تجليات الإشهار

رحيمة المسافر

الصورةُ تعود إلى الوراء قليلاً، مضيئة جدًا، وهج رفيقة الدرب "أم هود" يملأ مُخيلتي، كم هي الأمنية اليوم عزيزة بأن تكون ماثلة بجسدها وابتسامتها وبريق عينيها أمامي، لكن قدر الله لا غالب له.

لم احتاج أم هود اليوم؛ لأنّه يوم عيدٍ بالنسبة لي شخصياً، ولبقية أعضاء فريق الرحمة وداعميه والمستفيدين من نشاطاته وفعالياته، ذلك أنّ الحُلم البعيد، الطويل، أصبح اليوم حقيقة؛ حيث تمّ إشهار الفريق رسمياً صباح يوم الإثنين 6 يونيو 2016م، بقرارٍ وزاري بإمضاء وزير التنمية الاجتماعية.

تجلياتٍ كثيرة كانت الحد الفاصل بين خطي (البداية- وساعة الإشهار) وهي نقطة فاصلة بلا شك في مشوار فريق الرحمة، الذي أضحى يحمل اسم جمعية الرحمة، تلكم التجليات جعلتني استدعي إلى الذاكرة شخصيات كثيرة، ضحَّت بوقتها وجهدها ومالها سواءً من مؤسسي الفريق وأعضاء مجلس إدارته عبر السنوات الثمان الماضية، أوالمتبرعين والمتطوعين والقائمين على شؤونه وإدارته.

الحديث عن الإشهار في حقيقته حديثٌ عن كل تفاصيل الرحلة، عن التحديات والعقبات والصعوبات والمغامرات والظروف المتقلبة التي أحاطت بالفريق والبلاد، في كل سانحةٍ وجانحة كنّا بفضلٍ من الله في المُقدمة، رغم ما كنا نعانيه من مضايقاتٍ عديدة، لكن الضمير الحي ظلَّ يهتف بداخلنا للوصول إلى مناطق أوسع من الإنسانية في قلوب الضعفاء والمعوزين ومن ألقت بهم متغيرات الزمان في مناطق كانوا يرونها قصيةً من كل الأحلام والطموحات والأمنيات.

كل شيءٍ في الحياة له أمد، لكن صبر الفريق وروح أعضائه المُتدفقة بحب الخير لم تخبو، فكنّا أمام الصبر أكثر صبراً، وبقوة إرادتنا المُتحدة استطعنا أن نعبر بسفينة الفريق إلى مناطق أكثر أمناً، ليس أمناً لنا، بل أمناً لمن هم يروننا بوابةً لأمنهم الاجتماعي والنفسي.

قالوا قديمًا: "يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر"، هكذا رأى البعض فينا اليد الحنون، التي لم يكن يظن يوماً أنها ستكون حاضرةً بين جدران أرواحنا، وبلاط أفئدتنا، لكننا؛ صدقاً، وبلطفٍ كبيرٍ من الله، تمكنّا أن نكون يد الرحمة لكل من وفقنا الله لأن نمدها له، ومع إشهارنا اليوم، فإنّ اليد الأخرى قد عادت إلى جسد الرحمة، وبكلتا اليدين سنعمل لأن تبقى "الرحمة" تغشى كل فقيرٍ ومحتاج.

في لحظاتٍ قاسية، شكَّ البعض في إمكانية "الإشهار" لكن ضوءاً ينسمل في أعماق الروح ظل يسطع في داخلي، أنّ رحمة الله ستنتصر على كل الظروف، وأن الحب الكبير سيطفو فوق هذه البسيطة، وسيرفع أشرعة العمل الإنساني عالياً بكل جماله وألق ندائه.

هنا لن أتحدث عن أيّ شيء، بل سأحتفظ في داخلي بكل شيء، إذ إن جمال الإنجازات التي تحققت يَنْسَلُّ إلى روحي بضياءٍ لم أعهده من قبل.. فقط لنعمل بصدقٍ على جعل حياة من يحتاجون إلينا أفضل.

تعليق عبر الفيس بوك