الصبر والصدق والعفة وكظم الغيظ.. أبرز ثمار الصيام في شهر رمضان

مُنذر السيفي

إنَّ ثمرة الصيام الأساسية أن يكون حافزا للصائم على تقوى الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ حيث قال الله عز وجل: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"؛ فالصيام مدرسة عظيمة فيها يكتسب الصائمون أخلاقا جليلة ويتخلصون من صفات ذميمة، يتعودون على اجتناب المحرمات ويقلعون عن مقارفة المنكرات. ومن الأخلاق الحميدة التي يكتسبها الصائم خلال شهر رمضان: الصبر. وفي الصيام تجتمع أنواع الصبر الثلاثة؛ وهي: الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله.

فهو صبر على الطاعة؛ لأنَّ الإنسان يصبر على الصيام ويفعل ما أوجب الله ويكثر من قراءة القرآن والنوافل والطاعات وزيارة الأرحام. وعن معصية الله؛ لأنه يجتنب كل ما يؤدي إلى معصية الله وفساد صومه من نظر محرم أو غيبة أو نميمة وكذب. وعلى أقدار الله تعالى؛ لأنَّ الصائم يصيبه ألم الجوع والعطش والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر لأنه جمع بين الأنواع الثلاثة.. قال الله تعالى: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- شهر رمضان بشهر الصبر؛ فقد جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر"، قال العلامة السيوطي: "شهر الصبر هو شهر رمضان وأصل الصبر: الحبس؛ فسُمِّي الصوم صبرا لما فيه من حبس النفس عن الطعام والشراب والنكاح. عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب إني منعته عن الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان".

أمَّا عن خلق الصدق، فإن أول ما يعلمه الصوم للصائم في باب الصدق هو صدقه مع الله إذ الصيام عمل سري بين العبد وربه وبإمكان المرء أن يدعى الصيام ثم يأكل دون أن يعرفه أحد فعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل كل عمل بن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، والمعنى أنَّ الصيام يختص به الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال لأنه أعظم العبادات إطلاقا، فإنه سر بين الإنسان وربه؛ فالإنسان لا يعلم هل هو صائم أم مفطر؛ إذ نيته باطنة فلذلك كان أعظم إخلاصا والصدق نقيض الكذب أو موافقة الظاهر للباطن والكذب مخالفة الظاهر للباطن؛ لهذا كان وجه الشبه بين الصوم والصدق أن كلا منهما لا يطلع عليه إلا الله.

وفي باب الكرم والبذل والسخاء، دلَّتْ الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف أضعافا كثيرة في الزمان الفاضل كرمضان وغيره؛ فينبغي للصائم الذي امتنع عن الاشتغال بالطاعات على اختلاف أنواعها ويتحلى بخلق الكرم والعطاء ومن ذلك تفطير الصائمين؛ فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من فطَّر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا".

وعن خلق العفة، فإن الصائم يتربَّى بالصيام على الطهر والعاف، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك في قوله "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"؛ فقد بيَّن -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الصوم وقاية للصائم ووسيلة لعفته؛ وذلك أنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. والصوم يُضيِّق تلك المجاري، ويذكِّر بالله العظيم فيُضعف سلطان الشيطان ويقوي سلطان الإيمان.

وكذلك من أخلاق الصائم أن يتسم بالحلم وكظم الغيض، وعلى الصائم أن يصون نفسه ولسانه من أن يتفوه بكلام قد يفسد عليه صومه وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني مرء صائم". كما يجب عليه أن يكون حريصا على ترك الغيبة والكذب وقول الفحش؛ حيث إنَّ الصائم الحق يتأثر سلوكه بالصيام في تعامله مع الآخرين، أما من اتخذ الصيام مجرد عادة بحيث يصوم إذا صام الناس ويفطر إذا أفطروا ولم يدخل مدرسة الصيام دخولا إيمانا أو هو يفسر الصوم بأنه مجرد إمساك عن المفطرات فيطلق لسانه وبصره فيما حرمه الله مع أنه يمنع نفسه مما هو مباح له في الأصل من الطعام وشراب وغيرها من المباحات.

تعليق عبر الفيس بوك