عبيدلي العبيدلي
تبدو المسافة التي تبعد المشهد السياسي البحريني عن انتخابات العام 2018 للمجلس النيابي طويلة بالمقياس الزمني المحض، لكنها قريبة من المنظور السياسي العملي، نظرا لما تتطلبه عملية المشاركة، أو حتى المقاطعة من جهود مضنية ومرهقة من القوى السياسية بفئتيها المتعارضتين: المشاركة والمقاطعة.
يزداد المشهد الانتخابي البحريني تعقيدا والطريق نحو صناديق الاقتراع قصرا، بصرف النظر عن المشاركة أو المقاطعة، بفضل الظروف الراهنة والمتوقعة التي يمكن رسم أهم معالمها في نطاق أضلاع إطار شكلها الخماسي التالي:
1- استقرار الأوضاع الإقليمية على النحو التي هي عليه، بالمقياس النوعي. فمن غير المحتمل أن تشهد الأوضاع السياسية العربية تغييرات نوعية تكون لها انعكاسات، سلبية أو إيجابية، مباشرة أو غير مباشرة على سير الأحداث في البحرين. فما أسفرت عنه المباحثات الماراثونية في الساحات الملتهبة مثل سوريا واليمن، بل وحتى ليبيا، جميعها تنذر باستمرار الأوضاع على النحو الراهن، فيما بعض تبديلات تجميلية لن تكون قادرة على إحداث تحولات نوعية على أرض الواقع. ومن ثم فمن ربط مصير حركته السياسية فوق مسرح الأحداث البحريني بما يمكن أن تعرفه الأوضاع الإقليمية من تحولات، سيصدم عندما تداهمه متطلبات الانتخابات، مشاركة أو مقاطعة، دون أي إضافة حقيقية من العوامل الإقليمية.
2- على نحو مواز ستواصل مكونات المشهد السياسي البحريني احتفاظها بالحيز الذي تحتله حاليا، دون تغيير يذكر على سلوك أي منها، من شأنه أن يعيد توزيع موازين القوى وفق معادلة جديدة، أو يغير من مساحات هوامش إطارات الحركة المتاحة للعمل السياسي. فستواصل الأوضاع مشيتها التي لن تفوق سرعتها سرعة السلحفاة، الأمر الذي من شأنه، بخلاف ما يتوهم البعض، تقريب لحظة استحقاقات المجلس النيابي، دون أن يقلص مسافة الاستعدادات منها..
3- تقارب سحب اليأس الذي تشوبه مسحة واضحة من الإحباط في سماء صفوف الجمعيات السياسية كافة، دون تمييز بين أي منها، سواء تلك التي سوف تشارك أو تلك التي تقاطع. وبالمقياس نفسه، سواء تلك التي تتصدر الشارع الشيعي، أو نظيرتها التي تحاول أن تقود الشارع السني. بدت أعراض تقارب هذه السحب القائم على اليأس المشوب بالإحباط، واضحة، سواء اعترفت بها تلك الجمعيات أم حرصت على تمويهها، وتتمظهر في سلوك يقترب من عدم المبالاة، بغض النظر عن الجهود التي تبذل وراء الكواليس وفي مطابخ العمل السياسي.
4- غياب واضح، ليس هناك من يملك حق توجيه اللوم لأحد بشأنه، لتيار مدني واضح المعالم، يملك الجرأة والمقومات التي تؤهله لقيادة الشارع السياسي، بغض النظر عن الموقف من الانتخابات. هذا الواقع المهمش للتيار المدني، حصيلة تراكمات كمية ونوعية، ليس هنا مجال الخوض فيها، لا تتحملها مكوناته المنظمة فحسب، بل تقع مسؤوليتها أيضا، وإن كان بنسب متفاوتة، على كل فضل الابتعاد والاكتفاء بالجلوس على مقاعد المتفرجين، وتطاول أحيانا فانضم إلى قائمة الشامتين أو المنتقدين في أحسن الأحوال.
