استمروا في القلق

 

 

مدرين المكتومية

كُنتُ أظنُ أنَّ القلقَ أمر يُلازمني وحدي، ويظلُ رفيق كل محطاتي وخطواتي حتى تبادر إلى ذهني توجيه سؤال لمن هم حولي من الأصدقاء والزملاء والأحبة حول الوقت الذي يراودهم فيه القلق...؟. فكانت المفأجاة أنَّ إجابة السؤال كانت على وتيرة واحدة وهي أنّهم جميعاً في حالة قلق دائمة، الأمر الذي دعاني لتوجيه تساؤلات كثيرة حول الأسباب وارتباط القلق بالخوف، فكانت نتائج الإجابات هي أنّ القلق سمة الإنسان الذي يستعجل المجهول ليعرفه، والذي يبحث عن إجابات حول مستقبله وما يخبؤه له القدر، فكيف يقاس القلق...؟. ليت هنالك مقياس يسمى "قلقو أميتر" لنكتشف به حركة وسكون من حولنا.

القلق يأتي للإنسان حين تختلط عليه الأشياء، حيث يكون سؤاله الدائم "ماذا أريد" فهو سؤال كبير وفضفاض لا توجد له إجابة معينة عند الذي يسمونه بالقَلِق، على الرغم من جمال القلق إلا أنّه يُصيب الإنسان بالتعب والجهد، خاصة إن تعلق ذلك الشعور بأمر مصيري يرتبط بتحديد مسار حياة ونقطة تحول معينة يمر بها الشخص، وهو عبارة عن إخراج مكامن الإنسان فالقلق دائمًا ما يكون في تربية الأبناء والحصول على الرزق أو الشروع في تكوين أسرة وزواج واعتراف ومصارحة بعلاقة حب، فجميعها أمور خارجة عن نطاق الإرادة، فعلى الرغم من كمية الأشياء التي تقلق ساعات وأيام الشخص إلا أن من يتحكم بها في نهاية المطاف هو ربُ العالمين.

ففي الحياة التي نحياها نحن نتعامل مع نوعين من القلق قد نطلق عليهما القلق الإيجابي والآخر السلبي حيث إن القلق في مجمله هو شعور يُلازمنا في مختلف منعطفات حياتنا خاصة لدى الشروع في حياة جديدة، أو الانتقال من مرحلة لأخرى، أو حتى عند مهمات العمل، وهو أمر طبيعي خاصة وأنّ الشخص فيها يعلم جدياً أنه مقبل على شيء جديد وعليه أن ينجح فيه مهما كان الثمن، وفي أحيان أخرى يكون القلق رفيق السفر أو رفيق حلم مزعج، أو حتى مع لقاء أشخاص جدد، ولكن سرعان ما ينتهي بمجرد مرور الوقت.

لا يُصنف القلق على أنه طريق للفشل، بل هو طريق الناجحين في الحياة، فالامتاع الحقيقي لدى الكثيرين وفي الحياة بتقلباتها يكمن في "القلق" فهو ما يخفي وراه إبداع لم يكشف صاحبه بل يتمتع به الآخرون الذين يستمتعون بالقلق كعازف نوتة موسيقية وككاتب رواية غزلية بإحساس مرهف، فكما قالت مستغانمي: "لا تبالغ في القلق على شيء، القلق نفسه قد يضرّك أكثر من الشيء الذي قلقت منه". يمكننا القول: القلقون مميزون كون الحاضر لم يعجبهم ويتطلعون للمستقبل وكل هذه الضغوطات والحركات والسكنات تخرج على شكل إبداع.

وهناك أكثر من تعريف وزاوية للقلق فقد عرفه ويكبيديا بأنّه حالة مزاجية موجهة نحو المستقبل وفيه يكون الشخص على استعداد لمحاولة التَّعامل مع الأحداث السلبية القادمة، مما يوحي بأنَّ ذلك هو التمييز بين الأخطار المستقبلية مقابل الأخطار الحالية الذي يفرق بين القلق والخوف، كما أنها حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تضافر عناصر إدراكية، وجسدية، وسلوكية، لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح، والخوف، أو التردد، وغالباً ما يكون القلق مصحوباً بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الارتياح مثل الحركة بخطوات ثابتة ذهاباً وإياباً، أو أعراض جسدية، أو الاجترار.

وفي كل الأحوال القلق يخلق للإنسان أفكاراً كثيرة ويجعله في حالة تفكير دائم فيما قدَّم وأخَّر، وفيما سيكون ورحل، وفيما عليه وله، ولكن كثرة القلق قد تصل بالشخص لطريق مسدود وإلى وسواس دائم يجلب وراه الكثير من الأمراض النفسية وقد يقوده للجنون، وفي الوقت نفسه قد يكون هو نفسه حالة حب يعبر عنها بالحركة، وحالة من النجاح تحتاج إلى بذل جهد للوصول للقمة.

 

madreen@alroya.info