خالد بن علي الخوالدي
كتبت الأسبوع الماضي مقال بعنوان (حشرها قريب) تطرقت فيه إلى قضية من أهم القضايا التي يُعاني منها المجتمع وهي قضية المبالغة في مهور الزواج وتبعاته والفشرة والبطرة التي ما أنزل الله بها من سلطان، لتكون النهاية مؤلمة ويكون ضحيتها الشباب من الجنسين، واليوم وكما وعدتكم سأتناول بعض التصرفات والعادات الغريبة التي تحدث في احتفالاتنا بالزفاف والتي لم تكن موجودة عندنا إلا في السنوات القليلة الماضية.
إنّ ما نسمعه اليوم عن حفلات الزفاف يشيب له رأس الصغير ويُدمي القلب، ويُعلن أنّ القادم سيكون أدهى وأمر واذكروا كلامي جميعاً أيها الآباء والأمهات والرجال والنساء، فقد بدأت مسيرة التغيير رويداً رويدًا حيث كان الاحتفال يتم في منزل العائلة بحضور العريس والعروس وأهلهما، ثم بدأ يكبر إلى إقامة هذه الحفلات في الخيام المُكيفة الصغيرة ثم الكبيرة ثم الملكية ثم انتقل إلى القاعات المجهزة ثم انتقل الآن إلى قاعات الفنادق لأنّها أكثر تكلفة وأكثر شهرة، ولم يقف الأمر عند هذا فقد استفحل الأمر وخرج خارج السيطرة، نعم لقد خرج خارج السيطرة حيث نسمع بأن حفلات الزواج يدخل فيها المعرس بكامل أناقته ووسامته متزيناً بالملابس التي تجعله يجذب العيون والقلوب والأفئدة ويحضر وسط أعين المئات من النساء الغريبات عليه، ومن ضمن هذه المئات البنت الصغيرة التي لم تتجاوز الحلم والبنت التي في سن التأثر وغير المتزوجات اللواتي يبحثن عن فارس أحلامهن وربما يجذبهن الفارس الذي أمامهن فيعملن خططهن للإطاحة به مستقبلاً فلا تستغربوا شيئاً فهذا حدث وسيحدث إذا ما استمرت هذه التصرفات الخاطئة، ومن ضمن المئات نساء متزوجات ولا يملك أزواجهن وسامة من يقف أمامهن ولا يملك كشخة من يقف يشرب عروسته أشهى المشروبات ويقطع الكعكة بثقة الملوك كما أن بعضهن لديها مشاكل زوجية وأسرية فتنظر إلى الشاب الوسيم نظرة أخرى، وهناك المتزوجات اللاتي لا بين هذا ولا ذاك فقط تنتظر ولن تخرج من الحفل البهيج إلا برؤية البطل الهمام ولا أدري السبب والمبرر فوجودهن جميعًا أثناء دخول المعرس لا ينفع في شيء وله مئات من المضار، وزاد الطين بلة وفي تطور خطير أصبح يدخل مكان تجمع النساء والد العروس وإخوتها وأعمامها وأخوالها، بل يزفها إخوانها إلى كرسي العرش (الكوشة) في تحدٍ صارخ لقيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وبعد دخول المعرس يحدث من الأفلام المكسيكية والتركية ما يحدث ففي بعض الاحتفالات المتطورة يحتضن المعرس عروسته ويقبلها أمام الحضور، والمعرس يتنعم برؤية الجميلات اللاتي يحضرن الحفل وحدث أنّ معرسًا ترك عروسته وطلقها لأنّه أعجب بأخرى ممن حضرن حفل زواجه السابق، وهناك من النساء من ترجع إلى البيت وتخلق مشاكل مع زوجها لأنها ترغب بما رأت، أما التصوير ومشاكله فحدِّث ولا حرج.
وربما يحدث ما هو أخطر من ذلك في قادم الأيام، الأمر الذي يجعلني أتساءل أين الرجولة والغيرة والنخوة والشهامة فينا جميعاً، أما يحرك هذا فينا الشعور بأنّ انتشار مثل هذه التصرفات يؤدي إلى عقاب شديد من الله سبحانه وبأن حشرها قريب ليس كلمة بل معنى فالله سبحانه وتعالى يقول: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).
إن العادات العمانية الأصيلة رسمت خطوطاً واضحة للفرح والاحتفال به، وإن كان الزمان تطور فعلينا أن نتطور معه بالأسلوب والكيفية التي تتناسب مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأنا شخصياً مع الاحتفال وإشهار الزواج ونشر وتعميم الفرح في قلوب الجميع على ألا يطغى جانب على جانب ولا تكون هناك مبالغة ولا هدم للقيم والأخلاق التي تربينا عليها، فيمكن أن تحتفل النساء في أي قاعة أو موقع ساتر لساعات ويفرحن مع العروس وحين وقت دخول المعرس لا يسمح بمكوث النساء إلا أهل المعرس المقربين من الدرجة الأولى وأهل العروس من الدرجة الأولى ويحتفلوا بطريقة حضارية تتناسب والأخلاق الإسلامية التي تربينا عليها، والرجال يحتفلون بالمعرس من خلال إقامة الفنون العُمانية التقليدية كالرزحة والعازي وغيرها من الفنون التي تجعلهم يفرحون ويُسجلون تاريخ فرح حقيقي لا كما يحصل في كثير من الأفراح التي هي في الأصل تقليد أعمى لحضارات وعادات وتقاليد بعيدة كل البُعد عن ما يتماشى والأخلاق الرائعة التي جبلنا عليها في السلطنة، وعلى المجتمع والمؤثرين فيه أن تكون لهم كلمة الفصل والحزم في هذا الأمر قبل فوات الأوان، ودمتم ودامت عُمان بخير.