أكبر مُعمِري العلياء يستعيد ذكرياته عن تقاليد رمضان بين الماضي والحاضر

العوابي ـ الرؤية


يبلغ خلف بن سيف بن ناصر البحري من سكان قرية العلياء بولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة من العمر 100 سنة، وسافر إلى مملكة البحرين للعمل هناك في مرحلة ما قبل السبعينيات، وبعد تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مقاليد الحكم في البلاد عاد كغيره من المواطنين الذين كانوا خارج البلاد وعمل في مكاتب العدل. وعاصر الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وعدد من القضاة منهم فضيلة الشيخ محمد بن سالم الرقيشي وفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد الريامي والملقب بأبوزيد. ويستعيد البحري ذكرياته عن العادات والتقاليد الرمضانية في الماضي، ويقارن بين تلك الذكريات وما بقي منها، وما طرأ عليها من تغيير في هذه الأيام.

ويقول البحري إنّ الناس في الماضي كانت تعاني قسوة الحياة وشظف العيش في مختلف مجالات الحياة إلا أنّ العادات التي يتمتع بها أهالي القرية كانت تساهم في إبراز صور التكافل الاجتماعي، ولهم في شهر رمضان صورة من هذا التكافل حيث كان وكيل المواقيف يجتمع بأهالي قرية العلياء في الخامس والعشرين من شهر شعبان لحصر مردود تلك المواقيف، ويؤخذ منها مبلغًا لشراء أبقار وتذبح يوم التاسع والعشرين من الشهر نفسه وتوزّع لحومها إلى عدد الصائمين في كل أسرة. وفي الأول من رمضان المبارك يجتمع أهل القرية لتناول الإفطار في عريش الحيل الذي تشتهر به القرية، وفي الخامس عشر من الشهر الفضيل يجتمع وكيل المواقيف في نفس المكان ويقوم بتوزيع الحبوب من الثمار والتي تجود به المزارع وفي الثامن والعشرين من نفس الشهر يتم ذبح مزيد من الأبقار وتوزع للصائمين في القرية.

ويضيف خلف البحري: لا زلت أذكر أيام الطفولة التي عشتها في العلياء، ولرمضان عادات وتقاليد لا زالت عالقة في ذاكرتي، وقد تغيّر بعض منها بسبب تغير الوضع الذي نعيشه فما كان غير متوفر في الماضي بات ـ ولله الحمد ـ متاحا وميسورا وفي متناول اليد في الحاضر. ومما أذكره في العادات الماضية أنّ تحري رؤية هلال شهر رمضان تتم من خلال تتبع أهالي القرية وذلك بواسطة العين المجردة ومن أعالى الجبال أو يأتينا مخبر من القرى المجاورة وربما نعلم في اليوم التالي أن رمضان قد هلَ، ويتم مباشرة إطلاق المدفع لكونه يحدث صوتا عاليّا ويسمع من بعيد، ويعد ذلك بمثابة الإعلان عن دخول الشهر، وكإبلاغ للناس بأن غدًا بداية أول أيام رمضان، في الوقت الذي كان فيه الجميع قد استعدوا لاستقبال الشهر الفضيل سواء كان الطقس صيفا أو شتاء. وهذه العادات انطمست في ظل الحياة المعاصرة بسبب انشغال الناس بوسائل التواصل الحديث إلى جانب وسائل الإعلام المختلفة ومن هنا حدث التغيير فعوامل التكنولوجيا الحديثة أدخلت تغييرًا جذريا بصورة عفوية وتلقائية على عاداتنا.

ويشير الوالد خلف البحري إلى أنّ الناس في شهر رمضان وفي قت الصيف كانوا يقضون أوقاتهم تحت ظلال الأشجار والأماكن الباردة لعدم وجود الكهرباء. أما الآن فوسائل الراحة كالكهرباء وأجهزة التكييف المتوفرة في كل بيت وفي العمل، لذا لم يعد الناس يواجهون تلك الصعوبة التي عاشوها سابقا، وهذه بدورها تساعد الناس على أداء فريضة الصيام بسهولة ويسر وطمأنينة وراحة تامة ودون إحساس بجوع أو عطش أو تعب. ومن العادات الرمضانية المعروفة التي لا نزال نحافظ عليه أن يصطحب الكبار أبناءهم الصغار لأداء سنة التراويح.
وعن طبيعة وجبة الإفطار يقول البحري: كانت قليلة والمائدة بالكاد لا تجد فيها غير التمر والماء واللبن وما تيسر من الطعام المتواضع وقتها، أمّا اليوم فمائدة الإفطار تعددت أصنافها، وتنوعت أطباقها بما لذ وطاب، وكل ذلك يعد من النعم التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى والتي يتوجب علينا فيها الشكر للمولى جلت قدرته. ومن العادات التي أحفظها أنه بعد تناول وجبة الإفطار وأداء صلاة المغرب يجتمع الجيران بعضهم البعض في سبلتين في القرية هما سبلة الغرب وسبلة الشرق، حتى موعد أذان العشاء، وبعد أدائهم للصلاة يستكملون لقاءاتهم بكل الود والتآلف والمحبة، يتبادلون أطراف الحديث ويتناصحون في أمور حياتهم، أمّا الآن فقد قلَّ التواصل وقلّت الزيارات، واقتصر البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أحدث تباعدًا بين الكثيرين، إلا ممن لا يزال حريصا على التواصل الاجتماعي، وصلة رحمه وزيارة أقاربه.

تعليق عبر الفيس بوك