الحالة العربية: حرب عبثية ولا مبالاة شعبية!

عبيدلي العبيدلي
ليس هناك من ينكر أنّ المواطن العربي العادي يتابع بالكثير من عدم الاكتراث، أخبار المناطق الملتهبة في بعض البلدان العربية سواء كانت تلك الأنباء قادمة من الشمال حيث تقبع المدينة السورية المنكوبة حلب، تشاطرها الحالة ذاتها المدينة العراقية الفلوجة وتتنافس معها في الكآبة عدن في أقصى الجنوب، أو حتى من المناطق الهادئة نسبيا مثل مصر ولبنان. لكن ما نجاهد نحن العرب في إنكاره، بمن فينا سكنة المناطق الملتهبة، أو نحاول تمويهه أن تلك المتابعة وصلت إلى مستوى عال من اللامبالاة، بعد أن تحولت المعارك إلى ما يشبه النشاط العسكري العبثي الممجوج. تردد القوى المتصارعة الشعارات ذاتها وتتبادل الاتهامات ذاتها. فجميعها يدعي أنّه يدافع عن المواطن في تلك المناطق، لكنّه لا يتردد في قصف أماكن تجمّعه، ولا يرف له جفن وهو يرى بعد انتصاره على خصمه، ومنازل ذلك المواطن تنتهك حرماتها، وتنهب محتوياتها، رغم تواضع تلك المحتويات، وبناته تسبى أو تنتهك أعراضها على مرأى منه.

لم يعد يهم ذلك المواطن من هو المنتصر أو الخاسر، فسلوك القوى السياسية متشابه إلى حد بعيد، إن لم يكن متطابقا، وأهدافه تحمل اللون ذاته، حيث لم يعد يهم أي من القوى المتصارعة التمييز حتى بين الشعارات التي ترفعها، باستثناء التوقيع الذي يحمل حروف الجهة التي يذيل اسمها نهايات نصوصها. حتى مندوبي الأمين العام للأمم المتحدة: ولد الشيخ في الكويت، وقبله ديمستوري في جنيف لبسا لبوس القوى المتصارعة، وبات لساناهما يلوكان التصريحات ذاتها، وتقتصر الاختلافات على أسماء المدن، وألقاب الوفود المشاركة في محادثات "ذبح الشعب العربي"، إن جاز لنا القول..

اكتشف المواطن، وإن كان في وقت متأخر بعض الشيء، أن آخر ما يهم تلك القوى، من هي متربعة على كراسي السلطات، أو تلك التي ترتدي عباءة المعارضة، هي مصلحة الوطن أو المواطن، فما بات يهمها، في حقيقة الأمر، هو قدرتها على تحويل مجرى الصراع نحو ما يعزز إحكامها على قبضة النفوذ، ويضمن تدفق المساعدات المالية في حساباتها المصرفية في البنوك العالمية وليذهب ما عدا ذلك إلى الشيطان.

تراجعت الأولويات لمصلحة الثانويات، واختفت المبادئ الكبرى لخدمة الأهداف الضيّقة التي تخدم الفئات المتصارعة. هذه هي السمة العامة التي لا يغيّر من جوهرها بعض الاستثناءات الفردية التي تثبت تلك السمة العامة، وتكرّس القواعد المعمول بها.

انتفى الصراع العربي - الصهيوني، وحقوق الفلسطينيين في العودة، ولم تتردد تلك القوى في تمويه العلاقات المباشرة التي باتت تربطها مع العدو الصهيوني، وحل مكانه التفوق على المنافس المحلي، وهزيمة الآخر.

اختفى التنافس العربي- الفارسي، كي تحل مكانه العصبيات القبلية، وكأننا عدنا إلى زمن الغساسنة والمناذرة التي لا يتردد أي منهما في الاستعانة بالخارج كي يضمن تفوقه على غريمه العربي، كي يكتشف في مرحلة لاحقة أنّ أهداف الحليف الخارجي، يتناقض في جوهره وآفاقه مع الهدف المحلي، حتى في أضيق أشكاله التي لم تكن تتجاوز حينها المصالح القبلية، والتي بتنا نراها تتكرر اليوم في أشكال قبلية معاصرة.

تحولت تلك الحروب العربية التي تمتد من ليبيا شمالا غربا، حتى اليمن جنوبا شرقا إلى حروب عربية داخلية، ولدت، بشكل طبيعي ومنطقي، حالة من اللامبالاة العربية أيضا.

محصلة هذا الاقتتال العربي الداخلي المتصاعد، شاء المشاركون فيه الاعتراف، أم ركبوا رؤوسهم، وتوهموا خلاف ذلك، هي التالي:

1. ضعف عربي شامل ومتكامل، على المستويات كافة: السياسية والمجتمعية والاقتصادية. فعلى المستوى السياسي بدأنا نلمس، وسوف يتنامى، تشرذما عربيا يتمظهر في التكوينات السياسية التي يتوقع لها أن تتناسل كنتيجة لتلك المعارك الضارية. فمن الطبيعي، ان تقود هذه الحروب إلى تحقيق أهداف القوى الأجنبية الكبرى المرتكزة على تمزيق الجسم السياسي العربي، بما يضمن تناحر مكوناته السياسية، كي تستمر حالة اللا هدوء التي نشهدها اليوم، أن لم يستمر تصاعدها.

2. أمّا على المستوى الاجتماعي، فلا بد أن يضمن ذلك المشروع الدولي الذي تشارك فيه بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا، بل وحتى الكيان الصهيوني، تشظٍ اجتماعي عربي تنشطه النزعات القومية المفتعلة، والصدامات الطائفية المناهضة لحركة التاريخ ومسارها، بما يحقق بروز فسيفساء اجتماعية متناحرة غير قادرة على التعايش مع بعضها الآخر، ومشحونة بالرغبة في الانقسام، والانشطار.

3. ولا يختلف الأمر على الصعيد الاقتصادي، إن لم يكن أسوأ، فالمطلوب أولا إعادة ضخ السيولة النقدية التي راكمتها الدخول النفطية على مدى العشرين السنة الماضية التي ولدها الارتفاع في أسعار النفط من خلال إشاعة الاقتتال، واضطرار كل طرف عربي إلى اقتناء المزيد من الأسلحة، وتكديسها في حال عدم استخدامها، بأثمان فلكية. يتزاوج ذلك مع إبقاء أسعار النفط في مستويات متدنية تحول دون مراكمة سيولة جديدة.

كل ذلك يثير علامات استفهام كبيرة، دون الوقوع فريسة سهلة في براثن "نظرية المؤامرة"، وإنما الانطلاق من تضارب المصالح، على المستويات الدولية والإقليمية، وانعكاسها على المنطقة العربية في شكل حروب متأججة، وصدامات لا متوقفة.

المطلوب هنا الخروج من بوتقة حالة المبالاة هذه، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل استمرار حالة الصراعات المسلحة على النحو الذي تسير فيه اليوم. فالخروج من حالة المبالاة، رهن بتوقف تلك الحروب، والكف عن الاستفادة الضيقة الأفق من ورائها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة