن نعيش بما نحب. لا تجعل من الأمر همًّا، جرِّب واستمتع.

* مساعد باحث

تعليق عبر الفيس بوك