المواطنة والعقيدة الإسلامية

 

حميد بن مسلم السعيدي 

العقيدة الإسلامية والمواطنة وجهان لعملة واحدة وهي المؤمن الصادق بإيمانه قولاً وفعلاً، متى ما تمكنت رسالتهم أن تصل بصورتها الحقيقية للفرد كان أكثر مقدرة على أن يصبح أكثر فاعلية والتزاماً بمبادئهما بحيث تؤثر على أموره العقدية والحياتية، حيث يتكامل الفكر بين العقيدة الإسلامية والمواطنة لتحقيق تلك الأهداف السامية، إلا أنّ البعض ما زال يعتقد أنّ هذا الفكر الغربي لا يُمكن أن يتوافق مع العقيدة الإسلامية لأنّه فكر مستورد وأنّ العقيدة الإسلامية جاءت شاملة لكافة جوانب حياة الفرد ولا يُمكن ربطها بأيّ منهجية أخرى، وهذه حقيقة لا يختلف اثنان بأنّها عقيدة شاملة وكاملة، في حين أن فكرة المواطنة جاءت لتزكي روح المواطنة في ذات الفرد ليصبح أكثر إيماناً بوطنه ودينه، حيث يتوافق الخطاب الديني المعاصر مع المواطنة ليشكل أداة بناء المواطنة الفاعلة في المجتمع.

فالكثيرون يعتقدون أنّ المواطنة من المفاهيم الغربية المستوردة نتيجة للعولمة وتأثيراتها على المجتمعات المختلفة، ودائمًا ما تجد امتعاضاً أو رفضاً لكل ما هو قادم من الغرب، وبالرغم من أنّ المواطنة قديمة الظهور ويعود تاريخها لعهد الإغريق واليونان القدماء، إلا أنّها ظلت قائمة وممارسة على معظم الشعوب، وهذا الأمر يعطي مؤشرًا على أهميتها في بناء حضارات مُتقدمة تتوافق مع كل مرحلة تاريخية، مما يدل أيضًا على أهمية ودور المواطن الأساسي في بنائها والاعتماد عليها بصورة رئيسية في تحقيق الأنظمة الحضارية المُتطورة، خاصة بعد أن حقق النموذج الغربي نتائجه وفاعليته على الواقع المعاصر، في حين أننا نمتلك عقيدة واضحة المعالم ومنظمة لجميع جوانب حياتنا إلا أننا أخفقنا في بناء النموذج المدني الناجح، وهذا الأمر يدفعني لبيان العلاقة بين المواطنة والعقيدة الإسلامية ودورها في بناء الفرد.

فقد جاء الدين الإسلامي شاملاً لجميع حياة المسلم، بحيث تضمن كل ما يتعلَّق بجوانب حياته السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية. ولتحقيق التكامل الإنساني وفقاً لرؤية دينية تتوافق مع نهج ومضامين المواطنة التي تسعى لخلق مواطن قادر على أن يكون صالحاً في جميع جوانب الحياة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وهنا يتحقق التوافق بين المواطنة وأهدافها ومضامينها مع العقدية الإسلامية التي تسعى إلى تحقيق ذات الفكر، ويمكن قياس ذلك من خلال التطرق للنقاط التالية:

الحياة السياسية: نظم الدين الإسلامي علاقة المواطن بالنظام الحاكم أو السلطة الحاكمة، حيث شرع العديد من الأنظمة التي ترتبط ببناء منظومة العلاقة بين الدولة والمواطن، وشرع العديد من النصوص الدينية والأحداث التاريخية من العهد الإسلامي كأدلة على دوره في الاهتمام ببناء المواطنة المسؤولة، فكان يمثل دور الشريك في المشاركة في الرأي والمشورة، وكان عضوًا رئيسياً في اختيار الخلفاء الراشدين وفقاً لنظام الديمقراطية الإسلامية، وشارك في صياغة الدستور كأول دستور إسلامي نظم بعد الهجرة النبوية الشريفة للمدينة المنورة، ومنح له حريته السياسية في إبداء الرأي في مختلف قضايا المجتمع.

الحياة الاجتماعية: العلاقة الاجتماعية التي تقوم على التجمع بين المواطنين والتواصل بينهم والمشاركة المجتمعية تمثل علاقة بحاجة إلى التنظيم وفقاً لأنظمة معينة تسهم في بناء هذه العلاقة وتقويتها، والمشرع سعى إلى صياغة مجموعة من القوانين والأنظمة الإسلامية التي حرمت العديد من الممارسات الاجتماعية التي تضر علاقة المسلم بأخيه، تتضمن كل القيم والمبادئ الاجتماعية التي تضمنها فكر المواطنة، حيث أكدت العقيدة الإسلامية على القيم والاتجاهات الاجتماعية سعياً لبناء مجتمع مدني راقي في سلوكه وأفعاله، وفي ذات الوقت رسخت فكر الحقوق فأصبح المسلم لا فرق بينه وبين أخيه في جميع حقوقه التي حددها المشرع، إلى جانب تحقيق المساواة بينهم في المجتمع المسلم، وهنا يحدث التوافق بين فكر المواطنة والتي لا تنظر إلا برؤية واحدة هي المواطن أياً كان جنسه أو لونه أو أصله.

الحياة الاقتصادية: تعتبر المنظومة الاقتصادية الإسلامية من أقوى الأنظمة؛ حيث سعت إلى صياغة الأنظمة الاقتصادية والعقود التجارية والدين والأرباح التجارية، كما حرَّم بعض الممارسات الاقتصادية التي أثبتت العصر الحديث أنها سبب في انهيار اقتصاد العالم وتأثره بين فترة وأخرى، وفي ذات النهج تمثل المواطنة رؤية تركز على الإيمان الروحي في التعاملات الاقتصادية القائمة على الذات الإنسانية في التعامل مع الآخرين، ورحمت جميع الممارسات التي تخرج عن نطاق القانون التجاري.

هذا التكامل الذي تحدثه العقيدة الإسلامية في فكر المؤمن وفي بناء شخصيته يتوافق مع فكر المواطنة التي تسعى إلى بناء المواطن الفاعل في مجتمع من خلال تكون شخصية وطنية بالدرجة الأولى.

ولتحقيق تلك الرؤى التكاملية فإنّ الخطاب الديني اليوم يجب أن يفعل هذا الفكر من خلال تحقيق الرؤية الحقيقية للمؤمن في بناء شخصيته ليس فقط من خلال أداء الوجبات الدينية المُتعلقة بأركان الإسلام وإنما أيضًا من خلال التطرق على كل الجوانب الدينية والاجتماعية والسياسية والعلمية والفقيه، فلا يعقل أن يؤدي المسلم صلاة الفجر ثم يُباشر عمله ليحصل على رشوة مقابل تمرير مشروع أو معاملة، أو يستغل وقته لإنجاز أعماله الخاصة ويهمل معاملات المواطنين، ولا يؤدي رسالة الوظيفية على أكمل وجهة، ثم يخرج من عمله ليؤذي الآخرين ولا يحترم المكان ولا الطريق ليذهب ليؤدي صلاة الظهر، ويصوم شهر رمضان دون أن يحقق الجانب التكاملي في شخصية المؤمن، وهنا يحدث التناقض بين إيمانه وممارساته، لذا فإنّ تحقيق التكامل بين المواطنة والعقدية الإسلامية أصبحت من الضروريات في الوقت الحاضر في ظل وجود أمية معرفية تتعلق بثقافة المواطنة وأدواره الوطنية ومدى ربط ذلك بالعقيدة الإسلامية.

Hm.alsaidi2@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة