غياب الرِّهان على المستقبل

نظرة 8

آمنة الربيع

من حُسن الطالع أنَّ ثقافة جيل التوريث السياسي في مجتمعات الخليج ليس لها تأثير مباشر على الكتابة الإبداعية. قد تتوافر استثناءات كأن تتسرب توجيهات من الأنماط العليا لأن تتجه بعض خطوط الكتابة الدرامية بالموافقة على تناول ملفات ساخنة، شريطة أن لا يتم الاقتراب من ثالوث التابو المحرّم "الله، والوطن، وصاحب الشأن"، وهنا يمكن لكاتبات السيناريو الرديئات جدا أن تصبح بارزة، ولسنا هنا لنجازف بالحديث عن الرداءة لا جزئيا ولا كليا؛ فالموجة التي سادت في أغلب النتاجات قد امتطاها الجميع، ظنًا أنّها موجة الحاضر والمستقبل فانهالت المسلسلات الدرامية الخليجية لتتنافس على نقد الواقع الخليجي بمعالجات نمطية وتقليدية ما زالت تتكرر حتى البارحة!

إنَّ الرهان على كتابة درامية من أجل المستقبل يتطلّب بصيرة نافذة إلى أعماق التكوين التاريخي والسياسي والاجتماعي والثقافي لمجتمعات الخليج. ومن يرَ عكس ذلك أنصحه بألا يضع البيض كله في سلة واحدة. تبدو الرواية الخليجية أكثر انفتاحا على تلك الكتابة، وبكل مشكلاتها وخصائصها، غير أنَّ ما يصلح من نظرية الرواية لا يصلح على المسلسلات؛ لأنّ المسلسل بضروراته الإنتاجية له جمهور مختلف عن قراء الرواية. وكيفما نظرنا إلى كلّ ذلك المكون الذي يصعب وضعه في سلة واحدة فأمامنا مسلسلات لكاتبات سيناريست خليجيات يصرخن بوسائل تعبيرية أقوى مما ظن المتفرج الخليجي نفسه!

ولعلّه من المفيد أن نقترب من السؤال التالي: هل تتنافس كاتبات السيناريو الخليجيات على إحداث فارق ما في مجتمعات الخليج؟ أم أنهن يسعين إلى تأكيد ما ينصّ عليه الواقع؟ (أرجوكم تذكروا ما طرحته في حديثي السابق 100 مسلسل درامي عربي، فأنا أهيم في محرابه ولا أجرؤ على الابتعاد عنه). ومن جهة أخرى، سأسارع إلى تقديم وجهة نظري تجاه الفارق، فليس شرطا أن يقتصر الفارق المنتظر حدوثه على صعيد تغيير في السياسة والمجتمع، بل يتعدى ذلك إلى كتابة واعية وناضجة ومسؤولة تقدم لنا معالجات فنية تراهن على التطور في الكتابة الدرامية، وتكشف لنا عن الطاقة الداخلية التي تمكننا من مواجهة القادم، وليس هدفها بالطبع ملاحقة سوق الإنتاج "والهلس" الدرامي الذي نشاهده ونشكو منه بعد كلّ نتاج.

ومن حُسن الحظ أنَّ كاتبات السيناريو الخليجيات كثيرات. ولهذا دلالة واحدة على الأقل أراها حتى لحظة كتابة هذه النظرة، أحصر تلك الدلالة في فشل ثقافة التوريث السياسي على الإبداع الدرامي، فلا تتوفر لدينا كاتبات سيناريو منتميات لتيارات سياسية معلنة أو أحزاب، والتعليل البسيط لذلك ما تم عرضه من مسلسلاتهن لا يصمد أمام نظرية سياسية أو حزبية ما، إنّما هي أعمال تتناول قضايا المجتمع ومشكلات "الرجال والحريم"! وسأستنتج على وجه السرعة أيضا أن التقدم في الزمن وفي المعرفة والعودة إلى الأدب ستكون كفيلة باختفاء الكاتبات الرديئات جدا من حصة الكاتبات الكثيرات.

ومن نافل القول في المعارك، أنَّ الكثرة تغلب الشجاعة؛ ففي زمن ملحوظ ومع سباق غير مرئي بين شركات الإنتاج والقنوات الفضائية، استطاعت بعض كاتبات السيناريو تقديم ما يزيد على 8 مسلسلات! وهذه الكثرة الكثيرة من المسلسلات إنما جاء بعضها على حساب تراجع فضيلة الشجاعة المغلوبة في المعارك، من حيث أنَّ الشجاعة هي قيمة أخلاقية مهمة لرقي المجتمعات.

يا تُرى في محيط تلك الكثرة الكثيرة من المسلسلات الخليجية، ما الذي أرادت كاتبة السيناريو الخليجية أن نصغي إليه؟

تعليق عبر الفيس بوك