سوريا ومخاطر التمزق

 

 

ربما تكون الدولة السورية في أقوى حالتها الآن منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك قبل خمس سنوات في ظل قُدرة النظام السوري على بسط سيطرته على أكبر مساحة مُمكنة من الأراضي، لكن بات من شبه المؤكد أنَّ هذه الدولة التي يُعاني شعبها من حرب ضروس شرَّدت مئات الآلاف من اللاجئين داخلياً وخارجيًا، تواجه اختبارًا حقيقياً فيما يتعلَّق بوحدتها كدولة عربية وفق حدودها المعروفة قبل العام 2011.

ولا يُمكن إغفال تصريح رئيس وكالة المُخابرات المركزية الأمريكية جون برينان، بشأن سوريا والذي قال فيه إنَّه يستبعد عودة سوريا موحدة كما كانت عليه قبل الحرب، وخطورة هذه العبارة تأتي من الموقع البارز والفعَّال لرئيس هذه الوكالة التي ترسم ملامح القرار الأمريكي الخارجي، ما يعني أنَّ ثمة قناعة داخل الإدارة الأمريكية ترى بأنَّ سوريا مُعرضة لخطر التقسيم أكثر من أيّ وقت مضى. وفي المُقابل، فإنَّ التعويل على وحدة وتماسك الشعب السوري بات كذلك على المَحك، نظراً للانقسام الحاد بين الطوائف والمجموعات، فضلاً عن التدخل الخارجي غير المسبوق في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين.

التصريحات الأمريكية وغيرها من التَّحركات التي تتم على الأرض السورية، تشي بأنَّ ثمة مُخطط ما مُعد سلفاً يجري الإعداد لتنفيذه، بيد أنَّ تعدد الأطراف المُتصارعة من أقصى الشرق إلى أبعد نقطة في الغرب، لا يزال يُعرقل سرعة تنفيذ المخطط، وهو ما يُعيدنا إلى المصطلح الأمريكي الأشهر "الشرق الأوسط الكبير".

الشعب السوري مُطالب الآن وبصورة عاجلة بأن يُعلن خياراته بإرادة حُرة، تضمن الحفاظ على وحدة الأرض، وتقطع يد كل من يُحاول العبث بهذه البقعة بالغة الأهمية فيما يتعلَّق بالأمن القومي العربي، كما أنَّ الدول العربية مُمثلة في جامعتها، مدعوة للعمل بكامل طاقتها من أجل حماية وحدة سوريا، وصون الدماء السورية والحيلولة دون مزيدٍ من الجِّراح الغائرة التي تحتاج لسنوات لمداواتها.

إنَّ العالم أجمع يتحمل مسؤوليته أمام الضمير الإنساني، فيما يتعلَّق بالأزمة السورية، كما ينبغي على اللاعبين الفاعلين في السياسة الدولية والإقليمية بشكل خاص، العمل دون كلل أو ملل على صياغة حل توافقي يُنهي هذه المعاناة الإنسانية ويضع حلاً جذريًا لوقف حمام الدم في سوريا.

تعليق عبر الفيس بوك