محمد بن رضا اللواتي
هي ذي "سلطنة عُمان" مرةً بعد مرةٍ، تُبرهن للعالم أنّها بلدُ "الأمن" و "السَّلام" العَالميين، وهذه المرَّة بتصنيف "معهد الاقتصاد والسَّلام" الذي منحها درجة "الصفر" في المُؤشِّر العَالمي للإرهاب، وهي درجة تُمثل "ذروة الأمان" من التَّهديدات الإرهابية، وما عاد اليوم في ذلك من تعجبٍ، ليس فحسب لأنَّها كانت قد وقعت على الاتِّفاقية الدولية لمنع تمويل "الإرهاب"، إذ كم من دولٍ سبقتها في ذلك ومع هذا، لم تستطع تجنُب المرور في معبر الإرهاب الزَّلِق.
تفوق السلطنة الحقيقي – وفق أغلب المُحللين الذين علقوا على خبر حصولها على درجة "الصفر" تلك - بجانب الالتزام التَّام بمضمون الاتفاقية الدولية المشار إليها، تمثل في دعم حكومتها، دعمًا مطلقاً، لوحدة النسيج الاجتماعي الذي أسسته على أساس المواطنة والسلام والوئام، ونبذ التَّفرقة الطائفية.
لقد كان بعض أولئك المحللين ينوهون لقرائهم، حتى يلتمس أولئك القراء حجم أهمية ما يكتُبه هؤلاء المحللين عن "عُمان"، بأنّهم يتحدثون عن بلدٍ مساحته تقارب مساحة بلد "كإيطاليا"، وكثافته السكانية تزيد عن أغلب جيرانه من دول المنطقة، بلد يتميَّز بتعددٍ مذهبي وعرقي وقبلي مُذهل، ومع هذا فقد بات بهذا التنوع والثراء، ذا لُحمة اجتماعية، لا يُعرف لها نظير، في منطقة تنزهت آلة الحرب فيها على مدى أعوام – ولا تزال – أحرقت الأخضر واليابس، إلا أنَّ هذا البلد – سلطنة عُمان – نأى بنفسه عن أن يخرج قيد أنملة عن سياساته الحكيمة تجاه دورها العالمي في التَّلويح براية السلام المُستديم في جميع الظروف وحتى في أحلك الأوقات التي ألحت فيها طبول الحرب على أن تٌقرع على حدودها، وعملت بعض الأيادي جاهدة على جرجرتها في قاع الحروب بالوكالة.
لقد أحدث سعيها الأخير والذي انتهى بنجاح، في إطلاق مجموعة من آسارى الحرب من مواطني مجلس التعاون، ذهولا لدى جمع كبير من المُغردين الذين كانوا يصفونها ببلد "يغرد خارج السرب" تارة، و"بالخنجر في خاصرة مجلس التعاون" أخرى، وإذا بتغريدات تزقزق من رماد النيران التي همدت بفعل سياسة هذا البلد الخارجية الحكيمة تقول:
- "مهما بغينا نكابر ونتَّهم عمان.. تجينا عُمان وترد علينا بأخلاق العمانيين".. شبل الدمام.
- "العمانيون من أكثر شعوب الخليج أخلاقاً لم أشاهدهم في التويتر يشتمون أحدًا.. يا أهل عُمان اصبروا على سفهائنا".. العتيبي.
- "أقسم بالله أهل عمان أرقى شعب عربي خليجي.. والدليل ياخي دايم مالهم حس إلا بوقت الفزعات والأمور الغانمة جعلني فدوة لهم. علي زيدان.
- "إنّها حكمة السُّلطان قابوس وحكمة أهل عمان يكفي ما قاله الرسول عن عُمان، تسلم عُمان ويسلم سلطانها قابوس حكيم دولة وحكيم شعب. أبو راكان.
- "أتعبتيني يا عُمان بعدم حسن الظن بك ولكن في كل مرة تصفعينني بنقاء سريرتك قيادة وحكومة وشعباً. أرفع العقال إجلالاً لكم.. د. يعقوب.
أرجح أن يكون جمع من أصحاب تلك التغريدات ممن شاركوا "جورج قرداحي" في استفتائه عبر التويتر الذي يطالب فيه متابعيه باختيار الدولة التي يتمنون العيش فيها، أو هكذا يُخيل لي، وسواء أكانوا أم لم يكونوا، فقد كانت نتائج المشاركات مذهلة حقًا، فقد شارك فيه خمسة وعشرين ألف شخص، سبعون بالمئة منهم اختاروا "سلطنة عمان" لكي يعيشوا فيها!.
"عمان" إذن هي الاختيار الأول، فما الذي وجدوه فيها حتى تمنوا أن يكونوا في كنفها يا تُرى؟ لا شك في أنّ نعمة الأمن والأمان، في ظل مجتمع يؤمن بالوئام والتسامح الحقيقيين كان الجاذب الأكبر لأولئك.
يُدرك العمانيون اليوم، كما لم يدركوا من قبل، أنّ "حاسدي النعم" لا يُريدونهم أن ينفردوا بهذه الخصلة الثمينة والنادرة طويلاً. ولعل أعظم تحدٍ لهم اليوم هو أن يحافظوا على تميزهم هذا الذي بات المانع الوحيد في عدم وصف العرب "بالمتوحشين" وفق قول الإعلامي القدير "أبو زكريا".
وإلا، فما تفسير أن تقبل صحيفة تُعد بأنها إحدى أهم الصحف العربية المرموقة، أعني "الحياة" السعودية والتي تتخذ من عاصمة الضباب مقرًا لها، أقول ما تفسير قبولها بأن تتدحرج من مكانتها إلى قاع اللا مهنية والكذب الرخيص، بنشر خبر في عددها الصادر صباح الإثنين بتاريخ 18 سبتمبر 2016، زعمت فيه أنّ "شاحنات تم ضبطها تنقل ذخيرة حيّة للحوثيين تحمل أرقامًا عمانية"؟
ما عساه أن يكون تفسيرًا لهذا اللون من الإخفاق المتعمد غير تشويه سمعة بلد فشلت كل محاولات جرجرته إلى وحول الفتن الطائفية؟.
يُدرك العمانييون، أنّهم محسودون على هذه النعمة الفريدة، والتي كانت السبب في أن يتمنى 70% من العرب من 25 ألفاً أن يكونوا من قاطنيها، ولا يستبعد – العمانيون- أن محاولات جرهم إلى التخلي عن معلمهم الحضاري الفذ هذا قد تُوقع، في بعض الأحيان، بعضاً من بني وطنهم في فخاخها، إلا أنَّ مثل هذا الوقوع المؤدي إلى صدور شحطات غير حميدة منهم، لن يضر بطبيعتهم، بل ستعمل الأفخاخ بأنواعها على ازدياد تشبثهم بخصوصياتهم التاريخية العريقة. بالطبع، هذا الفهم لوحده ليس سدًا بدرجة كافية من المناعة، ما لم تتحول "المواطنة" كمبدأ إلى "حالة تعليمية وتربوية" و"ثقافية" أصيلة. وبالطبيعة الوصف هذا، تتحمل المؤسسات العلمية والتربوية والثقافية عبء القيام به ليكون رافداً فكريًا وسلوكياً للأجيال القادمة.
يبقى المجتمع العماني ينتمي لتراب يتجذر في العراقة إلى وقت موغل جداً في القدم ولن تدفعه رياح الفتن عن قيمه وأخلاقه بعيدًا كما يتمنى أولئك الذي يرتعون في درجات بعيدة كل البعد عن درجة "الصفر" الممنوحة لهذا البلد العريق.