زينب الغريبية
وصلت للجامع لأداء صلاة العشاء والتراويح متأخرة، كان الإمام قد وصل للركعة الثالثة من صلاة العشاء، لأشاهد مجموعة من النساء ينتشرن في أماكن مختلفة من مصلى النساء كل واحدة تصلي بمفردها كونهن لم يلحقن الإمام منذ البداية، والصف الأخير تقف فيه النساء بشكل متقطع تفصل بينهن مسافات من الفضاء، وقفت في الصف الأخير بجانب من اصطفت من منتصفه، فالصف في صلاة الجماعة يبدأ من المنتصف، وقفت بين اثنتين إحداهما تصلي مع الإمام، والأخرى تصلي بمفردها فهي لم تلحق الإمام، دخلتُ في الصلاة خلف الإمام حكم (صلاة المسبوق)، وعندما انتهى الإمام من الصلاة كانت من على يساري أيضا تصلي صلاة المسبوق، قمنا وأتممنا الصلاة، أمّا التي على يميني استمرت في صلاتها بمفرها، فهي لم تلحق الإمام لذا تصلي بمفردها تخالف الإمام ومن يصلي معه، تقف عندما يسجدون وتسجد عندما يركعون وهكذا..
لم ينتهِ الأمر عند هذا؛ بل عندما انتهى الجميع من صلاة العشاء، وبدأ الجميع يصلي سنة العشاء، دخلت امرأة متأخرة، ودنت من المرأة التي على يميني تسألها أين وصل الإمام في الصلاة هل بدأ صلاة العشاء أم لا؟ وكانت الصدمة بأن ردت عليها: لا أعرف!! إذن ماذا كنتِ تصلين قبل قليل؟ وماذا كان يصلي الإمام ومن خلفه من الناس؟! لم تكن المرأة كبيرة في السن، بل هي من جيل النساء المتعلمات، ولم تكن تلك هي الصدمة الوحيدة التي تلقيتها في المسجد منذ عدة سنوات، كتبت في هذا الموضوع ووجهت نداء لكل من هو مسؤول عن هذا الموضوع، فالصلاة هي العبادة اليومية المفروضة الواجبة على كل المسلمين، وهي من أساسيات الدين التي لا يمكن التفريط فيها، وهي العبادة البسيطة التي يقدر عليها كل المسلمين على اختلاف قدراتهم ومواقعهم، وضعتْ لها قواعد وقوانين لكل وضع ولكل حالة للتسهيل على الناس.
ثمة سلوكيات أخرى خاطئة تقوم بها النساء من إحضار الأطفال للمساجد وإحداث الضجيج مما يؤدي إلى إرباك المصلين، وإدخال قوارير الماء أو الأكواب ووضعها بين الصفوف مما يتسبب في مضايقة النساء المصليات قد تسجد واحدة فوق قارورة أو تجدها تحت ركبتها أثناء التشهد، ألن تجد تلك النساء الماء إلا في تلك الساعة المخصصة للصلاة؟! وإنّ من أسوأ الأمور عندما ترغب إحدى النساء بإخبار الأخريات عدم إحضار الأطفال، تقوم بالصريخ والأمر والنهي بأسلوب جاف عنيف، يثير الاشمئزاز من الجميع، ولا يحدث فرقًا، كان أحد الردود على مقالي منذ أكثر من سنة بخصوص هذه القضية أنّ "الصلاة في المساجد ربما تكون حديثة على النساء في مجتمعنا، لذا يحدث فيها الخطأ"، مشاهد تتكرر كل سنة، هذا ما نشاهده في المساجد، وربما ما يمارس في البيوت سيكون على نفس المنوال، فصلاة المرأة غالبا إن لم يكن دائمًا في منزلها تؤديها حسب رؤيتها وما اكتسبته من خبرات في حياتها. هنا تكمن القضية..
المسؤولية مشتركة بين قطاعات مختلفة في المجتمع لتعليم الصلاة والدين، فإذا بدأنا بالتهاون في أجزاء ديننا وأعمدته، معتمدين على حسن النوايا وإيمان القلوب دون تطبيق فليس لنا إذن من الأمر شيئا، فالإيمان هو ما وقر في القلب وانعكس على الجوارح، المرأة بذاتها مسؤولة عن تثقيف نفسها وتتبع ثوابت الدين وتطبيقاتها من المصادر الصحيحة الموثوقة، وعليها أن تسأل وتبحث من أجل تحري الدقة، ومن حولها ممن هم مسؤولون عن هذا الجانب عليهم أيضا السعي، الزوج أو الأب مسؤول عن تثقيف نسائه عند اصطحابهنّ للمسجد فإن كانت المرأة حديثة العهد بصلاة المساجد، فالأحرى بالرجال تعليمهن قواعدها، وإمام المسجد أيضا لو أعطى درسا بسيطا مثلا عن ركن أو قاعدة من قواعد الصلاة لمدة ثلاث دقائق قبل بدء الصلاة أو بين مقامي التراويح بشكل مبسط يتناسب مع مختلف مستويات وأعمار المصلين، أو أعطى نصائح في كيفية السلوك الصحيح عند زيارة المساجد بأسلوب لطيف يصل به لقلوب المصلين قبل عقولهم، ألن يحدث ذلك فرقا؟
الإعلام أيضًا مسؤول عن الموضوع، تُبث كثيرًا من برامج الدين ولم تخصص حلقة أو حلقات عن موضوع صلاة النساء، وقواعد ارتياد المساجد، وكأن الموضوع لا يلامس أهميّة مجتمعية عليهم تسليط الضوء عليها، ناهيك عن حملات الواعظات الدينيات التي تقدمها وزارة الأوقاف في بعض المناطق النائية فقد حضرت كم حلقة تدور حواراتها حول السيرة والعقيدة، وعلى أيدي واعظات غير متمكنات، أليس من الأحرى تعليم الأمور الفقهية الحياتية اليومية أولا، ثم تأتي باقي الأمور. الأسرة عليها أيضا جزء من المسؤولية فمن أساسيات التربية التنشئة الدينية على القواعد السليمة المعتدلة في الأمور الفقهية والممارسات والعقيدة، وعلى الوالدان البحث والسؤال لتحري الدقة والصحة ثم نقلها لأبنائهما، وتربيتهم عليها، فهما مسؤولان أمام الله عنها، وعلينا ألا نخلي المؤسسات التربوية من مدرسة ومعلمين -لا سيما معلمي التربية الإسلامية- والجامعات والكليات من هذه المسؤولية، فعندما نجعل الدين أساسا ننطلق منه لبقية فروع العلم الأخرى حينها سنشعر بالفرق المطلوب..
تساعد الروحانية وسكينة النفس الإنسان لأن ينطلق من أساس هادئ مطمئن، يبني عليه بقية حياته، وما أسس على صواب فإن ثماره ستكون يانعة وارفة، وما أسس على خطأ وتجريب دون تحرٍ للصواب فسيظل متخبطا لا إلى هذا ولا إلى ذاك.. فالصلاة رابط قوي بين العبد وربه، يلتقي فيها الإنسان مع الله بدون وسائط، جعلت طوال اليوم وكل يوم من حياة الإنسان لتمثل صلة دائمة تجدد العلاقة كل حين مع الله، تشعرنا بالسكينة والطمأنينة، لذا فتأديتها على الوجه الصحيح في أي مكان يجعلنا وثيقي الصلة بخالقنا.