5- اقتناع السلطة التنفيذية بأنّ الأحوال، على النحو التي هي عليه، أكثر ملاءمة لها من أي وقت آخر. فهي تبيح لها، في نهاية الأمر، ترتيب بيتها من الداخل في أجواء أقل صخبا ومن ثم ضغوطا. وبالقدر ذاته تسمح لها أيضا إعادة النظر في أية خطوة تسيرها نحو الأمام أو الخلف، بعيدا عن أية ضغوط محلية تدفعها نحو قرار سريع غير محسوب العوائد. وعليه، فإنّ استمرار هذا الركود السياسي يمنحها الوقت التي هي بحاجة له من أجل إعادة فرز أوراقها، بما يخدم مشروعها الذي تراه مناسبا للمرحلة القادمة التي تدشنها انتخابات 2018.
تأسيسا على كل ذلك، يمكن القول إن انتخابات مجلس 2018، في حقيقة الأمر، على الأبواب، ومن ثم على القوى السياسية، وتحديدا الجمعيات السياسية، بمختلف ألوان طيوفها، أن تقف أمام نفسها بالشجاعة التي يتطلبها الموقف، والجرأة التي تفرضها عليها المسؤولية التاريخية، كي تناقش القضايا المصيرية التالية:
- بعيدا عن ردود فعل آنية مصدرها عوامل ثانوية طارئة، من غير المطلوب أن تكون أقوى العناصر تأثيرا في صنع القرار، هل من المصلحة الوطنية العليا المشاركة في انتخابات مجلس 2018، أم مقاطعتها؟ حسابات الخسارة والربح هنا ينبغي أن تقوم على مصلحة المواطن الواسعة المترامية الأطراف، وليس المصلحة الحزبية الضيقة الأفق.
- في حال المشاركة، كيف سيتم بناء الذات، وعلى نحو سليم واضح المعالم، لكل فصيل على حدة، أولا، وكيف سيلحق ذلك بنسج تحالفات سليمة تقوم على ركائز واضحة المعالم، تعطي كل ذي حق حقه، وتنصف المشارك بما يستحقه من ثقل في كفة موازين العمل السياسي، ثانيا وليس أخيرا؟ مقياس الثقل هنا ينبغي أن يكون وطنيا صرفا بعيدا عن الأنانية الطائفية، ومتحاشيا الوقوع في فخ الفئوية الضيقة الأفق، ومتجاوزا الإرث السياسي الذي فرضته مرحلة الصراعات الناجمة من ذيول الحرب الباردة.
- في حالة المقاطعة، كيف يمكن تحاشي الوقوع في مستنقع إفرازات البيات الشتوي الذي سيبني سورا أعلى من سور الصين العظيم بين القوى السياسية وجماهيرها، الأمر الذي من شأنه تشييد سياج سميك يشل العمل السياسي، ويفقده الحيوية التي يتطلبها من أجل تحقيق المكاسب، وإنجاز المراحل؟
- ما هي أسس العلاقة التي سيتم صياغتها لإعادة الحياة في جسد منظمات المجتمع المدني، التي ساهم الجميع في تحنيطها بعد تقزيمها. هذه المنظمات التي بوسعها أن تكون قناة الاتصال والتواصل، وليس نافذة الإطلال والمشاهدة، بين القوى السياسية وجماهيرها؟ هذه الأسس مطلوب حضورها بغض النظر عن الموقف من انتخابات مجلس 2018.
في اختصار شديد انتخابات مجلس 2018 قادمة، وعلى من يريد أن تكون له بصمته الواضحة على مساراتها أن يتمتع بالجاهزية التي تفرضها كي يذهب إليها مشاركا كان هذا الذهاب أم مقاطعا. للانتخابات النيابية بصمتها على تاريخ البحرين السياسي المعاصر، وعليه فمن الطبيعي أن تترك تلك البصمة الواضحة على جبين كل من قرر أن يكون في ذلك المشهد، مقاطعا كان ذلك الحضور أم مقاطعا.