موسى: من علامات اعتماد المسلم على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل

صحار - الرؤية

·يقول محمد موسى في شرح الحكم الربانية، إن من بين علامات الاعتماد على العمل: نقصان الرجاء عند وجود الزلل، موضحا أنّ حمولة النفس الثقيلة ترهق الإنسان، وراحته في التخفف والتحرر.. التخفف من الأعباء، والتحرر من الضغوط، التي كثيرًا ما يختارها الإنسان لنفسه بنفسه، جهلا وغفلة.. فلا أجمل من الحرية، ولا أروع من الشعور بخفة الروح وانطلاق النفس.. إنّ الطريق إلى الله تخلٍ وتحلٍ.. إنّه تخل أولا عن كل ما يثقل الروح ويؤخر المسير، ثم تحل بما يريح القلب ويسمو بالنفس ويرقيها في مدارج الكمال.. والذكي النبيه لا يتخفف من بعض الحمولات ويظل يعاني من حمولات أخرى إنّما يلقي بكل ما يثقل كاهله، ويتخفف من كل شيء، ليسير خفيفا، بل ينطلق طائرا في سماء الحرية، فرحا بالعناية الربانية، معولا في كل أمره وحاجته ومطالبه على الله وحده، واثقا بربه غاية الثقة.. فهو يعلم يقينا أنّ الله هو القائم على كل نفس، وأنّه لا كافي ولا معين ولا وكيل ولا مدبر إلا هو سبحانه، لذا فهو يبرأ من كل شيء سوى مولاه.. حتى عمله وطاعته، فهو يقدمها عبودية لربه وتقربا إلى مرضاته، لكن ليس اعتماده على تلك الطاعة أو ذلك العمل، الذي غالبا ما يكون معلولا ناقصا، لأنّ هذا شأن الطبيعة البشرية (إذا لم يكن عون من الله للفتى * فأول ما يجني عليه اجتهاده).

وأضاف موسى أنّ المؤمن اللبيب لا يعتمد على سراب، ولا يعول على وهم، ولا يخدعه تزيين النفس وتلبيس الشيطان.. فإنّه مع اجتهاده وصدقه في العمل إلا أن موضع ثقته في الله لا في العمل.. قد نفض قلبه من كل شيء سوى من بيده الأمر كله، فلا تستفزه النفس الأمارة بالسوء فيزكي نفسه أو يدلل بعمله على ربه، الذي لولا فضله ما كان عمل أصلا، والله يحب من عبده الصدق والاعتراف بالحقيقة، والعبد الصادق يعلم أنّ ما به من فضل فمن الله وحده، ومن عظيم مَنّ الله عليك أن خلق ونسب إليك وليكون المؤمن على بينة من نفسه أنه لا يعول على غير الله من مخلوق أو حالة أو عمل، فقد جعل صاحب الحكمة علامة للمؤمن يستدل بها على صدقه وثباته على مبدئه، حتى لا تخدعه نفسه في التعويل على عمله والثقة بشيء دون ربه، وتلك العلامة تبرز عندما يقع المؤمن ضحية ذنب أو زلل أو خطيئة فكثيرًا ما يفقد العامل ثقته بربه عندما يخطئ أو يعصي، فيظن أنّ ربه قد تخلّى عنه، وأنّه لا يستحق عطاء ربه، فينقص رجاؤه في الله، ويسيطر عليه اليأس والقنوط وما ذاك إلا لعدم فهمه ونقص إدراكه، كما أنّه إشارة واضحة إلى أنه في حال الطاعة لم يكن اعتماده على الله إنّما على عمله وطاعته، قال بعض العارفين: ( الاعتماد على النفوس من علامة الشقاء والبؤس، والاعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال، والاعتماد على الكرامة والأحوال من عدم صحبة الرجال، والاعتماد على الله من تحقق المعرفة بالله).

وأشار إلى أنّ المؤمن الصادق لا يعتمد على غير الله، بل هو دائم الثقة بالله في كل حال، سواء الضعف أو القوة، الغنى أو الفقر، الطاعة أو المعصية فإنّه عبد الله على كل حال، كما أنّ الله ربه على كل حال، والله لا تضره معصية عبده، كما لا تنفعه طاعته، إنّما الذي ينتفع بالطاعة أو يتأثر بالمعصية هو العبد نفسه، وإن أعظم أعمال المؤمن أن ينسى نفسه في جنب ربه، فيكون ذكره لله غالبا على ذكر نفسه سواء أحسنت أو أسأت، كما يكون تعلقه القلبي والروحي بربه عنده فوق كل اعتبار فرجاؤه في الله لا لسابق عمل ولا توهم مكانة خاصة بسبب طاعة أو عبادة إنّما رجاؤه لما يعلمه من كرم الله ومحبته لعباده وعظيم فضله وسابق منته ورحمته، فإنّ بدر منه ذنب أو تقصير فحقه التوبة والاستغفار والإنابة إلى الغفور الرحيم دون أن يجمع مع ذنبه سوء الظن بربه، فيكون أعظم إثما وأبعد منزلة مما كان بعد الذنب الأول "إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون". ولو فقه الناس أنّ الاعتماد الحق إنما هو على الله وحده، وليس سواه من عمل وعبادات ظاهرة، فضلا عن الاعتماد على بشر أو منصب أو مال أو جاه، لما بغى أحد على أحد، ولا تألى على الله أحد، فاللهم نسألك الرشاد والسداد بمنك وفضلك يا كريم.

تعليق عبر الفيس بوك