الرياضة العُمانية والتنظير!

 

 

أحمد السَّلماني

وانطلقَ العُرس الأولمبي العالمي، ونشكر الله تعالى والقائمين على رياضتنا على أن أوجدوا لنا حمد ليحمل علم بلادي ليرفرف بجانب أعلام أكثر من 200 دولة في استاد ماركانا الشهير بالمدينة البرازيلية ريو دي جانيرو، وهذا هو الهدف الأسمى من المشاركة الرياضية العُمانية والتي تشارك بـ4 رياضيين في لعبتين من أصل 28 لعبة في الأولمبيا.. 3 من هؤلاء اللاعبين اجتهدت اللجنة الأولمبية العُمانية مشكورة في السعي حيال منحهم 3 بطاقات بيضاء للمشاركة، في حين استحق عدَّاؤنا البطل بركات الحارثي -وعن جدارة- التأهل لسباقات العدو، وتفسيري الوحيد لهذه البطاقات الثلاث لضمان أنْ لا يقل عدد رياضيينا المشاركين عن العدد الذي شارك في أولمبياد لندن قبل 4 سنوات، ولكن بحسابات معكوسة؛ حيث تأهل يومها 3 رياضيين نظير أرقام تأهيلية حقَّقوها في مقابل بطاقة بيضاء واحدة، جهد وافر تشكر عليه اللجنة الأولمبية.

ولست الوحيد الذي سال قلمه نقدا للوضع الحالي والتراجع المريع للرياضة العُمانية والمشاركة العُمانية بالتظاهرات الرياضية لا لشيء سوى لتغيير هذا الواقع المخجل، وإنما هناك أقلام كثيرة لطالما كتبت وطرحت أفكارا وحلولا لتطويرها و"لصناعة الأبطال" بشكل خاص، وفي هذا المنبر حيث كتب يومها المكرم حاتم الطائي قبل 4 سنوات، وتحديدا إبان المشاركة في "أولمبياد لندن"، ونادى بضرورة التحرك من الآن في العمل من أجل ضمان مشاركة أوسع وتحقيق الميداليات الملونة، وليس وحده من كتب ونادى، بل عدد كبير ما بين كاتب وناقد غيور على بلاده.

وبعد العودة من لندن، قُمت شخصيًّا بزيارة للجنة الأولمبية لغرض ما، وجلست مع أحد مُنظِّري الرياضة العُمانية والذي كان صريحا معي حين تحدث عن أن المناخ العام وطريقة إدارة المنظومة الرياضية في السلطنة لا تنتج أبطالا ولن تبارح مكانها، والحقيقة أنها ليست فقط لم تبارح مكانها، وإنما تشهد تراجعا غير مُبرَّر بالمرة؛ فكل ما حولنا من بنى رياضية تحتية تنتشر في مختلف ربوع السلطنة يشهد على الاهتمام الاستثنائي من الدولة بالرياضة والشباب.. فأين الخلل إذن؟ من وجهة نظري البسيطة إنما هي في العقول والقوة البشرية التي تدير كل هذا ومستوى الطموح لدى القائمين على رياضتنا، فمن الأكواخ الإثيوبية خرج العداء البطل جيبريسلاسي وغيره من العدائين الأفارقة، والملاكمين الكوبيين خرجوا من تحت الحصار الأمريكي أبطالا، ولكن لسنا وحدنا من يعاني ترهلا رياضيا؛ فالعرب في عمومهم لم يحرزوا في أولمبياد لندن سوى 12 ميدالية ملونة أي أقل من جمهورية كازخستان القوقازية والتي أحرزت لوحدها 13 ميدالية وكفى، ولكن صديقي الذي اجتهد كثيرا في محاولة تبرير وضع الرياضيين بالسلطنة استعرض لي جدولا به مؤشرات وأرقام ورسوم بيانية تؤكد على مثابرة الرياضة العُمانية في تطوير حالها وقتها طالبته بالتوقف فقد أصبت بصداع في رأسي فضلا عن تشويش كبير للمعلومات وقلت له "أنا صحفي رياضي ولم أفهم شيئا من هذه الأرقام والرسوم التنظيرية، فكيف بالوسط الرياضي، وكل ما أريده ويريده كل عُماني هو أن نرى رياضيا عُمانيا في منصة تتويج أولمبية يعزف معها السلام السلطاني الغالي، وأرقامك هذه احتفظ بها في أرشيف الرياضة العُمانية". الرجل كان حليما معي للغاية حين قال لي: "إنكم على حق"، وبصراحة شديدة فإن لم يرحل أوصياء الرياضة خاصة في الاتحادات الرياضية الفاشلة بكل المقاييس والمعايير فلن نتحرك قيد أنملة، المشهد يقول عكس ذلك فهؤلاء يرتعون في رياضتنا فحين تنتهي دورة أحدهم في اتحاد كرة الطائرة مثلا فسينتقل للقدم وذلك من السلة إلى التنس وهكذا ومرة أخرى نقول "كفى عبثية".

... إنَّ النماذج المتطورة في العالم والتفوق في الرياضات والتتويج بالميداليات من حولنا كثيرة ويكفي أن نتبع أفضلها وبما يتواءم وطبيعتنا الجغرافية؛ فهناك النماذج المتفوقة كالصين والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وربما النموذج المغربي العربي -خاصة الجزائر والمغرب- فالأخيرة وبعد الحضور الباهت في أولمبياد لندن خصصت 330 مليون درهم مغربي لتأسيس مشروع رياضي متكامل في 6 لعبات؛ هي: القوى، والتايكواندو، والجودو، والسباحة، والدراجات، ولكل رياضة لجنة إشرافية خاصة من الخبراء المحليين والدوليين، وفوق كل هؤلاء لجنة عليا من وزارة الرياضة واللجنة الأولمبية ووزارة التربية للتقييم.

النموذج الجزائري يعتمد على أسلوب "الحلقة الدائرية" وهو تكاملية المدرسة والنادي واتحاد اللعبة واللجنة الأولمبية منذ اكتشاف الموهبة وصناعتها وصقلها حتى التتويج.

... إنَّ وجود الأكاديمية الرياضية التي سبق وأُعلِن عنها -ولم ترَ النور بعد- صارت أمرا ملحا، وما أكاديمية إسباير بالشقيقة قطر عنَّا ببعيد، هذا من ناحية البنية الأساسية، والتي يجب أن تشمل وجود الصالات والملاعب والمختبرات العلوم الرياضية للبحث عن كل جديد ومركز طبي ومضمار، ومجمع السلطان قابوس مهيأ تماما لذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية. أمَّا الكوادر المشغِّلة فلابد لنا من الاستعانة بالرياضيين والخبراء المحليين والدوليين مع ضرورة وضع أهداف حقيقية لعملها على أن تدار من قبل اللجنة الأولمبية ويتم تقييمها من قبل لجنة عليا تشكل من وزارة الشؤون الرياضية واللجنة الأولمبية ووزارة التربية والتعليم، وعلينا أن نبدأ من الآن ليس لأربع سنوات قادمة، بل لأكثر من ذلك.. اللهم امنحنا الصبر والإرادة، اللهم آمين...!