خالد بن علي الخوالدي
خلال متابعتي لإحدى شبكات التواصل الاجتماعي استوقفتني عبارة تقول (توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير) وهي دعوة تلاقى رواجا كبيرا في المجتمعات الغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وقلت في نفسي إننا نحن أولى منهم في محاربة هذه الظاهرة الغريبة والعجيبة التي جعلت فئة قليلة من الحمقى تسيطر على عقولنا ومجالسنا وسوالفنا، وتغزو بيوتنا وأسرنا ومدارسنا ليصبحوا مشهورين وتعلو قامتهم نتيجة الترويج لهم ونشر حماقتهم.
إننا بقصد أو بدون قصد نرفع شأن بعض الحمقى في المجتمع خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث نعيد تغريداتهم وننشر مقاطعهم وتسجيلاتهم ونبعث النكات والسخافة التي ينشرونها ظنا منا أننا نقوم بدور الفكاهة والتسلية والحقيقة أننا نروج لمثل هؤلاء الحمقى على حساب أمور أخرى أكثر أهمية وأرقى شأنا، ويغطي هؤلاء الحمقى على المخترعين والعلماء والفقهاء والمبتكرين بحيث لا يكون لهم أثر.
فهناك الكثير من الحمقى الذين روجنا لهم وعملنا لهم قيمة وهم في الأصل والحقيقة لا قيمة لهم لا علمية ولا أدبية ولا ثقافية ولا اجتماعية ولا مدنية، وإنما قيمتهم الحقيقية في سفاهتهم وغبائهم، فهناك عدد من المحششين والسكارى وأصحاب الفواحش من الرجال المتشبهين بالنساء ومن النساء المتشبهات بالرجال وغيرهم من الحمقى شهرتهم تفوق أكبر المكتشفين والمخترعين والعلماء والربانيين.
إنهم دخلوا عالم الشهرة من لا شيء، فماذا قدموا؟ وما هي إنجازاتهم؟ ما غير أنا طالع وأنا داخل وهذا الغداء مالي ولهم متابعين بمئات الآلاف إذا لم يكن بالملايين، وأصبحوا هم من يقودون الرأي العام في شبكات التواصل الاجتماعي؛ بل إن بعض الشركات والمؤسسات تقصدهم في نشر إعلاناتها من باب كثرة المتابعين مقابل أموال طائلة تدفع لهم، وإذا وصلت الأمة إلى هذا المستوى من التفكير والاهتمام بمثل هؤلاء فلابد أن نقرأ عليها الفاتحة؛ لأنّ هناك أجيالا صاعدة ستتربى على التعوّد على مثل هذه الأشكال بل إنّهم سيتخذونهم قدوة ومثلا أعلى في الكلام والشكل الخارجي وسيُخرج جيلا قدوته (.......)
إنّ نشر تفاهات هؤلاء الحمقى له تأثير على جميع فئات المجتمع - صغاراً وكباراً- وتأثيرهم على الصغار أكبر وأخطر لأنّهم في مرحلة عدم التمييز بين الغث والمفيد، فهل بعد ذلك نفكر في بناء مجتمع قوي ومتماسك ونحن ندفع دفعا بهؤلاء الحمقى ليكون لهم شأن، وهل سنبني وطننا الحبيب عمان بالركون لمثل هؤلاء والتمادي في نشر فحشهم ونتجاهل المنتجين والكادحين والمفكرين، لا بد أن نتجاهل هؤلاء الأشخاص، ونتوقف عن نشر مقاطعهم، وألا نضيع أوقاتنا على أمور لا هدف لها أو فائدة غير إهدار وقت من ذهب سنحاسب عليه فقد قال الله في كتابه الكريم: "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولًا".
أعزائي إننا لن نصنع أمجاد الوطن بالضحك المتواصل ولكن بالعمل المثابر والدؤوب الذي سيجعلنا أناساً عظماء ناضجين لا سذجاً غير واعين بمكانة الإنسانية التي لم تخلق عبثاً لإهدار طاقاتها على الضحك فقط، وفي الأول والأخير نحنُ من يصنع شهرة البَعض والسبب أننا نُعطي قيمة لِمن لا قيمة له.
ودمتم ودامت عمان بخير..